كتائب "عز الدين القسّام"

كشفت كتائب "عز الدين القسّام"، الجناح العسكريّ لحركة "حماس"، عن تفاصيل العملية الفدائية في مدينة تل أبيب التي وقعت خلال الحرب الأخيرة على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وذلك لمناسبة الذكرى الأولى لهذه العملية. ونشر موقع "القسّام" الرواية الرسمية، وبأدق التفاصيل عن العملية، والتي جاءت نتاج جهد من الإعداد والتجهز امتد لسنوات، قام به القائد القسّامي والمعتقل حاليًا في سجون الاحتلال أحمد موسى، الذي بدأ بالتحرك منذ العام 2006م لتشكيل خلية عسكريّة "قسّامية" في الضفة، حيث كانت العملية رسالة قوية في العمق، كما أجمع كل المراقبون، الذين أخضعوا للتحليل، وتركت لما يقرب من العام لغز كتائب "القسّام" الذي كُشف عنه بعد استشهاد المجاهد محمد عاصي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فعقب خروج الأسير أحمد موسى من السجون الصهيونية أواخر العام 2006، بدأ في تشكيل خلية عسكرية بدرجة عالية من الأمن والسرية، بعيد عن أعين أجهزة المخابرات الفلسطينية في الضفة المحتلة، وكذلك بعيدًا عن جهاز "الشاباك" الصهيونيّ.
وجرى تشكيل الخلية بصورة بطيئة، نظرًا إلى المُعيقات التي يضعها أمن السلطة و"الشاباك" في طريق عمل المقاومة، وكان الهدف من تشكيلها الرد على أية حملات عسكريّة يشنها العدو على قطاع غزة، وبعد حرب "معركة الفرقان" في 2008- 2009 على قطاع غزة، بدأت الخلية تعد ذاتها لتنفيذ عمليات جهادية ضد المحتل.
وعكف قائد الخلية أحمد موسى، بعد انتهاء الحرب على شراء الأسلحة والذخائر، وبدأ بالتدرّب عليها، ثم انطلق يبحث عن أفضل الطرق لجلب المتفجرات وصناعتها، وآلية التفجير عن بُعد، إلى أن نجح في صناعة المواد التي استخدمت في عملية تل أبيب، وبعد العام 2010 قام موسى بإعداد عدد من المجاهدين بغية تنفيذ عمليات عدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وجرى تحديد أهداف عدة وهي:
- مطعم "وكزنو" البحر الميت قرب منطقة عين جدي في مدينة أريحا الذي يرتاده جنود الاحتلال.
- كنيون مغتصبة "شاعر بنيمين" قرب القدس.
- محطة حافلات للجنود والمُغتصبين المتطرّفين في مستوطنة "كريات أربع" في مدينة الخليل.
- محطة حافلات قرب قرية سنجل في مدينة رام الله التي يرتادها جنود العدو.
ووصل إلى هذه الأهداف أحمد موسى وهو متنكر في زي للصهاينة، يضع طاقية متدينين يهود على رأسه، ودخل على كيبوتس عين جدي، وهو متنكر في زي رجل أجنبيّ، وهذا ما أزعج المخابرات بعد الكشف، وكانت هذه الأهداف جاهزة لتنفيذ عمليات في داخلها، ولكن الخلية كانت تنتظر القرار والوقت المناسب، وأجرى موسى في بداية العام 2012، عددًا من التجارب في صناعة التحكّم والتفجير عن بُعد، وبعد جهد متواصل استطاع أن يصنع جهاز تحكم دقيق، وقام بواسطته بتفجير عبوتين ناسفتين قرب بلدة بيت لقيا غرب رام الله، كما صنع مواد متفجرة وجهز عبوات ناسفة عندما شعر أن العدو يلوح بحرب ضد غزة، وكان من العبوات التي صنعها عبوات فجائية يمكن تقديمها كهدية تنفجر عند فتحها تلقائيًا، إضافة إلى العبوة التي استخدمت في العملية، حيث صنعت بشكل دائري، وكان قطرها 30 سم، وارتفاعها 15سم، وطليت باللون الأحمر والأخضر، وتم تثبيت جهاز تفجير عن بعد عليها.
