قدماء المصريين
الأقصر ـ محمد العديسي
أصدر مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية في صعيد مصر دراسة لثلاث باحثات في المركز أثبتت أن استخدموا الورود للتعبير عن الحب لشريكاتهم، وأن معابد ومقابر ملوك وأشراف الفراعنة ترصد صورًا عدة لعلاقة المصريين القدماء بالحب، واحتفائهم بالعشق والعشاق. وقالت الدراسة "إن نقوش ورسوم
معابد ومقابر الفراعنة ترصد الكثير من صور الحب والعشق في مصر الفرعونية"، مشيرة إلى "رمسيس ونفرتاري" هي أول قصة حب خلدها التاريخ.
وكشفت الباحثة نجوى البارون أن معابد ومقابر ملوك وأشراف الفراعنة ترصد صورًا عدة لعلاقة المصريين القدماء بالحب، واحتفائهم بالعشق والعشاق في احتفالات خاصة كانت تقام بشكل دوري، ضمن 282 عيدًا واحتفالاً عرفها الفراعنة في كل عام.
واضافت أن المصري القديم احتفى بمحبوبته وزوجته، وكان يعبر عن عواطفه تجاهها في احتفالية يطلق عليها "الوليمة"، مشيرة إلى أن مقابر الجيزة وسقارة ومقابر النبلاء غرب الأقصر حوت عشرات اللوحات التي تصور احتفاء المصري القديم بمحبوبته، وتقديمه الزهور لها.
وقالت الباحثة هدى خليل الشقيري "مع الاحتفال بظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في يوم ميلاده (22 تشرين الأول/ أكتوبر) ويوم تتويجه (22 شباط/ فبراير)، تتجه القلوب إلى أجمل قصة حب ربطت بين قلبي رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري، في أول قصة حب خلدها التاريخ، قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة".
ويظهر هذا الحب الفياض جليًا من خلال الكلمات الرقيقة التي نقشت على جدران معبد نفرتاري في أبوسمبل، والتي يصف فيها رمسيس الثاني زوجته بأنها ربة الفتنة والجمال، وجميلة المحيا، وسيدة الدلتا والصعيد.
وتشير الشقيري الى أن معبد نفرتاري يتميز باللمسة الأنثوية الحانية التي تعبر عن رقة صاحبته، حيث يوجد فيه مجموعة من النقوش الناعمة التي تبرز جمال نفرتاري وهي تقدم القرابين للملائكة وفي يدها "الصلاصل" (رمز الموسيقى)، ويعلو رأسها تاج الإلهة الحتحوري (ربة الفتنة والجمال عند القدماء المصريين).
وتعد نفرتاري الزوجة الوحيدة من زوجات رمسيس الثاني، التي بنى لها معبدًا خاصًا إلى جوار معبده الكبير في مدينة أبو سمبل، كما بنى لها واحدة من أجمل المقابر في البر الغربي في الأقصر بعد رحيلها، ليؤكد إخلاصه وحبه الأبدي لها.
وبنى الملك رمسيس الثاني لزوجته المحبوبة نفرتاري معبدًا خاصًا إلى جوار معبده في أبوسمبل على البر الغربي للنيل، في الفترة ما بين عام 1290 ق. م، وعام 1224 ق. م، ويسمي بالمعبد الصغير أو معبد حتحور.
ويقف أمام المعبد الذي يدعى "حبتور" ستة تماثيل هائلة، يصل ارتفاعها إلى حوالي عشرة أمتار، منها أربعة تماثيل للملك رمسيس الثاني واقفًا، وتمثالان لنفرتاري، ويحيط بهما تماثيل صغيرة الحجم لأبنائهما.
وجعل رمسيس الثاني تماثيل نفرتاري في حجم التماثيل الخاصة به تقديرًا وعرفانًا بحبه الشديد لها.
كما توجد في قاعة الأعمدة ستة رؤوس على شكل الإلهة حتحور، وفي الردهة والحجرات المجاورة توجد مشاهد ملونة للإلهة حتحور ومركبتها المقدسة.
وتزوج رمسيس الثاني من نفرتاري قبل أن يتولى العرش، وكان عمره 19 عامًا، وكانت نفرتاري واحدة من عامة الشعب وليست من القصر الملكي، ويعني اسمها جميلة الجميلات، وهو اسم على مسمى، لأن النقوش على جدران معبد نفرتاري توضح أنها صاحبة وجه دائري جميل وخدود ممتلئة، ومولعة بالإكسسوارات والزينة في ملابسها.
وكرمها الملك رمسيس الثاني نفرتاري ببناء معبد خاص لها، ووصفتها النقوش بعبارات من قبيل "الحبيبة" و"الزوجة المفضلة" و"سيدة الدلتا والصعيد" و"سيدة الأراضي".
كما نقش على جدران المعبد إهداء رمسيس الثاني المعبد لزوجته المحبوبة نفرتاري، ونقش عليه عبارة "من أجل أحب زوجاتي قمت ببناء هذا المعبد".
وتؤكد الباحثة فاطمة فتحي أن الملك رمسيس الثاني قام ببناء معبد نفرتاري في أبوسمبل، حتى تتمكن زوجته من عبادة آلهتها المحبوبة حتحور (آلهة الرقص والسعادة والطرب والحنان عند القدماء المصريين)، لأن معبد حتحور الرئيسي يقع في مدينة دندرة، التي تبتعد 100 كم شمال الأقصر، لذلك كان يصعب على الملكة نفرتاري عند المجيء لمنطقة أبوسمبل والنوبة العودة سريعًا إلى دندرة لأداء الطقوس الخاصة بمحبوبتها حتحور.
وتقول فتحي إن القدر لم يمهل نفرتاري لكي تستمتع بأداء طقوس عبادتها داخل معبدها، لأنه بمجرد انتهاء العمل وقدوم نفرتاري من الأقصر إلى أبوسمبل لافتتاح المعبد مرضت بشدة، ولم تستطع أن تؤدي مراسم افتتاح المعبد، وأنابت بنتها ميريت آمون لعمل الطقوس اللازمة.
وقيل إن نفرتاري ماتت في رحلة العودة إلى الأقصر، لتنهي برحيلها أجمل قصة حب عرفها التاريخ المصري، وإن كان سيظل معبدها في مدينة أبوسمبل شاهدًا إلى الأبد على هذا الحب الخالد، ونموذجًا فريدًا للحب بين الزوجين