الخرطوم ـ محمد إبراهيم
الشاي عند "البرامكة" في السودان ليس أمراً عادياً يمكن أن تتناوله وأقفاً أو متعجلاً، فعليك أن تمسك "الكوب" بطريقة مُعينة وأن لا تضع "الكوب" بعد إحتساء الشاي على الأرض، وقبل أن ترتشفه عليك أن تتغنى به وتأتي بأبيات من الشعر تعدِّد مزاياه ومزاجه، وإلا ستتعرض لمخالفة وغرامة ماليه يفرضها عليك رئيس مجلس "البرامكة".
و"البرامكة" في السودان هم مجموعة من القبائل العربية تستوطن غرب البلاد يمتدون في أقاليم كردفان ودارفور من أشهر مجموعاتهم "البقارة، الهبانية، المسيرية، التعايشة، البني هلبا، الحمر، المعاليا، الرزيقات.. الخ"، كونوا مجالس مخصصة لشرب الشاي توارثوها من أجدادهم منذ زمن بعيد وأصبحت وآحده من أهم الموروثات والعادات والتقاليد التي يتباهون بها. و ويعتبر الشاي من أكثر المشروبات الساخنة تداولاً في السودان، والأوفر حظاً في المدح والإطراء من بقية المشروبات، حيث أصبح جزءاً أساسياً من حياة الناس، ومفردة شائعة في ثنايا أمثالهم وأشعارهم وحكاياتهم الشعبية.
وعرف السودان بأرضه الواسعة وقبائله المتعددة الأمر الذي جعله غنيا بموروثاته التي تتشابه عند بعض قبائله وتختلف عن البعض الآخر، ولكل قبيلة عادات تخصها وحدها دون سواها فقبائل شرق السودان أشتهرت بحبها لاحتساء القهوة فيما عرفت قبائل "البقارة" بحبها لشرب الشاي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحولت الجلسات الاجتماعية لمجلس خاص عرف تاريخياً باسم مجلس "البرامكة"، والبرامكة جمع لكلمة "برمكي" وتعني الكريم.
وإحتساء الشاي في مجلس البرامكة عبارة عن حلقة أو تجمع كبير يجمع أفراد القبيلة من مختلف المناطق لشرب الشاي وفقاً لطقوس ومراسم يتم اتباعها في تلك المجالس بإعتبارها نظام اجتماعي لم يقصد به تناول الشاي فقط بل اتخاذه كوسيلة غايتها الوحدة والتآلف والتعاون بين تلك الجماعة.
ويقول الباحث في التراث الشعبي في السودان أيوب المليك، إن مجالس البرامكة تمتاذ بالنظام والدقة والسلوك القويم مما يعكس عظيم الأثر في سلوك أعضاء المجلس والمجتمع بشكل عام،
وأوضح أن أصل كلمة البرمك تعني "كاهن بيت النار الأعظم في فارس"، أما في العصر العباسي فكانت لهم مجالس أشتهرت بالبذخ وكان فيها شعر وموسيقى، في حين ان قبايل البقارة السودانية تقيم المجلس وتنظم له الشعر ويسمى "الشحر" وتتراوح موضوعاته بين الشاي والتغني به والتغزل فيه، وقال إن الشاعرعثمان آدم يعد من اشهر شعراء البرامكة وله قصيده طويلة في الشاي يسرد فيها رحلة الشاي منذ جلبه من مصر حتى وصوله الي دياره في غرب السودان، فيقول، "الشاي محبوب، من مصر مجيوب، جابتك الدابه الما عليها قرون" ويقصد بالدابه التي ليس قرون "السيارات".
ويتكوَّن مجلس البرامكة من رجال ونساء يخضعون لقوانينه، فلا ينفصلون إلا في لحظات الأكل وشرب الشاي، وللمجلس وظائف إدارية لكل منها مهام محددة فهنالك وظائف ذات طابع عسكري تتألف من ضابط المجلس والملاحظ المفتش وتكون مهمتهم مراقبة الأعضاء ورصد مخالفتهم في أثناء شرب الشاي، بالإضافة إلي الوظائف ذات طابع إداري "الشيخ" الذي يكون مسؤولاً عن المحكمة في حالة انعقاد المحاكم الخاصة بالمخالفات ثم العمدة والناظر والبيه "بك" والسكرتير، بجانب وظائف الخدمات مثل الكمساري "محصل النقود" والسفرجي الذي يعد الطعام، والخفير الذي توكل إليه أهم مهمة وهي مراقبة الأخطاء أثناء الجلسة، ثم "التعبئة" وهو من يقوم بتعبئة وتوزيع الشاي، أما وظائف المجلس الخاصة بالعنصر النسائي فتتمثل في وكيلة المحكمة والملكة التي تعتبر الثانية بعد رئيسة مجلس النساء ووظيفتها تعادل الناظر في مجلس الرجال وتعرف أحيانا بـ "النشيمنة".