وقام العدو الصهيوني، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012، باغتيال القائد البارز في كتائب "القسّام" الشهيد أحمد الجعبري، وعقب هذه الجريمة أعلنت الكتائب النفير العام في صفوفها، للرد على الجريمة، وأطلقت معركة "حجارة السجيل"، وضربت "تل أبيب" والقدس المحتلة بالصواريخ، وفي اليوم الثاني من الحرب، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، أن الرد على جريمة اغتيال الجعبري سيكون مفتوحًا، وسيشمل الأراضي المحتلة عام 48، وبعدها خرج القائد صالح العاروري يطلب من الضفة الوفاء بالواجب، عندها أعلنت الخلية بأنها سترد في الوقت والمكان المناسب، وفي المكان الأكثر حيويّة للكيان الصهيوني (الرد في العمق).
وحددت خلية أحمد موسى، التي ضمت كل من: الأسير محمد مفارجة، والشهيد محمد عاصي، أهدافًا عدة للرد على جريمة اغتيال الجعبري، وكانت خطة الرد تقوم على تنفيذ ثلاث عمليات، الأولى هي عملية تفجير قرب وزارة الحرب الصهيونية في تل أبيب، والعملية الثانية هي تفجير حافلة عن طريق استشهادي في مدينة حيفا، والثالثة هي اغتيال رئيس بلدية "موديعين"، وبعد التخطيط تحركت الخلية من أجل التنفيذ، فتمّ تدريب المجاهد محمد مفارجة على كيفية وضع العبوة في تل أبيب قرب مقر وزارة الحرب، وتم تكليف المجاهد محمد مفارجة بالذهاب إلى الشارع الذي تقع فيه الوزارة ووضع حقائب وهمية داخل حافلات صهيونية، وقد نجح في وضعها من دون أن تُثير الحقائب الشُبهة.
وتم تحديد مؤتمر لعقد تهدئة في القاهرة برعاية مصر والأمم المتحدة بان كي مون، في اليوم السابع من الحرب، وعندها اتخذ المجاهد أحمد موسى قرارًا بأنه إذا فشلت مساعي التهدئة بوقف الحرب، فإن العدو سينتظر في أي وقت تفجير حافلة في تل أبيب، وأوعز إلى المجاهد مفارجة البقاء على أتم الجهوزية من أجل تنفيذ عملية تل أبيب، خصوصًا بعد أن ألقى القائد العام لكتائب "القسّام" محمد الضيف، خطابه الذي فتح فيه الخيارات جميعها أمام المجاهدين، للرد على جرائم الاحتلال "كسر قواعد الاشتباك كافة"، وفي صباح الأربعاء 21/11/2012م وفي تمام الساعة الثامنة ونصف صباحًا، خرج أحمد موسى بسيارة محمد عاصي إلى موقع اللقاء بينهما، حيث كان عاصي يرصد ويتأكد من عدم وجود أكمنة للمحتل على الطريق، وانطلق أحمد بالسيارة ومعه الحقيبة التي بداخلها العبوة الناسفة، وتوجّه صوب المكان الذي تم تحديده للقاء المجاهد محمد مفارجة، وكان على جانب الطريق في بلدة بيت لقيا، ثم أخذه وأوصله في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحًا عند شارع "443"، وهناك تسلّم الأخير الحقيبة التي بداخلها العبوة، والتي تزن 17 كغم، ويتم التحكم فيها عن طريق أحمد موسى من الضفة الغربية.
