أنقرة - العرب اليوم
سعت الحكومة التركية، الخميس، لطمأنة الأسواق والمستثمرين بعد أزمة الليرة العنيفة التي شهدت بلوغ العملة التركية أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار، وفي حين قررت تركيا زيادة ضريبة الاستهلاك على الوقود، أظهرت بيانات البنك المركزي التركي أن الودائع بالعملة الأجنبية التي يحوزها المستثمرين المحليين زادت إلى 159.9 مليار دولار في أسبوع واحد حتى العاشر من أغسطس/ آب الجاري، ارتفاعًا من مستوى 158.6 مليار دولار قبل أسبوع، وذلك على الرغم من دعوات الرئيس رجب طيب إردوغان لتحويل العملات الأجنبية إلى الليرة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، دعا إردوغان الأتراك لتحويل ما بحوزتهم من العملة الصعبة والذهب إلى الليرة لدعم العملة المحلية المتداعية، والتي بلغت مستوىً قياسيًا منخفضًا مقابل الدولار الأميركي مطلع هذا الأسبوع، وفقدت نحو 40 في المئة من قيمتها منذ بداية العام.
من جهة أخرى، قالت الجريدة الرسمية في تركيا، الخميس، إنه تقررت زيادة ضريبة الاستهلاك الخاص المفروضة على البنزين والديزل، وقالت مصادر في القطاع، إن من المتوقع أن يقود ذلك إلى زيادة الأسعار في محطات الوقود نحو 9 في المئة.
وكانت أنقرة خفضت في مايو/ أيار الماضي مستوى ضريبة الاستهلاك الخاص لتخفيف أثر أي زيادات في سعر الوقود قد تنجم عن تغييرات في سعر الصرف وارتفاع أسعار الخام، وفي إطار محاولاته لطمأنة الأسواق ووقف تدهور الليرة، قال وزير المال التركي برات البيرق، صهر الرئيس رجب طيب إردوغان، إن تركيا لن تتردد في توفير الدعم للقطاع المصرفي الذي وصفه بالقادر على التعامل مع التقلبات الحالية، مشيرًا إلى عدم حدوث نزوح كبير للودائع عن البنوك في الآونة الأخيرة.
وأوضح البيرق، خلال مؤتمر بالهاتف مع المستثمرين، أن تركيا لم تطبق قط أي إجراءات من خارج آلية السوق، مضيفًا أن فرض قيود على حركة الأموال لن يكون أبدًا مدرجًا على جدول أعمال أنقرة. مشيرًا إلى أن تركيا ستعمل على زيادة التشديد المالي مع التركيز على تعزيز الفائض الأولي لتركيا، وأضاف أن الإصلاحات الهيكلية ومرونة سوق العمل من الأولويات أيضًا. وأشار إلى أن الحكومة ستشهد تخفيضات إنفاق معينة، وأن الإيرادات تبلي بلاءً حسنًا. وقال، إنه من المتوقع تحقيق فائض أولي بستة مليارات ليرة "1.04 مليار دولار" في نهاية العام الجاري.
وأبرز وزير المال، أن حكومة بلاده ستدعم بنوكها العامة إذا احتاجت إلى المساعدة. وذكر أن تركيا ستعلن عن مصادر إضافية للتمويل في الأسبوعين المقبلين، مضيفًا أن تركيا لا تتوقع فرض أي غرامات على بنك خلق التركي المملوك للحكومة.
وكانت محكمة أميركية أدانت مسؤولًا تنفيذيًا سابقًا بالبنك في يناير/ كانون الثاني الماضي، بسبب مساعدته إيران في تفادي عقوبات أميركية. وأبلغ وزير المال المستثمرين بأن السياسة النقدية غير كافية لمواجهة التضخم، وإن هناك حاجة إلى نهج منسق ومتوازن يقارب بين السياسة النقدية والمالية، كما توقع البيرق أن بلاده ستخرج "أقوى" من أزمة تراجع العملة التي تشهدها، مؤكدًا عدم وجود خطة لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. وقال "سنخرج أقوى من هذه الاضطرابات"، وأضاف أنه "لا خطة بشأن صندوق النقد الدولي... نركز على الاستثمار الأجنبي المباشر".
وتم تعيين البيرق، صهر الرئيس رجب طيب إردوغان، الشهر الماضي ويواجه مهمة صعبة في ترتيب الأوضاع الاقتصادية. وقبيل مؤتمر الخميس، كان البيرق يأمل في أن يترك انطباعًا أفضل من الانطباع الذي تركه الجمعة الماضي عندما قدم عرضًا توضيحيًا بشأن إستراتيجية النمو في تركيا بينما كانت الليرة التركية تشهد سقوطًا مريعًا.
وصرح مصدر دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته "هذه آخر فرصة للبيرق ليثبت عددًا من الأمور، من بينها أنه يفهم ما يحدث، وأنه يستطيع أن يكون لديه رد فعل مناسب، وأنه يتمتع بنفوذ على إردوغان"، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وتحول التراجع في قيمة الليرة التركية إلى تدهور الجمعة الماضية عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن إدارته ستضاعف الرسم على الألمنيوم والصلب التركيين. وفقدت العملة خُمس قيمتها خلال يومين؛ ما زاد الضغوط على اقتصاد يعاني من تضخم نسبته 16 في المئة.
وقد عوضت الليرة بعض خسائرها بعد اتخاذ الهيئات المسؤولة إجراءات تحد من إمكانية المضاربة بالعملة. إلا أن محللين يقولون إن هذه الخطوات ليست كافية، ويدعون إلى رفع معدلات الفائدة بشكل كبير، وهو ما تعارضه حكومة إردوغان التي تعتبر تحقيق النمو الاقتصادي من أهم أولوياتها. وقال هولغر شميدنغ، الخبير الاقتصادي في بيرنبرغ "حتى الآن لا يبدو أن تركيا تغير سياساتها بالسرعة اللازمة... ونتيجة لذلك؛ فإن المخاطر تتزايد من احتمال انكماش الاقتصاد التركي لفترة إذا لم يجرِ تغيير موثوق وسريع للسياسات".
وقال البيرق، إنه لن تكون هناك تنازلات بشأن الانضباط المالي، مؤكدًا "نهدف إلى خفض التضخم إلى ما دون الـ10 في المائة في أسرع وقت ممكن"، كما أضاف، أن الإصلاحات الهيكلية ستكون أولوية.