صورة من الأرشيف للبرلمان التونسي
تونس - أزهار الجربوعي
دافع رئيس الحكومة التونسية علي العريض عن تشكيلته الوزارية، نافيًا بشدة، اتهام بعض النواب بالانصياع لإملاءات خارجية، مشددًا على أن القيادة التونسية رئاسة وحكومة ووزراء تؤمن باستقلال القرار الوطني، وبحفظ سيادة البلاد، وتتعامل بندية مع بقية القوى الدولية الأجنبية، فيما نجحت الحكومة التونسية
الجديدة، الأربعاء، في نيل ثقة المجلس التأسيسي التونسي بغالبية 139 صوتًا، من مجموع 179، في حين صوت 45 نائبًا ضدها، وتحفظ 13 آخرون عن التصويت.
وأضاف العريض "حكومتنا ليست حكومة حرب ولا حكومة إذعان، لكننا نسعى إلى بناء علاقات ندية مع شركائنا، قائمة على احترام السيادة الوطنية وربط أواصر التعاون"، جاء ذلك في معرض رده على تدخلات نواب المجلس التأسيسي التونسي، خلال الجلسة العامة التي عقدت للتصويت على منح الثقة للحكومة، في حين اتهمت بعض قوى المعارضة في المجلس التأسيسي التونسي حكومة العريض بأنها "تشكل خطرًا على الديمقراطية وعلى مقاومة الفساد"، مشيرين إلى أن تركيبتها لا تمثل تونس، بما أنها اقتصرت على أحزاب الترويكا (النهضة، التكتل، المؤتمر)، وحافظت على 70% من وزراء حكومة الجبالي.
واعتذر علي العريض، عن الحضور الضعيف للمرأة في تشكيلته الوزارية، مرجعًا ذلك إلى ضيق الوقت وبعض خصائص المرحلة الانتقالية الدقيقة، على حد قوله، واعدًا بتدارك غياب المرأة في مواقع أخرى، مضيفًا "أن وضع المرأة التونسية وإن كانت مكانتها في تقدم مطرد، إلا أنها في حاجة إلى إرادة سياسية لتتدعم منزلتها خاصة في المجال السياسي، وهو ما يتطلب تطوير التشريعات وقوانين الشغل في هذا الخصوص.
واعترف رئيس الحكومة التونسية التي حازت على ثقة المجلس التأسيسي التونسي، الأربعاء، بوجود مشكلة في المساجد، مرجعًا ذلك إلى حالة الانفلات التي شهدت البلاد بعد الثورة، من ذلك الانفلات في الساحات، وانتشار الخطابات التكفيرية المحرضة على العنف، وأوضح العريض أن وزارة الداخلية التزمت بعدم الدخول للمساجد، لكنها تعهدت بالتصدي لدعوات العنف والتكفير بالتعاون مع وزارة العدل، مشيرًا إلى أنه تم القضاء على ظاهرة الفوضى في المساجد، التي انحصرت في قرابة 100 متبقية، سيتم معالجتها تباعًا، كما أكد رئيس الحكومة التونسية أن التدخل في المساجد لن يكون المقصود به السيطرة على الخطاب، أو توظفيه لخدمة طرف سياسي معين، وإنما الهدف منه جعل المساجد مرفقًا عامًا يلتزم بحدوده وواجباته، لا منبرًا للدعايات الحزبية والدعوات التكفيرية.
وبشأن قضية التهريب التي أثارها النواب معتبرين أنها تهديد مباشر للأمن الغذائي في تونس، أكد علي العريض أن قوات الجيش والحرس والأمن والديوانة مجندون للتصدي لهذه الظاهرة، لافتًا إلى أن قيمة المحجوزات المهربة قد تطور من 40 مليون دينار سنة 2011 إلى 120 مليون دينار سنة 2012.
ولم يفت رئيس الحكومة الجديد أن يحيي سلفه حمادي الجبالي، رادًا على انتقادات بعض النواب الذين وصفوها بالفشل قائلاً "أنا لا أعتبر أن حكومة حمادي الجبالي فاشلة، ولم أسمع منه أنه وصفها بالفشل"، دون أن ينفي حصول ما أسماه بـ"الإخفاقات"، مؤكدًا أن نسبة النمو التي حققتها حكومة الجبالي، والتي بلغت 3.6%، قد تفوقت على نظيراتها في السنوات السابقة.
