أنقرة - العرب اليوم
تراجع نمو اقتصاد تركيا بشكل حاد في الربع الثالث من العام الجاري، ليهبط إلى 1.6 في المائة على أساس سنوي، بحسب ما أظهرت بيانات هيئة الإحصاء التركية أمس (الاثنين).
وتوقّع خبراء اقتصاديون أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي في تركيا خلال الربع الثالث من العام الجاري إلى 1.7 في المائة مقابل 11.1 في المائة في الفترة المناظرة من العام الماضي، وتظهر الأرقام المٌعلنة أن الاقتصاد التركي نما بأقل من التوقعات، كما تراجع بحدة مقارنة بالربعين الأول والثاني من العام الحالي اللذين بلغ معدل النمو فيهما 7.2 و5.3 في المائة على التوالي.
وكان من المتوقع أن ينخفض النمو مع تأثر الاقتصاد بمعدل التضخم المرتفع الذي يصل إلى 24 في المائة، وتداعيات أزمة الليرة التي تراجعت بشكل حاد أيضا خلال العام وفقدت أكثر من 40 في المائة من قيمتها، ولا تزال تعاني خسائر تصل إلى 30 في المائة.
وأشارت البيانات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بعد التعديل في ضوء العوامل الموسمية والتقييم انكمش 1.1 في المائة في الربع الثالث مقارنة مع الربع السابق. وبلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، نحو 1.013 تريليون ليرة تركية (210 مليارات دولار) خلال الربع الثالث من العام 2018، فيما توقّع خبراء أن معدل النمو قد يصل خلال العام المقبل (2019) إلى أقل من 2 في المائة مع ارتفاع معدل البطالة إلى 12.1 في المائة، مقابل 11.1 في المائة حاليا.
وكانت وكالة "موديز" الدولية للتصنيف الائتماني توقعت أن يمر اقتصاد تركيا بعام قاس في 2019 وأن يتراجع النمو إلى حدود 1.5 في المائة، كما أنه وفي تقرير لها تحت عنوان "هكذا سقطت تركيا في أزمة المديونية التي صنعتها"، لفتت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، إلى التركيز على تهاوي الليرة التركية بمعدلات غير مسبوقة، دون الانتباه إلى التداعي المتسارع تحت ضغط أزمات هيكلية أوصلت الاقتصاد في تركيا إلى طريق مسدود.
وذكرت الوكالة، في تقريرها، الذي نشرته مساء أول من أمس، أن الجميع في تركيا يتفق على تحميل أردوغان مسؤولية هذا الانهيار الاقتصادي، في حين يستسهل هو وصفها بـ"المؤامرة عليه" وأنه سيحلها، ولفت التقرير إلى أن العملة التركية خسرت نحو 20 في المائة من قيمتها في منتصف أغسطس (آب) الماضي وحده عندما تراجعت إلى 7.25 ليرة مقابل الدولار، موضحا أن انهيار عملة أي دولة أو تراجعها بمعدلات سريعة، يخطف الأنظار ويجعل التركيز كله ينصب على هذا الجانب، لكن اختزال الأزمة في انخفاض قيمة العملة يعد تبسيطا شديدا لأزمة شديدة التعقيد، ويحرف أسلوب المعالجة بعيدا عن الجذور الحقيقية للأزمة، التي باتت تهدد الإنجازات الاقتصادية السابقة في تركيا.
وأضاف أن أردوغان تعهد، في أول تصريح له عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، بأن ينقل بلاده بحلول الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية في عام 2023 من المرتبة 17 عالميا، حاليا، لتدخل ضمن مصاف أكبر عشر قوى اقتصادية على مستوى العالم، مشيرا إلى أن الناتج القومي الإجمالي سيبلغ تريليوني دولار في هذا التاريخ.
ورأت بلومبيرغ أن الأزمة الراهنة باتت تعصف بأحلام أردوغان وتعهداته، بل الأخطر أنها تطرح تساؤلات بشأن هل سيكون الرئيس التركي، مطلق الصلاحيات، قادرا على الحفاظ على المرتبة 17 للاقتصاد التركي ضمن الترتيب العالمي، أم أن تراجع أنقرة اقتصاديا بات أمرا مرجحا بشكل كبير، كما لفتت إلى أن الكثير من الاقتصاديين يرون أن مقياس تكلفة ديون الدولة التركية أكثر أهمية من سعر صرف الليرة التركية في مواجهة الدولار، فخلال السنوات العشر الماضية استفادت تركيا من الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت البلدان الرأسمالية عالية التطور عام 2008،
ومن خلال تشخيص حالات تجارية واقتصادية بوقائع رقمية، عرضت بلومبيرغ، الخطوط البيانية للاقتصاد التركي كما أداره أردوغان منذ العام 2002، مستفيدًا من ظروف عقد كامل تميّز بالتمويل الرخيص وشهد ازدهارًا أفرز طبقة من المليارديرات التي استفادت من التمويل الرخيض لمشروعات استهلاكية، وأن العام 2018، كان بالنسبة لأردوغان "السنة التي احترق فيها نموذجه الاقتصادي بنيران التمويل الرخيص"، وكانت النتيجة أن عربته خرجت عن الطريق، ووضعت مغامراته السياسية مجمل المسيرة الاقتصادية السابقة، بكل ما فيها من هشاشة، على المحك.
