تونس -تونس اليوم
طرحت الاتفاقيات الأخيرة التي نالتها مصر تساؤلات حول ما إذا كانت ليبيا قد تخلت عن شقيقتها الشمالية تونس في فرص إعادة الإعمار لصالح مصر، خاصة في ظل التوترات السياسية التي شابت العلاقة بين البلدين منذ فترة.أفضت زيارة رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى مصر، الأسبوع المنقضي، إلى توقيع أكثر من 14 اتفاقية مشتركة في مجالات اقتصادية بقيمة 19 مليار دينار ليبي (نحو 4.2 مليار دولار)، إلى جانب 6 عقود تنفيذية.وصرّح وزير العمل الليبي علي عابد، أن تنفيذ هذه الاتفاقات يستوجب مليون عامل مصري سيدخلون إلى ليبيا بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في إطار "تنفيذ خطة مشاريع التنمية والبنية التحتية".وانتقدت أطراف تونسية وحتى ليبية غياب المساهمة التونسية في مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية في ليبيا رغم وعود سابقة بذلك، بينما ذهب البعض إلى القول إن هذه الاتفاقات قد تلغى بعد أن صادق مجلس النواب الليبي على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
الأولوية لتونس
اعتبر وزير الخارجية الليبي السابق، هادي حويج، أن تونس التي "عاشت مع ليبيا سنوات الجمر والرصاص وعايشت ليبيا في أحلك الظروف، عليها أن تكون المستفيد الأكبر من فترة ما بعد الاستقرار وليس مصر ومالطا".وطالب حويج بإعطاء الأولوية للشركات التونسية للمساهمة في مشاريع إعادة إعمار ليبيا في مجالات الطاقات المتجددة والبناء وغيرها، داعيا التونسيين إلى "اقتحام" الأسواق الليبية.وعزى الوزير الليبي السابق عدم حصول تونس على امتيازات ما بعد الاستقرار على غرار مصر ومالطا إلى "تردد السلطات الرسمية التونسية في الاندفاع نحو ليبيا".من جانبه وجّه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي انتقادات إلى الرئيس قيس سعيد، قائلا إن السياسة التي اتبعها أضاعت على تونس فرص نهضة اقتصادية عبر العلاقة مع ليبيا وحرمت التونسيين من مئات آلاف فرص الشغل.
ودوّن المرزوقي على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك "أُعزي أهلنا في الجنوب من صفاقس إلى رأس جدير، وهي المنطقة الأكثر ارتباطا بالاقتصاد اللّيبي والتي سترى تبخر كل الآمال في نهضة اقتصادية مرتبطة أشد الارتباط بحسن العلاقات السّياسية مع الجارة والشّقيقة ليبيا".وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال المحلل السياسي، جلال الأخضر، إن غياب تونس عن قائمة المساهمين الأوائل في إعادة الإعمار في ليبيا هو نتيجة مباشرة للأزمة السياسية التي أشعلها إغلاق السلطات الليبية حدودها مع تونس من جهة واحدة ودون استشارة الجانب التونسي.ولفت إلى أن هذه الأزمة أفرزت اهتزاز الثقة بين رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، قائلا "رغم تبادل الزيارات وفتح الحدود ورغم التأكيدات أمام عدسات الكاميرات على صفو الأجواء فإن العلاقة بين الدولتين لم تعد إلى عهدها السابق".وبيّن أن مصر كانت أول من استثمر في هذه الأزمة ونالت الأسبقية في عقود إعادة الاعمار التي تتضمن مشاريع ضخمة، بينما تأخرت تونس وأضاعت العديد من الفرص.على الجانب الآخر، يرى الباحث السياسي والخبير في شؤون منطقة شمال أفريقيا، باسل الترجمان، أن الاتفاقات المصرية لا تنقص من ميزان الترابط بين تونس وليبيا اللذان تربطهما علاقة تعاون تاريخية لا يمكن أن تعوضها أي قوة بغض النظر عن امكانياتها وقدرتها الاقتصادية، وفقا لقوله.
