اتحاد الشغل التونسي

بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لأحداث26 جانفي 1978 أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا أكد فيه انه يواصل التصدّي للهجمات التي يدبّرها الحاكمون ضدّه وضدّ الحقّ النقابي، ولهذا لن ينسى النقابيات والنقابيون الاعتداء الهمجي التي مارسته ميليشيات ما يسمّى بروابط حماية الثورة يوم 04 ديسمبر من سنة 2012 وجدّد مطالبته بمحاكمتهم، مشددا على انه سيواصل التصدّي لمؤشّرات إجهاض الثورة والانحراف بها عن مسارها الصحيح والتي ظهرت في ملامح ديمقراطية متعثّرة لا تحقّق أهداف الثورة. في التالي البيان:

يحيي الشغالون اليوم ذكرى الإضراب العام يوم 26 جانفي 1978 استحضارا لوقفة الشرف في وجه الظّلم والتصدّي الشجاع للاستغلال ولهجمة شرسة استهدفت القضاء نهائيا على الاتحاد وجعله أداة طيّعة للنظام، لقد شكّلت أحداث هذا اليوم مؤشّرا على تحوّل حزب الدستور أحد أهم مكوّنات معركة التحرير الوطني إلى حزب ركيزته الأساسية دكتاتورية قمعية، إلاّ أنّه كان مقابل ذلك يوما مشرّفا موشّحا بنضالات النقابيين وتضحيات الشهداء ومعاناة أسرهم.. تضحيات لم يطلب أصحابها ولا ذويهم عنها لا جزاء ولا تعويضا بل كان طلبهم فقط هو كشف الحقيقة وردّ الاعتبار.

لقد اتّسم الوضع العام للبلاد يومئذ بتفكّك سياسي وتطاحن على خلافة الرئيس بورقيبة بين أجنحة متعطّشة إلى الحكم، كما تميّزت بتصاعد حالة عدم الرضا لفئات بقيت خارج مسار التنمية وتصاعد الشعور بالحرمان الذي تفشّى على أوسع نطاق، كما اتّسم، جرّاء السياسة الليبرالية التي انتهجتها حكومة السيد الهادي نويرة بإثراء باذخ لأقلية اجتماعية لم تتورّع عن التظاهر، وسط عوز متفشّ، بآثار الثروة التي كدّستها بفضل مضاربات كانت كثيرا ما تتمّ على حساب مقدرات الدولة: قروض بفوائد زهيدة، إعفاءات جبائية، سوء تصرف في المؤسسات العمومية، الفوز باحتكارات على حساب المجموعة الوطنية، فساد، رشاوي على شراءات الدولة.

وبمجرّد تحرّك النقابيين في عدّة قطاعات لمواجهة ارتفاع كلفة العيش والمماطلة في تطبيق بنود الاتفاقات المهنية ومعارضة السياسات القائمة، عمد النظام إلى محاولة احتواء الأزمة بدعوة الاتحاد إلى إمضاء ميثاق وطني يقضي بالالتزام بسلم اجتماعية طيلة المخطّط الخامس مقابل ترفيع عام في الأجور في القطاعين العمومي والخاص.

غير أنّ هذه السلم لم تثبت أمام تواصل ارتفاع نسق التوتّر الاجتماعي من جهة وتصدّي الشقّ المتصلّب داخل الحزب لأيّ زيادة في الأجور واتهام الاتحاد بـ”إيواء عناصر متسرّبة في صفوفه” بمناسبة نقاش قانون الميزانية صلب مجلس النوّاب، وقد تزامن ذلك مع تسجيل ارتفاع منخرطي الاتحاد إلى 550 ألف منخرط من العمال والشبان والإطارات والفنيين يحدوهم أمل تحسين ملموس لظروفهم المادية والتّوق إلى التخلّص من هيمنة الحزب الواحد الأمر الذي جعل حزب النظام يخشى من الدور المتعاظم للمنظمة، فقرّر بعث الشعب المهنية في كافة المؤسّسات بعد فشله في وضع مؤتمرات الاتحاد تحت إشرافه المباشر، وأمام هذه المؤامرات التي استهدفت استقلالية المنظمة وآخرها تجنيد ميليشيات الحزب الحاكم لاستهداف مقرّات الاتحاد في القيروان وسوسة وتوزر وسيدي بوزيد وعديد الجهات الأخرى بالحرق والتهشيم، وتعالي أبواق إعلام النظام تدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي قصد تنحية قيادته، كان ردّ فعل الاتّحاد على كلّ ما تقدّم من ممارسات مدويّا – دفاعا عن وجوده وعن استقلاليته – بإعلان إضراب عام احتجاجي يوم 26 جانفي 1978 صاحبته مظاهرات صاخبة صدر بسببها قانون جائر للطوارئ وتدخّل أثناءها الجيش وسقط عدد كبير من الضحايا، كما فُرضت حالة الطوارئ، وتمّ اعتقال القادة النقابيين وتنصيب قيادة جديدة ضعيفة موالية للسلطة وإخضاع القيادات النقابية إلى ظروف الاعتقال الأكثر إهانة وبشاعة، الشيء الذي أدّى إلى استشهاد الأخوين حسين الكوكي وسعيد قاقي تحت التعذيب. كما وجّه ممثل الادعاء خلال المحاكمة تهما للنقابيين تقود إلى الإعدام.

