تونس ـ تونس اليوم
ما يزال الغموض يكتنف مشروع قانون المالية لسنة 2021، الذي أصبح مصيره رهين التوصّل إلى توافقات بين نواب البرلمان التونسي خاصة مع قرب انتهاء الآجال الدستورية للمصادقة عليه، وتتصاعد المخاوف في تونس من فشل البرلمان في تمرير مشروع قانون المالية وميزانية الدولة للسنة المقبلة قبل تاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وهو ما يعني اللجوء إلى فرضية الرئيس والمرور إلى الفصل 66 من الدستور الذي يسمح لرئيس الجمهورية بتسيير المالية العمومية.
واعتبر عضو لجنة المالية بالبرلمان هشام العجبوني"، أن التعديلات التي أضفتها الحكومة ممثلة في وزارة المالية لم تتضمن تغييرات كبرى على مستوى أحكام الميزانية التي تم إسقاطها صلب لجنة المالية، إذ اقتصر التعديل على التخفيض في بعض النفقات الطارئة بحوالي 800 مليون دينار فقط، ومنح بعض الدعم لوزارات النقل والتجارة.
ويرى العجبوني أن قانون المالية لسنة 2021 ورد دون روح ولا لون ولا رائحة، على حد وصفه، مضيفا: "كان من المفترض أن يلبي هذا المشروع متطلبات مرحلة الأزمة التي تمر بها تونس من جراء جائحة كورونا، في حين أنه لم يتضمن أية إجراءات لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وصغار الحرفيين والفئات الهشة أو منع المؤسسات الاقتصادية من الإفلاس".
وأضاف: "لم يكن هنالك جرأة في الإجراءات الجبائية، بل على العكس وقع الترفيع في نسبة الضريبة الدنيا، وكذا الأمر بالنسبة للمحروقات وخاصة منها البنزين العادي الذي يستخدمه سائقو سيارات الأجرة والفئات الضعيفة بعد أن تم الترفيع فيه بنسبة قاربت الـ50% قبل أن يتم إسقاطه".
وأشار العجبوني إلى أن قانون المالية الجديد تضمن عدة تعقيدات إدارية في العلاقة بدافعي الضريبة وعدة إجراءات أخرى لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي، قائلا: "وكأن وزارة المالية سنت قانونا لبلد آخر غير معني بأزمة الكوفيد".
وذكر النائب: "الخطورة لا تكمن في عدم المصادقة على هذا القانون وإنما في كونه غير قابل للتطبيق حتى في حال تمريره عبر البرلمان باعتبار أنه تضمن نسبة مديونية وارتفاعا لحجم الاقتراض الخارجي، في وقت ما تزال فيه تونس تحافظ على ترقيم سيادي سلبي، ما يعني أنه حتى لو وجدنا سبيلا للاقتراض فإن نسبة الفائدة ستكون مرتفعة جدا".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان"، إن قانون المالية لسنة 2021 هو قانون هروب إلى الأمام ومواصلة في نفس المنحى الذي أدى إلى ارتفاع نفقات الدولة.
واعتبر أن محتوى هذا المشروع لا يعكس أية سياسة للحكومة التونسية المرتبطة أساسا بتحقيق الاستثمار العمومي والذي لم يتجاوز 1.5 مليار دينار أي ما يناهز 3% من حجم الميزانية الجديدة، قائلا إن "هذا الرقم يحيل إلى أن الدولة تخلت عن دورها في الاستثمار العمومي بما يشمله من مستشفيات ومدارس وطرقات وسدود، وهو ما يعني غياب الاستثمار الداخلي الخاص وكذلك الاستثمار الأجنبي".
ويرى سعيدان أن نفقات الدولة أخذت منحى لا يتماشى بالمرة مع إمكانيات الاقتصاد ومع نسب النمو المسجلة مؤخرا، وما يزيد الطين بلة هو الدين العمومي الذي تجاوز نسبة 100% من الناتج الداخلي الإجمالي إذا ما احتسبت ضمانات الدولة للمؤسسات العمومية، والتداين الأجنبي الذي تجاوز هو الآخر المائة بالمائة.
وبيّن سعيدان أن الميزانية الجديدة تضمنت أرقاما مخيفة، أهمها كتلة الأجور التي تجاوزت الـ20 مليار دينار أي ما يعادل 17% من الناتج الداخلي الإجمالي، بينما هناك التزام مكتوب نحو صندوق النقد الدولي ألا تتجاوز كتلة الأجور نسبة 12.4%.
