غزة – محمد حبيب
غزة – محمد حبيب
من وسط الظلام الذي يخيم على قطاع غزة بسبب الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني منذ سنوات عدة وجد شبان وشابات في قطاع غزة في موهبتهم الفنية سبيلاً لإضاءة ولو شمعة في سبيل كسر هذا الظلام والتعبير عن آرائهم من قضايا وطنية ومجتمعية وسلوكية.
فقد أبدعت مجموعة شبابية في غزة برسم جداريات تعرف بـ”الجرافيتي”،
بهدف توعية شباب القطاع في غزة، وتوجيه سلوكهم بشكل ايجابي بما يعود بالنفع عليهم، وعلى مجتمعهم.
ويقول محمود شامية مؤسس “نادي الثقافة والفنون الجميلة”، وهو النادي الذي يشرف على تنفيذ فعاليات الرسم على الجدران “الجرافيتي” بالتعاون مع وزارة الثقافة في غزة إن الجداريات تتضمن أربعة عناوين رئيسية، وهي التوعية الوطنية، وسلوكيات الشارع، والإدمان على المخدرات والعنف ضد المرأة والطفل والذات.
وأشار شامية لـ"العرب اليوم" الى أن المشاركين قاموا برسم ثماني جداريات في أنحاء مختلفة من غزة، وذلك في مناطق حيوية من القطاع، يتعرض لها الشباب بشكل يومي ومستمر، من أجل تحقيق الغاية من هذه الجداريات.
وأعتبر شامية أن هذه الجداريات لها أهمية كبيرة في الوصول إلى الجمهور المستهدف وتوعيته في العديد من الأمور، لافتاً إلى أن الفن وسيلة مهمة من أجل الارتقاء بالمجتمع ونشر ثقافة إيجابية باستخدام الريشة والألوان.
و”الجرافيتي”.. هي ترك الرسومات أو الأحرف على الجدران من أجل توصيل رسالة للمارة والقراء عن طريق الرسم، وترجع أصولها للحضارات العتيقة، منذ أيام قدماء المصريين والإغريق والرومان.
ويلجأ شبان وشابات من موهوبي “الفن التشكيلي” إلى الرسم على الجدران للتعبير عما يجول في خواطرهم، وطرح آرائهم من قضايا مجتمعية ووطنية في قوالب فنية وبشكل حضاري.
نعيم صمصوم واحد من هؤلاء الفنانين، الذين يرون في رسوم “الجرافيتي” وسيلة للتعبير عن النفس، والتعريف بهموم ومشاكل جيله من الشباب.
صمصوم، وعدد من أقرانه الفنانين الشباب، رسموا جداريات عدة في غزة، تعكس الواقع الصعب الذي يعيشه الشباب، وطرح القضايا حديث الشارع، وأبرزها المصالحة الوطينة، والنضال ضد الاحتلال، وانتشار المواد المخدرة خصوصاً الترامادول.
وقال صمصوم إن رسوم “الجرافيتي” وسيلة مهمة إذا أتقن الفنان استخدامها بالشكل الصحيح من أجل التعريف بهموم مجتمعه وجيله، ووضع الجهات المسؤولة أمام واجباتها للعمل على حل مشكلات المجتمع.
وأضاف: “إننا نستطيع من خلال هذه الرسومات إرسال رسائل للعالم الخارجي، الذي لا يستطيع الوصول الى قطاع غزة نتيجة الحصار، وينظر إلى الواقع الذي يعشيه حوالي مليون و800 ألف فلسطيني في قطاع غزة المحاصر”.
أما "كرنفال الفن" و هو اسم لمجموعة شبابية مكونة من شباب وشابات اصروا بعدما انتهوا من دراسة التربية الفنية في جامعة الاقصى ان يعيدوا لنا التراث الفلسطيني في فن جديد لم نعهده في قطاع غزة ولم يدرسوه ضمن مساقات التربية الفنية في الجامعة.
محمد الشربيني (23عام ), ومحمد أبو لحية (23 عام ) ,و أبو بكر أبو حليب (28 عام )، و نجلاء ابو نحلة "22 عاما " ، وسلمى شحادة "22 عاما " ، وحسين شامية "22 عاما " مجموعة جمعتهم اسوار جامعة الاقصى في غزة وجمعهم العمل ضمن فريق كرنفال الفن الذى اتقن فن التراث الفلسطيني على جدران المنازل والطرقات والجامعات ،و أن يضعوا بصمة في تجسيد التراث الفلسطيني في جميع لوحاتهم الخاصة والعامة وليكن الفن مصدر رزق لهم وأحياء للتراث المنسي بطرق جديدة .