ومضى مفارجة وركب سيارة من نوع "بولو"، تحمل لوحة صفراء (لون لوحات سيارات الصهاينة)، وكانت متجهة إلى حاجز بلدة بيت عصيرة، وبعد اختراق الحاجز، استقل حافلة رقم "111" المتوجهة من بلدة النبي عون إلى تل أبيب، ومكث في الحافلة ساعتين حتى وصل إلى محطة الحافلات الرئيسة في تل أبيب، وبعد وصوله ركب حافلة أخرى تحمل رقم "142" والتي تتجه إلى شارع "قاردن"، الذي يحدّ وزارة الدفاع الصهيونية، بالإضافة إلى محكمة العدل العليا، وفي الساعة 11:50 صباحًا نزل مفارجة من الحافلة، وفي اتصال "مُموّه" أبلغ موسى أنه وضع العبوة وغادر الحافلة،وبعدها وفي تمام الساعة 11:55صباحًا، قام موسى بتفجير الحافلة من بلدة بيت لقيا عن طريق التحكم عن بُعد، بينما كانت تسير على بعد 40 مترًا من وزارة الحرب الصهيونية، وقد أدت العملية إلى جرح 29 صهيونيًا، بينهم سبعة في حالة الخطر الشديد، وفي تمام الساعة 12 منتصف النهار، أعلن الاحتلال عن تفجير حافلة في تل أبيب، وبعد أن باشرت سلطاته التحقيق، قامت بمطاردة محمد مفارجة في شوارع تل أبيب، مما أدى إلى اعتقاله بعد خمس ساعات.
وقد أعدّ أحمد موسى، بيانًا مُصوّرًا للعملية، لبثّه على وسائل الإعلام، إلا أن الظروف  الأمنيّة حالت من دون ذلك، وقد صادر العدو الشريط والبيان عند اعتقال موسى، ثم بدأت سلطات الاحتلال بالبحث عن باقي أعضاء الخلية، وحال اعتقالهم من دون تنفيذ باقي عمليات الرد.
وقد خضعت هذه العملية إلى التحليل من قِبل الصحافة الصهيونية، حيث اعتبرت أنها "جاءت استجابة لخطاب القائد ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻀﻴﻒ، والذي كان خطابه ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ إعطاء ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻟﺨﻼﻳﺎ ﺍﻟﻨﺎﺋﻤﺔ، ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻞ ﺃﺑﻴﺐ، وأن العملية تمت من دون سابق إنذار، والسبب هو السرية القوية التي عملت في ظروفها الخلية".
وأوردت صحيفة "هآرتس" العبرية، على صدر صفحتها الأولى مانشيت عريضًا، "لقد عادت ملحمة الباصات"، بينما وصفها "الشاباك"، بأنها "أدق عملية نُفّذت منذ 8 سنوات"، في حين قال مسؤول كبير في الكيان الصهيوني، إن عملية تل أبيب أسقطت منظومة أركان إسرائيل الأمنية، وأن "حماس" استطاعت ضرب تل أبيب من غزة ومن الضفة في آن واحد".
وأكدت كتائب الشهيد "عز الدين القسّام"، الجناح العسكريّ لحركة "حماس"، أن عملية تل أبيب التي وقعت خلال معركة "حجارة السجيل"، أثبتت بأن المقاومة لم ولن تسقط من خياراتها.
وشدد الناطق باسم "القسّام" أبو عبيدة، في تغريده له على صفحته عبر "تويتر"، على أن "عملية تل أبيب، هي إصرار (القسّام) على الإمعان في تحطيم غطرسة العدو، والخروج له من حيث لا يتوقع، وأثبتت أن المقاومة لم ولن تسقط من خياراتها دكّ معاقل العدو، بقلب كيانه الغاصب، ردًا على أي عدوان".
وكانت كتائب "القسّام" قد نشرت تفاصيل دقيقة لعملية تل أبيب، التي وقعت خلال "حجارة السجيل"، كما نشرت وصية الشهيد القسامي محمد عاصي أحد أبطال العملية.