وأوضح أن هذا الرقم يعني أن إمكانية التفاوض مع صندوق النقد الدولي أصبحت صعبة جدا، ونحن نعلم أن كل المؤسسات المالية المانحة في العالم تصطف خلف موقف صندوق النقد الدولي.
وقال سعيدان إن الرقم الثاني المخيف هو أن الدولة التونسية في حاجة إلى تعبئة قروض إضافية لسنة 2021 بقيمة 20 مليار دينار أي ما يعادل 40% من ميزانية الدولة، وهو رقم يعتبره سعيدان غير معقول وغير مسبوق، خاصة وأنه داخل العشرين مليار دينار هناك 16.6 مليار دينار من المفروض أن تأتي من الأنظمة المالية بالخارج.
وأشار في الوقت ذاته إلى أن "التصنيف الائتماني لتونس تمت مراجعته إلى الأسفل 8 مرات منذ 2011 وأصبحت تونس غير قادرة على دخول الأسواق المالية الدولية"، متسائلا: "من أين سوف تأتي هذه الأموال وكيف سنمول هذه الميزانية".
وفي خضم هذا الجدل يتخوّف خبراء الاقتصاد من فشل البرلمان التونسي في المصادقة على قانون المالية وميزانية الدولة للعام 2021، وبالتالي المرور إلى فرضية استخدام الفصل 66 من الدستور التونسي الذي تنص الفقرة الأخيرة منه على أن يتولى رئيس الجمهورية تسيير المالية العمومية وفق مراسيم رئاسية.
ونبه رئيس الدولة قيس سعيد، يوم السبت الماضي، خلال لقائه برئيس البرلمان إلى ضرورة المصادقة على مشروع قانون المالية حتى لا يتم اللجوء إلى الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من الدستور وما يمكن أن ينجر عن ذلك من آثار في الداخل والخارج على السواء.
وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن التخوف من فرضية الفصل 66 معقول جدا، نظرا لآثاره الوخيمة على صورة تونس بالخارج، قائلا إن "الرسالة التي ستصل إلى الخارج سواء إذا تكلمنا عن الشركاء الماليين أو الاقتصاديين أو المستثمرين هي أن الدولة التونسية غير قادرة على المصادقة على الميزانية، وهي صورة سيئة جدا ستتسبب دون شك في تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد التونسية وتعميق الصعوبات".
وأضاف سعيدان:إذا لم تتم المصادقة على الميزانية فهذا يعني أن رئيس الجمهورية هو الذي سيتولى صرف الميزانية بالمراسيم، وهذا ليس من مشمولياته ولا من صلاحياته.
وتابع: "لكن هذا يعني أننا سنضع أنفسنا في وضع استثنائي بينما البرلمان موجود، وإذا كان البرلمان عاجزا حتى على نقاش ميزانية فهو لاغ".
من جانبه قال أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار"إذا لم تتم المصادقة على الموازنة في أجل 31 كانون الأول، يمكن تنفيذ مشروع قانون المالية فيما يتعلق بالنفقات بأمر رئاسي يصدره رئيس الجمهورية مدة 3 أشهر على أن تتم المصادقة لاحقا على مشروع قانون المالية، وهو ما يعطي امكانية لتمديد آجال المصادقة".
وأوضح المختار أن الأوامر الرئاسية تقتصر على النفقات دون الموارد التي تستخلص بشكل عادي ضمن استمرارية القوانين ذات الصلة.
وأكد الخبير في القانون الدستوري أن هذا الفصل لم ينفذ سابقا ولم يتم اعتماده البتة نظرا لأن استخدامه يمثل مؤشرا خطيرا بالنسبة لمعاملات تونس الاقتصادية والمالية في علاقة بالمتعاملين والمانحين الدوليين والمقرضين.
ويرى المختار أن تلويح رئيس الجمهورية قيس سعيد باستخدام هذا الفصل لا يتعدى إطار الحث والتهديد نظرا لوعيه بأن فرضية الفصل 66 تعني الإذن بالخراب المالي بالنسبة لموقع تونس على المستوى الاقتصادي الدولي.
قد يهمك ايضا
رئيس تونس يزور قطر بدعوة من الشيخ تميم بن حمد
تونس تشيد بدور الاتحاد الأوروبي في دعم انتقالها الديمقراطي