القاهرة ـ تونس اليوم
طيلة أشهر «كورونا» كان الكاتب الصحافي والفنان التشكيلي المصري، جمال فهمي، مشغولاً بتأمل ما تركته الجائحة من ندوب ومُنغصات نفسية على العالم، هذا التأمل الذي وجد ضالته في دفقات شعورية واسترسالات لونية مُنهمرة على اللوحات، ليُشاركها فهمي مع الجمهور في معرض فني بعنوان «إطار أبيض» بغاليري «بيكاسو» بالقاهرة.
هذا الخيط الخفي بين «كورونا» ولوحات جمال فهمي الجديدة، يمكن قراءته في حالة الصخب اللوني التي تعج بمئات المشاعر والتفاصيل التي تملكت الجميع بسبب هذا الوباء المُباغت. إذاً هل كانت تلك اللوحات تعكس تأثر فهمي بأجواء كورونا ومحنته؟ يجيب صاحب المعرض: «لست متأثراً بها بقدر ما رسمت تلك اللوحات رغبةً مني في تجاوز تلك الأجواء»، ويضيف جمال فهمي: «جعلت الإطار الأبيض هو العامل المشترك بين لوحاتي المتنوعة، التي يسودها حالة من الصخب اللوني عاكسةً حالةً من التحدي للكآبة التي فرضتها الجائحة على البشرية، والتعبير عن التفاؤل وتأمل الجمال، فالحياة مليئة بالمنغصات والكوارث ولكن قدرنا أن نعيشها، ونعيش معها حالة التناقض التي تفرضه علينا، ما بين جمال وقبح، وظلم وعدل، فحاولت التعبير عن حالات التناقض الصارخ تلك داخل إطار أبيض، ربما لتأملها بنظرة أكثر هدوءاً كالذي يُوحي به وميض اللون الأبيض».
ويعد هذا المعرض الفني الثاني في مسيرة الكاتب الصحافي جمال فهمي، إذ افتتح معرضه الأول «أشكال وألوان» عام 2018 ليقدم نفسه وقتها لأول مرة بقبعة الفنان التشكيلي، بعد سنوات طويلة من الإنجاز الصحافي ما بين صحافة مكتوبة وتلفزيونية، وكذلك العمل النقابي البارز الذي بذله خلال فترة عضويته لمجلس نقابة الصحافيين المصرية.
معرض جمال فهمي الجديد والمستمر حتى 16 يناير (كانون الثاني) الجاري، يضم 43 لوحة، يمكن التقاط المعنى الذي يعبر عنه جمال فهمي في حديثه عن قوة التناقضات الحياتية في منح الحياة مسحة تفاؤلية، فنجد أن اللون الأبيض المُتكرر على سطح اللوحات يُتاخم حضور اللون الأسود بقوة انطباعه ورمزية أثره، وكذلك يمكن تأمل إحالات التشكيل الخطي المُراوغ في اللوحات، فأحياناً تتحلّق الخطوط على هيئة دوائر ودوّامات، وأحياناً تتذبذب ما بين صعود وهبوط في مشهد يُحيل لإيقاع ضربات القلب البشري طيلة فترة مشحونة بالأخبار المزعجة، وجميعها انطباعات بصرية يجعلها جمال فهمي عبر طاقة التجريد المشحونة في لوحاته، مُنفتحة على احتمالات وتساؤلات لا نهائية. يقول: «أعمالي يسودها التجريد بشكل عام، الذي أجد أنه الأقرب لتعبيري الفني، فأجد نفسي مستغرقاً في حالة تأمل العلاقات الحيوية بين اللون والكتلة، هي حالة أقرب للحوار، وأنا أعشق حوار الكتلة واللون، وأجد أنه اختصار للكون وثرائه اللامحدود، والتجريدية بشكل عام تمنحني القدرة على إطلاق الخيال دون تقيّد بحلول مباشرة، ومن الجميل أن أي إبداع لوني سنجد له رديفاً في الطبيعة المستمدة من لا نهائية الدرجات اللونية».
وبذكر الدرجات اللونية تتراوح ألوان لوحات المعرض ما بين الزخم اللافت، والأخرى الأقل صخباً، وصولاً لمونوكروم من اللونين الأبيض والأسود فقط، وتتعدد تقنيات التلوين لدى جمال فهمي فنرى ضربات الفرشاة العفوية التي تسكن فضاء اللوحات كأجرام سماوية، وظلال كأنها تُخبئ وراءها حكايات مطمورة، وتكوينات هندسية تلامس أطيافاً من الطفولة باعثةً خفّةً جمالية، وتكتنز اللوحات أصواتاً حركية نابعة من نغمات كلاسيكية ظلّت رفيقة أذن جمال فهمي خلال رحلة رسمه للوحات معرضه: «درّبت نفسي منذ فترة على الاستماع للموسيقى الكلاسيكية، أكاد أجزم أن الإنسان إذا تدرب على الإنصات لها سيكتشف آفاقاً لا أول ولا آخر لها، كأنها محيط شاسع من الجمال والدفقات الشعورية النادرة».
يصف فهمي حالة الاستماع للموسيقى الكلاسيكية التي وجدت طريقها في تأسيس علاقة خاصة بين المقطوعات واللوحات، يتحدث عن حالة التدفق الحُر للفرشاة في حضرة التأثر بمقطوعات إيغور سترافينسكي على سبيل المثال، أو السيمفونية الخامسة لبيتهوفن. يتابع: «كثيراً ما تخلق الموسيقى الكلاسيكية لدى مستمعيها حالة من الجنون المُحبب». وهكذا ينظر جمال فهمي إلى أدوات التعبير الفني بوصفها دائرة إبداع مُتصلة: «الكتابة الصحافية صورة من صور الفن، فما زال شغفي كبيراً بالصحافة، ولديّ شغف موازِ بالفن التشكيلي، والألوان والخطوط والموسيقى، لذا أرجو أن يكون ما أقدمه هو تخليق حالة من الجمال».
قد يهمك ايضا
انطلاق "بيروت للأفلام الوثائقية" بشريطين عن بيتهوفن
جائزة الشيخ زايد للكتاب تعلن القائمة الطويلة لفرع الآداب