وقال الترجمان لـ "سبوتنيك"، إن "تونس لا تمتلك امكانيات ضخمة أو قدرات عمل في المشاريع العملاقة حتى يتم استثمارها في ليبيا، مضيفا أن الشركات التونسية هي شركات ذات مساهمة صغيرة"، مستدلا على ذلك بعدم وجود مشاريع عملاقة في تونس.
واستطرد بالقول "ولكن ما تؤمنّه تونس لليبيا من سلع وخدمات لا يمكن لأي طرف اقتصادي مهما علت امكانياته أن يعوضه، والدليل أن السلع الليبية ليست موجودة في السوق التونسية بينما تكتسح السلع التونسية أسواق جارتها الجنوبية، ناهيك عن خدمات العلاج التي يستفيد منها عدد هام من الليبيين".
وأرجع الترجمان غياب التعاملات الاقتصادية عن التصريحات الرسمية بين البلدين إلى "الموقف السلبي الذي اتخذته حكومة عبد الحميد الدبيبة من تونس جراء التخبط في مستوى القرار السياسي الليبي".
وانتقد المتحدث "ارتماء الدبيبة مرة في أحضان أردوغان وأخرى في أحضان السيسي"، قائلا إن "هذا التخبط انعكس على علاقته بتونس".
ويرى الترجمان أن الدبيبة هو "المتسبب الرئيسي في افتعال الأزمة مع تونس من خلال اتخاذ قرار غلق الحدود ونشر تصريحات اعتبرتها تونس عدائية"، مشيرا إلى أن ليبيا ستكون الخاسر الأكبر من حالة العداء مع تونس. ويتوقع الترجمان أن تعود التعاملات بين تونس وليبيا إلى سالف عهدها، مشيرا إلى أن "الانقسامات الأخيرة التي تشهدها ليبيا لن يكون لها أثر على تونس التي نأت بنفسها عن الأزمة الليبية وأضحت الطرف الوحيد الذي لم يتورط في الصراع الليبي الليبي".وأضاف أن الحياد هو الذي أنقذ تونس من أن تكون طرفا في الصراعات الليبية، مستذكرا رفض الرئيس التونسي قيس سعيد السماح للقوات التركية بالمرور عبر الأراضي التونسية لرفع الحصار عن طرابلس.
اتفاقات مبدئية
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي غازي معلا لـ "سبوتنيك"، إن الاتفاقات التي وقعتها مصر مع ليبيا هي اتفاقات مبدئية وليست عقودا مبرمة وهو ما يجعلها قابلة للتغيير وحتى الالغاء. وبيّن معلا أن التطورات الأخيرة في ليبيا وسحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة من قبل مجلس النواب الليبي قد يغير المعطيات على أرض الواضع، متوقعا بطلان هذه الاتفاقات خاصة بعد الانتقادات التي طالت حكومة الوحدة الوطنية واعتبارها حكومة انتقالية غير قادرة على اتخاذ القرارات وعقد الاتفاقات مع الدول. وأشار معلا إلى أن الاتفاقات السابقة التي وقعتها العديد من الدول ومن بينهما تونس مع ليبيا قبل سنة 2011 سيكون لها الأولوية في تنفيذ خطة إعادة الاعمار قبل أي اتفاقات لاحقة. معتبرا أن المقارنة بين تونس ومصر هي جدل عقيم يندرج ضمن التسويق السياسي. وقال معلا إن ضعف التنسيق في الجانب الاقتصادي بين تونس وليبيا يعود بالأساس إلى الوضع الاستثنائي الذي تشهده تونس وغياب حكومة، مضيفا "منذ 25 يوليو انكبت الجميع على الحديث على الجانب الدستوري والانتقال السياسي الجديد، وتم تغييب الملف الاقتصادي رغم خطورة المرحلة التي تمر بها تونس". وتترقب الأوساط التونسية بدأ مرحلة إعادة الاعمار في ليبيا من أجل استرجاع نصيبها من مواطن الشغل، خاصة وأن العمالة التونسية كانت تكتسح أسواق العمل في ليبيا بعدد يتراوح بين 300 ألف و500 ألف تونسي.
قد يهمك ايضا
الطبوبي يؤكد عزم الإتحاد على تقريب وجهات النظر وإخراج البلاد من أزمتها.
نور الدين الطبوبي يؤكد إن الأزمة الحالية في البلاد سياسية بإمتياز