محمد ابو لحية احد طاقم هذه المجموعة يسرد بداية الفكرة ، قائلا " كنا نشاهد هذا الفن على جدران الطرقات وحاولنا تعلمه من غيرنا ولم نتمكن من ذلك ، وبدأنا نتعلم كيفية نقل عناصر التراث الفلسطيني على قوالب من الطين ومن ثم نقلها للوحة ضخمة على جدران الشوارع"
ويتابع " كنا نهتم فقط في نقل التراث الفلسطيني على الجدران ، ووجدنا اقبالاً كبيراً من المواطنين على هذا التراث الفلسطيني وحضوره داخل منازلهم ، حتى طلب منا المواطنون النحت داخل منازلهم ، وبدايتنا كانت بأول لوحة اسمنتية ضخمة تعلمنا منها الكثير وكانت نقطة البداية للمجموعة "
ولتوجه العالم نحو التخصص في تكوين المجموعات توجهت مجموعة كرنفال إلى التخصص في التراث الفلسطيني بحيث لا تخلو أي لوحة من انتاجهم من موجود تجسيد للتراث بعدة أشكال وهذا وفق المجموعة, ما جعلهم يقنعون العديد من الأشخاص بجمال التراث داخل المنازل ليقرروا تحويل العديد من اللوحات المطلوبة منهم إلى لوحات فنية تراثية , وإذا لم يستطيعوا تغيير الفكرة يدخلون على اللوحات أشكالا تراثية عن طريق الدمج المتناسق بطريقة جميلة .
وعن هذا الأمر يقول أبو لحية " التراث الفلسطيني مليء بالزخارف والأشكال التي يمكن أن تستخدم لإنتاج أجمل اللوحات والجداريات , كما أننا نحاول عن طريق لوحاتنا الفنية أن نعزز ونحافظ على التراث ونعرف المجتمع فيه ، ولذلك ندمج في جميع لوحاتنا الفنية أشكلا مختلفة من التراث القديم وكذلك أحداث من القضية الفلسطينية " .
ومعنى كلمة كرنفال فهي تعني المهرجان المتنقل فأعمالهم ليست ثابتة في مكان واحد بل هي متنقلة ما بين الجدران وما بين المحافظات ففي كل مدن القطاع يوجد لوحة فنيه لهم أنتجت من يديهم أما رسما أو نحتا أو غيرها العديد من أشكال الفن المختلفة التي يتميزون بها ، فانطلقوا من جدران الشوارع العامة حتى نشروها في كافة شوارع القطاع وصولا لجدران المنازل الداخلية.
وتقول نجلاء ابو نحلة ان البداية كانت صعبة لهم لعدم تقبل الشارع الفلسطيني لعمل الفتيات في هذا المجال ، وأضافت " تقبلنا نحن الفكرة كفتيات للعمل في هذا المجال من رغبتنا في تعلم هذا الفن الجديد ، ولكن كانت نظرات الناس لنا نظرة غريبة بان تكون الفتاة في الشوارع العامة تنحت التراث ، او تقف على السلم لتكمل لوحتها ".
كما انه ما زال المجتمع الفلسطيني لا يستوعب بشكل كبير القيمة الفنية لمثل هذه اللوحات الجدارية وغيرها مما يتسبب في تبخيس قيمة هذا العمل وتقليل التكلفة والتعامل مع الفنانين بأنهم مجرد عاملين بناء أو قصاره
ورغم قلة الإمكانيات وارتفاع التكلفة والجهد عند تجهيز أي جداريه إلا أنهم يقمون في كثير من الأحيان بعمل جداريات ولوحات فنية على نفقتهم الخاصة في المناسبات مثل ذكري الأرض ويوم الأسير وذكرى النكبة وغيرها أو بتوفير تكلفة المواد بدون تكلفة الجهد .
وبحسب ابو لحية فان أعمالهم تهدف إلى خدمة القضية الوطنية والمحافظة على التراث الوطني وتعريف الناس عليها وإبرازها من خلال اللوحات والجداريات التي يتم رسمها في الشوارع العامة والطرقات أو حتى داخل المنازل التي يطلب أصحابها منهم رسمها .
ويضيف " معظم أفكارنا هي من حياة المواطن الفلسطيني القديم أو من الحياة التراثية المختلفة, كذلك ما يعانيه من حصار ومعناه وطبعا نحدد بشكل اكبر الموضوع حسب المناسبة حيث نجتمع ونعطي الأفكار ويقوم شخص منا بتصميمها ومن يصممها يرسمها على الحائط".
ويعكف فنانو مجموعة كرنفال للفن على استخدام أساليب جديدة لتوصيل التراث عن طريق الحرق على الخشب ورسم بقلم الرصاص والفحم والأعمال اليدوية والتطريز وسيتم التركيز من خلال هذه الفنون على القرى والمدن التي يحاول الاحتلال طمسها، فبذلك يذكرون أبناء شعبنا بها وليحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية كما سيتم تدريب أطفال من ذوي المواهب على هذه الفنون .
ويعود تاريخ استخدام الرسم والكتابة على الجدران إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1987، حيث لجأت فصائل المقاومة إلى هذا النوع من الفنون كوسيلة للإعلان عن فعالياتها ومواقفها.