أيها الشغالون،

إنّ القمع الذي واجهت به السلطة النقابيين وتنظيمها مؤتمرا استثنائيا لإضفاء مشروعية مزعومة قد ساهما في عزل النظام داخليا وعلى الصعيد الدولي أيضا، وفي تعميق الهوّة بينه وبين الجماهير الشعبية، وفي المقابل استماتت الهياكل الشرعية في مقاطعة المنصّبين وفي تنظيم نضال النقابيين الشرعيين ونشاطهم في السرّية ووقف المحامون والحقوقيون وكلّ القوى الحيّة إلى جانب الاتحاد، في حين اعتبرت بعض الأصوات المقرّبة من السلطة الأحداث فتنة ودعت السلطة إلى قمعها باعتبارها ضلالة. كما تضامنت الفيدراليتان النقابيتان العالميتان والعديد من الفدراليات القطاعية والمنظمات النقابية الصديقة كـ “س.ج.ت” الفرنسية مع القيادة الشرعية وطالبت بإطلاق سراحها. وأدّت هذه العوامل النضالية والتضامنية، إلى جانب ضعف الجبهة الداخلية للسلطة إلى بحث النظام عن حلّ لأزمته عبر التفاوض مع المسؤولين النقابيين الشرعيين من أجل تطبيع وضعه في الداخل والخارج

أيّها الشغالون،

لقد برزت في هذا السياق الطبيعة الوطنية التقدمية والشعبية للاتحاد الذي تميّز منذ تأسيسه عن سائر المنظمات النقابية الأخرى، إذ كان نضاله لا يهدف فقط إلى الدفاع عن حقوق الأجراء المادية والمعنوية، بل وأساسا التطلّع إلى بناء مجتمع أساسه قيم الحرية والعدل والديمقراطية والرقيّ المستمرّ، فتمكّن في وقت وجيز من تجديد قياداته عبر الاقتراع الحرّ واسترجاع دوره كممثّل وحيد للطبقة الشغيلة على الصعيد الوطني ومؤسّسة الانتاج.

إنّه نفس الدور الذي أهّل منظّمتكم وطنياّ وجهويا لاحتضان الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلادنا منذ يوم 17 ديسمبر 2010 والمظاهرة الحاشدة يوم 12 جانفي 2011 بصفاقس ثم بتنفيذ قرار الإضراب العام بتونس الكبرى يوم 14 جانفي 2011 وانتصار ثورة الحرية والكرامة وما تلاها من مبادرات منها قيادة حوار وطني أنقذ بلادنا من التردّي في مهاوي سقطت فيها شعوب شقيقة ولم تظفّر بالخلاص إلى حدّ الساعة.

أيها الشغّالون،

يواصل اتّحادكم التصدّي للهجمات التي يدبّرها الحاكمون ضدّه وضدّ الحقّ النقابي، ولهذا لن ينسى النقابيات والنقابيون الاعتداء الهمجي التي مارسته ميليشيات ما يسمّى بروابط حماية الثورة يوم 04 ديسمبر من سنة 2012 ويجدّد مطالبته بمحاكمتهم، كما يواصل التصدّي لمؤشّرات إجهاض الثورة والانحراف بها عن مسارها الصحيح والتي ظهرت في ملامح ديمقراطية متعثّرة لا تحقّق أهداف الثورة وتعجز عن الإسهام في بناء دولة قادرة على حماية مصالح الشعب بكافّة فئاته، فقد أصبح شعبنا مسكونا بحالة من الإحباط واستشراء أزمة الثقة وهيمنة نزعة الريبة والخوف من السقوط في المجهول، وهذا ما دفعنا إلى التقدّم بمبادرة لمعالجة هذا الواقع بكلّ حكمة ورؤية بغاية إرساء نظام ديمقراطي يلبّي حاجيات كلّ فئات الشعب وفي مقدّمتها تلك الفئة التي ظلّ جرحها ينزف وظلّت أوضاعها المادية لعشر سنوات خلت تراوح مكانها إن لم نقل أنّها ازدادت سوء، بل انضافت إليها اليوم شرائح عمرية همّشها الانقطاع المدرسي المبكّر وافتقدت الدولة معها كلّ وسائل وآليات التواصل، شرائح تظاهرت احتجاجا على ما تعانيه من إقصاء وتهميش اجتماعي، فكان نصيبها المعالجة الأمنية من جانب، وإساءة المجرمين لانتفاضتها من جانب آخر، وإن الاتحاد بقدر ما يشجب الأعمال التخريبية لا يسعه إلاّ أن يساند كلّ الاحتجاجات الاجتماعية المدافعة عن العدالة والكرامة، ويدعو إلى إطلاق سراح الموقوفين الأبرياء وخاصّة منهم القصّر والمدوّنين، ويدعو إلى معالجة واقعهم المرير وإدماجهم في عملية التنمية.

قد يهمك ايضا 

تراجع المبادلات التجارية لتونس مع الخارج بالأسعار القارة خلال سنة 2020

وزارة أملاك الدّولة تسترجع عقارا دوليا بمعتمدية طبرقة من ولاية جندوبة