وأشار التقرير إلى أن دخول أردوغان الحرب السورية، وما رافق ذلك من مشاكل مع روسيا بإسقاط إحدى طائراتها، ومع الولايات المتحدة بسبب الأكراد، فضلًا عن استنزاف اقتصادي، كلها عوامل استهلكت أوراق القوة التي كانت قد تراكمت عشوائيًا أو بالصدف.
ووصفت بلومبيرغ مسيرة أردوغان الاقتصادية، بأنها تشبه "السيارة" التي كانت تصعد التلة، لكن سائقها لم يأبه لإشارات التحذير التي كانت تتوالى أمام عينيه على لوحة القيادة. وفجأة اصطدمت السيارة بأزمتي "انهيار الليرة ومعضلة الائتمان"، موضحة أن أقصى ما فعله أردوغان هو "الزعم بأن كل ذلك مؤامرة عليه"، باعتبار أن الحديث عن "مؤامرة خارجية" يمكن أن يعفيه من المسؤولية.
وبرهنت الوكالة الأميركية على حجم المأزق الاقتصادي التركي بثلاثي تراجع العملة وارتفاع التضخم وتفاقم كلفة الديون الخارجية، مشيرة إلى اضطرار كبريات الشركات التركية لإعادة هيكلة ديونها الخارجية، وقالت إنه في شهر أبريل (نيسان) الماضي، بدأت شركة "شاهين أك دوغوش" القابضة التفاوض من جديد مع الدائنين على قروض بقيمة 2.5 مليار دولار. ومن كابري إلى مدريد، كانت فنادق رجل الأعمال التركي شاهين أك دوغوش الفاخرة معروضة للبيع. وتوصلت شركة أولكر، المملوكة لملياردير البسكويت مراد أولكر، إلى اتفاق مع البنوك في مايو (أيار) لإعادة تمويل ديون بقيمة 6.5 مليار دولار.
وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي بلغ حجم ديون الشركات التركية غير المالية 331 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف أصولها من العملات الأجنبية. الأمر الذي لم يعد أردوغان يعرف كيفية معالجته بعد أن ضغط على المركزي ورفع أسعار الفائدة إلى 24 في المائة، وهو أعلى مستوى في 16 عاما، بحسب الوكالة.
ونقلت بلومبيرغ توقعات صندوق النقد الدولي، بأن معدل النمو للاقتصاد التركي سيكون العام القادم 2019 بحدود 0.4 في المائة، ما يعني التوغل في الركود دون أن تكون هناك بدائل منظورة أمام البنوك والشركات المساهمة سوى اللجوء لمساهميها برسملة جديدة لا يوجد ما يقابلها من رؤية للخروج من الأزمة.
ورغم انكماش السوق المحلية، حققت صناعة السيارات التركية أعلى مستوى لها في حجم الصادرات قبل نهاية العام 2018، وزادت قيمته صادراتها إلى أكثر من مليار دولار من البضائع إلى 8 دول في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين.
ويتراوح حجم تصدير صناعة السيارات إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وبلجيكا وسلوفينيا وبولندا، بين 1.04 و4.42 مليار دولار، وعلى عكس الفترة نفسها من العام الماضي، لم يصل سوق الولايات المتحدة إلى كونه واحدًا من البلدان التي وصلت إليها صادرات بقيمة مليار دولار أو أكثر، بينما تجاوزت سلوفينيا وبولندا هذا المستوى للمرة الأولى.
ووفقًا للبيانات التي تمّ جمعها من قبل جمعية المصدّرين في صناعة السيارات وجمعية المصدّرين الأتراك، فقد قام قطاع السيارات التركي بالتصدير إلى 182 دولة و12 منطقة تجارة حرة، مع تقدم الدول الغربية من بين خمس قارّات في الإحدى عشر شهرًا الأولى من هذا العام، وقد بلغت قيمة صادرات هذه الصناعة قرابة 29.1 مليار دولار في تلك الفترة، وبذلك، تجاوزت حجم الصادرات في عام 2017 الذي بلغ 28.5 مليار دولار قبل شهر واحد من نهاية العام.