دمشق - جورج الشامي
تمكَّن أحد العناصر الذين خدموا 13 عامًا في سلك الشرطة العسكرية التابعة للحكومة السورية، بالتعاون مع عدد من زملائه، من التقاط 55 ألف صورة، لـ 11 ألف حالة تعذيب ممنهج حتى الموت، قامت بها قوّات الحكومة على مدار عامين، ضد معتقلين لديها.
وبحسب وكالات أنباء عالمية فقد أظهرت الوثائق بعد التدقيق أن الضحايا في الصور تعرَّضوا للتعذيب
وهم موثوقو الأيدي والأرجل، مع وجود حالات خنق متعمد، بواسطة أسلاك أو حبال، فيما أظهرت حالات أخرى أن بعض الضحايا فقدوا حياتهم بعد أن تم خنقهم بواسطة سيور مَركَبَات مسنَّنة، فضلاً عن استخدام الجوع كأسلوبٍ للتعذيب.
وقرَّرت لجنة مشكّلة من خبراء دوليين مشهورين عالميًا، سبق لهم أن عملوا في لجان تحقيق تابعة للأمم المتحدة في دعاوى مشابهة، أن الوثائق المذكورة تشكل "أدلة قويّة" لإدانة حكومة الأسد بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب".
وأوضح الخبراء أن الصور سيكون لها تأثيرٌ على مسارات الحرب الأهلية في سورية، ومستقبل الأسد، ومحادثات جنيف.
وكُلّف أحد العناصر الذين خدموا على مدار 13 عامًا في سلك الشرطة العسكرية التابعة للحكومة السورية بالتقاط صور الأشخاص الذين يتم إحضارهم أمواتًا إلى المستشفيات العسكرية التابعة للحكومة، طيلة فترة الحرب التي تدور رحاها في عموم البلاد.
وكان جميع أولئك الأشخاص الذين يتم نقلهم إلى المستشفى، وقد فارقوا الحياة نتيجة التعذيب والخنق بالأيدي والجوع في المعتقلات، من أنصار المعارضة السورية.
وكانت مهمة الشرطي المذكور تتمثل في تصوير وجوه وأجساد الأشخاص الذين يتم إحضارهم إلى المستشفى العسكري بشكل يومي من مراكز الاعتقال، بعد ترقيمهم من قِبل الشرطة العسكرية، تلك الأرقام المشفَّرة والمكتوبة بخط اليد، اعتُبرت وثيقة توضِّح تنفيذ الجيش السوري لأوامر قتل ممنهجة.
إذ يجري قتل المعارضين المعتقلين بوسائل تعذيب مختلفة في مقرات المخابرات، أو الأبنية العسكرية، ثم تُرسل جثثُهم إلى أحد المستشفيات العسكرية، فيما يقوم سيزار، بالتقاط أربع أو خمس صور للجثث، بحضور طبيب وممثل للقضاء.
وكان يُعطَى لكل شخص يُقتل وهو رهن الاعتقال رقمين، الأول رقم يعود للقسم المسؤول عن الضحية، اعتبارًا من اعتقاله وحتى قتله، ما يعني أن المخابرات وحدها كانت تعرف هذا الرقم، وهويَّة الشخص، وكان يُكتب الرقم أحيانًا يدويًا، على جسده، أو جبينه.
وكان يُعطَى الرقم الثاني عند وصول الجثة للمستشفى العسكري، لتزوير وثيقة تفيد بوفاته في المستشفى، بسبب "أزمة قلبية"، أو "قصور تنفسي"، وكانت تُعطَى الوثيقة المزورة لأسر القتلى، عند سؤالهم عن مصير ذويهم.
ولم يتمكن الشرطي المكلف بتصوير الجثث من تحمل المشاهد التي تنتج عن سياسة القتل بالتعذيب الممنهج، فما كان منه إلا أن اتصل مع المعارضة السورية بشكل سرّي، ثم نسخ جميع الصور التي التقطها طيلة عامين على وحدة تخزين محمولة (فلاش ديسك)، وهرّبها سرًا إلى المعارضة.
من جهتهم، سارع المعارضون إلى تأسيس لجنة تحقيق مؤلفة من رجال قانون دوليين، ضليعين في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأخصائيين في الطب والتصوير الشرعيين.
وضمَّت لجنة التحقيق النائب العام ومساعديه، الذين كُلِّفوا من قِبل المحكمة الخاصة التي أنشأتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة من قبل الرئيس السابق ليوغوسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش والجرائم الخاصة بـ "سيراليون"، فيما تم تدقيق الصور والتأكدُ من مصداقيَّتها وخلوُّها من أي تعديل في أحد المختبرات البريطانية.
وأثبتت جميع الفحوصات التي أجريت على 26 ألفًا، من أصل 50 ألف صورة، أنها كانت حقيقية، ولم يجر عليها أي تعديل، وأظهرت الوثائق بعد التدقيق، أن الضحايا في الصور تعرضوا للتعذيب الممنهج، وهم موثوقو الأيدي والأرجل، مع وجود حالات خنق متعمد، بواسطة أسلاك أو حبال، فيما أظهرت حالات أخرى أن بعض الضحايا فقدوا حياتهم بعد أن تم خنقهم بواسطة "سيور مَركَبات محزّزة".
واللافت للانتباه، هو استخدام الحكومة السورية للجوع كأسلوبٍ من أساليب التعذيب، فيما قدَّرت اللجنة عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم، وتم توثيقهم في 55 ألف صورة ملتقطة، قرابة الـ 11 ألف شخص.
واستطاع أعضاء اللجنة الاستماع إلى شهادة الشرطي المصور بعد تمكنه من الفرار إلى خارج سورية، فضلاً عن استماعها إلى شهادة شخص آخر، على صلة أيضًا بالموضوع.
وقرَّرَت اللجنة التي قدمت تقريرها المفصَّل والمذيَّل بتوقيع جميع أعضائها أن جميع المواد المسربة تحمل درجة "أدلة قوية"، ومقبولة من قبل المحكمة التي سيتم إنشاؤها، فضلاً عن أنها تشكل "أدلة دامغة" لإدانة الحكومة السورية بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب".
وأوضح الخبراء أن الصور سيكون لها تأثيرٌ على مسارات الحرب في سورية، ومستقبل الأسد، ومحادثات جنيف.