غزة ـ محمد حبيب
تصادف الذكرى الـ28 لإعلان الاستقلال، اليوم الثلاثاء، في 15 تشرين الثاني، ففي عام 1988، صدح صوت الرئيس الراحل ياسر عرفات مدوياً في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر، أمام الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطينيّ، قائلا "فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطينيّ، قيام دولة فلسطين، فوق أرضنا الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشريف".
وصاغ شاعر فلسطين الراحل محمود درويش، وثيقة إعلان الاستقلال بكلّ دقة وحرص وبلاغة، ولخّص فيها آلام وأحلام وطموحات الشعب الفلسطينيّ، الذي كان يخوض ببسالة انتفاضة 1987 في مواجهة آلة القمع الإسرائيليّة.
واستند هذا الإعلان التاريخيّ الشجاع، إلى الحق الطبيعيّ والتاريخيّ، والقانونيّ للشعب العربيّ الفلسطينيّ في وطنه فلسطين، وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعًا عن حرية وطنهم واستقلاله، وانطلاقًا من قرارات القمم العربيّة، ومن قوة الشرعية الدوليّة التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ 1947، ممارسة الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير المصير، والاستقلال السياسي، والسيادة فوق أرضه.
وأكدت وثيقة إعلان الاستقلال أن دولة فلسطين للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينيّة والسياسيّة وكرامتهم الإنسانيّة، في ظلّ نظام ديمقراطيّ برلمانيّ، يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب، ورعاية الأغلبية حقوق الأقليّة واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظلّ دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري، في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون.
وأن دولة فلسطين دولة عربية، جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، من تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة. وأكدت التزامها بميثاق جامعة الدول العربية، وإصرارها على تعزيز العمل العربي المشترك، وبمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزامها كذلك بمبادئ عدم الانحياز وسياسته.
وجاء في الوثيقة "وإذ تعلن دولة فلسطين أنها دولة محبة للسلام، ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي، فإنها ستعمل مع جميع الدول والشعوب من أجل تحقيق سلام دائم، قائم على العدل واحترام الحقوق، تتفتح في ظله طاقات البشر على البناء، ويجري فيه التنافس على إبداع الحياة وعدم الخوف من الغد، فالغد لا يحمل غير الأمان لمن عدلوا أو ثابوا إلى العدل".
وجاء فيها أيضا "كما تُعلم في هذا المجال، أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليميّة بالطرق السلمية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وأنها ترفض التهديد بالقوة أو العنف أو الإرهاب، أو باستعمالها ضد سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، أو سلامة أراضي أي دولة أخرى، وذلك من دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عن أراضيها واستقلالها".
وسارعت دول العالم المحبة للسلام، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، المعلن عنها في وثيقة الاستقلال، وفتحت أبوابها لإقامة سفارات وممثليات فلسطينيّة على أراضيها، ليتجاوز عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية عدد الدول المعترفة بإسرائيل.
ورفضت إسرائيل القرار الفلسطيني، واستمرت بسياساتها المعادية والقمعية للفلسطينيين، وباحتلالها للأراضي الفلسطينية، وعملت جاهدة على فرض هيمنتها عليها بتهويدها، وبناء المزيد من المستوطنات عليها لتغيير الوقائع على الأرض.
ومنذ ذلك اليوم، بدأ الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، معركتهم المصيريّة لتحقيق تجسيد حلم الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، مستخدمين كلّ الوسائل النضالية المشروعة، وكانت عودة القيادة إلى أرض الوطن، وتأسيس السلطة الوطنية الخطوة الكبرى نحو تحقيق هذا الحلم، من خلال بناء المؤسسات الوطنيّة كامتداد لمؤسسات ودوائر المنظمة، لتشكل بذلك النواة الأساسية لبناء الدولة المستقلة المنشودة.
وتأتي الذكرى هذه الأيام، ونحن على أعتاب عقد المؤتمر الدولي للسلام قبل نهاية العام الجاري، ليضع سقفاً زمنيًا لإنهاء الاحتلال، حتى يتمكن الشعب الفلسطينيّ من العيش بحرية وكرامة في دولته الخاصة به، مع جميع جيرانه، في أمن وسلام، وحسن جوار.
كما أن القيادة الفلسطينية تواصل العمل مع المجموعة العربيّة والعديد من الأصدقاء للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، لطلب العضويّة الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، ولمواجهة الاستيطان الإسرائيليّ، الذي يمثل تهديدًا حقيقيًا لفرص السلام