وانتقد الكثير من نواب التأسيسي حكومة علي العريض تشكيلة وبرنامجًا، قبيل تصويتهم على منحها الثقة بقليل، حيث استنكر النائب عن حزب الديمقراطيين الاشتراكيين أحمد الخصخوصي في تصريح إلى "العرب اليوم" استمرار التعيينات على أساس الولاءات الحزبية داعيا الوزراء الجدد إلى التزام الحياد، مشددًا على أن الحكومة التي لا تلتزم الحياد والاستقلالية تتحول إلى عصابة مرتزقة، على حد قوله.
كما دعا النائب أحمد الخصخوصي إلى إدماج قوات الحرس الوطني (الدرك) في الجيش بدلاً من وزارة الداخلية، حتى تكون صمام الأمان، وتحقق التوازن بين سلكي الدفاع والداخلية، وهو ما من شأنه أن يمكن الجيش التونسي من التفرغ لحماية البلاد من الأخطار الخارجية، والحفاظ على جاهزيته.
وحذر وزير الدفاع التونسي السابق عبد الكريم الزبيدي، قبل استقالته من أن الجيش التونسي منهك بسبب اشتغاله على أكثر من واجهة، مشددًا على وجوب عودته إلى الثكنات لاستعادة إمكاناته، والحفاظ على نسق تدريباته لدرء الأخطار الخارجية التي تهدد تونس، من قبيل التهريب على الحدود، والتصدي إلى التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن البلاد.
ودعا النائب عن حركة وفاء علي الحويجي، إلى كشف حقيقة الحكومات السابقة والمتعاقبة بعد الثورة، من ذلك حكومة (رئيس وزراء المخلوع زين العابدين بن علي) محمد الغنوشي، وحكومتي الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي، مطالبًا بكشف أرشيف البوليس السياسي الذي اعتبر "واجًبا وليس منة".
أشاد النائب عن كتلة الحرية والكرامة التي دعمت حكومة علي العريض ومنحتها الثقة رغم عدم مشاركتها فيها، عبد الرزاق الخلولي بتركيبة الحكومة التي حيدت وزارة السيادة، منتقدًا في الوقت نفسه برنامجها، الذي رأى أنه نظري، ويحتاج آليات حقيقية للتطبيق على أرض الواقع.
في حين قال النائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين المنجي الرحوي أن الحكومة أخطأت مسارها لأنها لم تعترف بأخطائها السابقة، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، داعيًا إلى اعتماد سياسة التقشف، والتقليل من النفقات الإدارية، وتفعيل التصريح على الممتلكات، سبيلاً للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
من جهته شدد النائب عن حزب المسار سمير بالطيب، على أن حكومة علي العريض "لا تمثل تونس من حيث التركيبة"، مستنكرًا غياب الشباب والمرأة عنها، وأشار سمير بالطيب إلى وجود شخصيات وصفها بـ"الخطيرة" على النظام المجتمعي التونسي داخل التشكيلة الوزارية الجديدة، على غرار وزير التربية سالم الأبيض، الذي تتهمه المعارضة بأنه مقرب أيديولوجيًا من الفكر الإسلامي المتشدد.
كما انتقد سمير بالطيب محافظة من أسماهم بـ"صقور حزب النهضة" الإسلامي الحاكم على مناصبهم الوزارية، معتبرًا أنهم يشكلون خطرًا على الديمقراطية، وأن بعضهم يرفض مقاومة الفساد والرشوة.
وأشاد نواب الغالبية الحاكمة وخاصة نواب حركة النهضة برئيس الحكومة علي العريض، معتبرين أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، منوهين بقدرته على تشكيلة الحكومة التونسية في وقت وجيز، وتجاوز غالب العراقيل السياسية، كما رحبوا بتوسيع الحكومة، وانفتاحها على "تكنوقراط" مستقلين مشهود لهم بالكفاءة.
وقد ظهرت دعوات في المجلس التأسيسي التونسي قبيل منح الثقة للحكومة، بلحظات، تطالب بالتصويت على الوزراء وزيرًا وزيرًا، وهو ما رفضه رئيس المجلس مصطفى بن جعفر باعتباره يخالف البنود القانونية التي نص عليها الدستور الموقت للبلاد (القانون النظم للسلط العمومية).
وفازت حكومة علي العريض الجديدة بثقة 70 %من أعضاء "التأسيسي التونسي" (البرلمان)، بعد أن حصدت غالبية مريحة متمثلة في 139 صوتًا، رغم أنها لا تحتاج إلا إلى 109 أصوات، لتضمن التزكية من السلطة التشريعية العليا في البلاد.
وينتظر أن تتجه التشكيلة الوزارية التونسية الجديدة بقيادة علي العريض، إلى القصر الرئاسي في قرطاج، لتأدية القسم الدستوري، أمام رئيس الجمهورية التونسية محمد المنصف المرزوقي.