تونس -تونس اليوم
خلّف بيان صدر مؤخرا عن الرئاسة الفرنسية، والذي تحدث عن نيّة الرئيس التونسي قيس سعيد، إجراء حوار وطني، حالة من الغموض والارتباك في تونس، خاصة وأن ساكن قرطاج قد قطع الطريق أمام الأحزاب السياسية للمشاركة في بناء تصوراته للمرحلة القادمة منذ 25 يوليو/تموز.وهو ما فتح بوابة التساؤلات حول الأطراف المعنية بالمشاركة في هذا الحوار، والجدوى منه بعد أن رسم سعيّد الخطوط الكبرى للمرحلة المقبلة وأعلن عن إحداث لجنة إصلاحات سياسية يشرف عليها بنفسه.وتساءلت أطراف سياسية عن سبب ورود خبر إجراء حوار وطني في بيان الرئاسة الفرنسية إثر المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيسين ماكرون وسعيّد، بينما لم يتضمن بلاغ الرئاسة التونسية أي أثر لهذا الحوار أو حتى إشارة ضمنية بشأنه.
وفي الصدد، قالت النائبة عن حزب قلب تونس في البرلمان المجمدة اختصاصاته، آمال الورتتاني، لـ "سبوتنيك"، إنها تلقت خبر اعتزام الرئيس التونسي قيس سعيد إجراء حوار وطني عبر بيان الرئاسة الفرنسية، مستنكرة تلقي التونسيين لمعلومات عن بلدهم من قصر الإليزيه، متسائلة ما إذا كان هذا المعطى يستوجب التعاطي معه بجدية، معتبرة أنه ليس خبرا رسميا بما أنه لم يصدر عن جهة رسمية في تونس. وأضافت "ليست هذه المرة الأولى التي نستقي فيها أخبار تونس من الخارج، وبيانات الرئاسة التونسية اعتادت على نشر معطيات بعينها وإغفال أخرى، إذ عادة ما تقتصر الفيديوهات التي تنشرها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على نقل مقتطفات الرئيس وحجب تصريحات ضيوفه".
طاولة النقاش وانتقدت الورتتاني مسارعة البعض إلى الحديث عن إقصاء أطراف سياسية بعينها قبل التحقق حتى من إجراء الحوار، قائلة إن الغرض الأساسي من الحوار هو تجميع مختلف الأطياف على طاولة النقاش والاتفاق على سبل الخروج من الأزمة. واعتبرت الورتتاني أن الحوار الوطني لا يمكن أن يبنى وفقا لشروط مسبقة كالتي حددها رئيس الجمهورية خاصة وأنه يتضمن مسائل هامة تستوجب تشريك القوى الفاعلة، على غرار تنقيح القانون الانتخابي وتعديل العقد الاجتماعي الذي يجمع التونسيين وهو دستور الجمهورية.
وأشارت إلى لجنة الإصلاحات السياسية لا يجب أن تقتصر على الخبرات القانونية، معتبرة أن الحوار الذي يبنى على أسس خاطئة سيفرز بالضرورة نتائج خاطئة. حوار دون حركة النهضة وصرّح القيادي في حركة الشعب (مساندة للرئيس)، أسامة عويدات، لـ "سبوتنيك"، بأن المسار الإصلاحي الذي يتبناه قيس سعيد يستوجب المرور عبر حوار وطني يجيب عن سؤال "كيف ستكون تونس غدا؟"، مشيرا إلى أن هذا الحوار سيكون كما أكد رئيس الجمهورية حوارا مع الصادقين، بمعنى أنه سيضم المجتمع المدني واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والمنظمات الحقوقية والأحزاب التي ناضلت طيلة العشرية الأخيرة من أجل تونس جديدة، قائلا إن هذه الأطراف ستقود البلاد نحو الاستقرار.وشدد عويدات على أن الأحزاب المعنية بالحوار لا تشمل بالضرورة الأحزاب التي ساندت الرئيس مساندة مطلقة وإنما تلك التي تتفق معه على ضرورة الإصلاح والتصحيح، معتبرا أن الحوار يبنى بتعدد الأفكار.
حزب وظيفي وقال عويدات إن حركة النهضة لن تكون معنية بهذا الحوار لأنها "المتسبب الأول في خراب تونس طيلة العشر سنوات المنقضية، والطرف الوحيد الذي تحوّل إلى حزب وظيفي لدى لوبيات الفساد والمال، وهو الحزب الذي أجهض الثورة خدمة لمصالح أصحاب المال والنفوذ، وأفرغ الثورة من مضمونها الاجتماعي وحوّلها إلى انتقال ديمقراطي فاسد". وأضاف "بناء تونس الجديدة لا يكون بمن خربها وبمن أثبت تقرير محكمة المحاسبات اعتماده على أسماء الأموات في الانتخابات المحلية وعلى المال الأجنبي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية للحصول على أصوات الناخبين".
بدوره، قال الأمين العام لحزب التيار الشعبي، زهير حمدي، في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن الحوار الوطني هو مسألة ضرورة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة شريطة المرور بالمحاسبة. الممر الإجباري واعتبر حمدي أن محاسبة الأطراف التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة الحرجة وأفسدت الحياة السياسية وخرّبت الاقتصاد ونهبت قوت التونسيين هي الممر الإجباري لأي عملية سياسية في المستقبل بما فيها الحوار الوطني والانتخابات. وتابع "هذه الأطراف هي التي تولت إدارة الدولة خلال العشرية الأخيرة وهي حركة النهضة التي تورطت في ملفات الإرهاب والفساد والاغتيالات وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر وكل من تحالف معها في المرحلة السابقة".وشدد حمدي على أن الحوار المرتقب لا يجب أن يبنى على صياغة فردية للإصلاحات، داعيا إلى إشراك القوى الوطنية خاصة فيما يتعلق بصياغة مستقبل النظام السياسي وتعديل الدستور وكذلك إصلاح المنظومة الانتخابية بشكل يقطع مع الفساد والمال السياسي الفاسد وسيطرة اللوبيات على المشهد السياسي.
إقصاء الأحزاب وفسّر المحلل السياسي، بالحسن الوسلاتي، ورود خبر إجراء حوار وطني في بيان الرئاسة الفرنسية وغيابه عن بيان الرئاسة التونسية بالقول "إن المشتغلين في الحقل الدبلوماسي يدركون جيّدا كيفية صياغة هذا النوع من النشريات وتركيز المكلف بالإعلام على ما يخدم مصلحة الرئاسة وتوجهاتها". وأوضح أن فرنسا التي لها شركاء في الداخل التونسي سعت من خلال البيان إلى بث خطاب تهدئة وطمأنة. وقال الوسلاتي "بيان قصر الإليزيه لم يأتِ بأي شيء جديد، لأن الرئيس التونسي لم ينفِ في أي موعد إمكانية إجراء حوار وطني، وكان رفضه للحوار مبنيا على التصور التونسي للحوار الوطني على شاكلة ذلك الذي حدث سنة 2014، وأيضا كان يقوم بعملية فرز لأطراف الحوار ويقول إنه لن يتحاور مع الفاسدين".
دستور جديد وأضاف أن رئيس الجمهورية تحدث يوم 22 أيلول /سبتمبر الماضي عن إحداث لجنة لصياغة دستور جديد أو تعديل الحالي، قائلا إن هذه اللجنة لن يكون لها معنى إذا كانت ممثلة في رئيس الجمهورية فقط، وهو ما يفسر الحاجة إلى حوار وطني.ويرى الوسلاتي أن الأطراف المكونة للحوار المرتقب ستشمل بالأساس الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وأولئك الذين التقى بهم خلال فترة ما بعد 25 يوليو، وهم نقابة الصحفيين والمنظمات الحقوقية والمنظمات النسائية وبقية مكونات المجتمع المدني.ويعتقد الوسلاتي أن الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها لن تكون طرفا في الحوار الوطني لسببيْن أساسييْن، الأول يتعلق بفقدان الأحقية وفقا لتصور رئيس الجمهورية الذي يرى أن الأحزاب هي التي أوصلت البلاد على حالة الخراب.أما السبب الثاني فيتعلق وفقا للوسلاتي بفقدان الأحزاب للشرعية الشعبية، مشيرا إلى أن أحداث 25 يوليو كشفت أن الأحزاب لا تمتلك امتدادا شعبيا وأن علاقتها بالناخبين هي علاقة "زبونية" ومصلحة، لافتا إلى أن جزءا هاما من الشعب التونسي أصبح يرفض تواجد الأحزاب برمتها في المشهد السياسي.
قد يهمك ايضا