تونس ـ تونس اليوم
أنهى الرئيس التونسي قيس سعيّد عامه الأول في قصر قرطاج بعد انتخابه رئيسا للجمهورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إثر حصوله على نحو 72 بالمائة من أصوات الناخبين التونسيين، محدثا بذلك رجة سياسية داخل الأوساط الحزبية فيما اعتبره آنذاك المتابعون للشأن التونسي "تصويتا عقابيا" ضد منظومة الحكم السائدة.رجل القانون الدستوري الذي ترجّل من مقاعد التعليم الجامعي إلى كرسي قرطاج دون أي إرث سياسي أو تجربة سابقة في الحكم، حمل وعودا اشرأبت لها أعناق التونسيين الحالمين بمستقبل أفضل لبلادهم، أهمها تحقيق العدالة والتنمية لمناطق ذاق سكانها الحرمان والبطالة والفقر لسنوات، ونصرة القضايا الإنسانية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
سنة انقضت من عهدة قيس سعيد التي تنتهي بحلول العام 2024، حق بعدها التساؤل عن أداء ساكن قرطاج الذي حصل على أعلى تأييد شعبي من الناخبين منذ ثورة يناير 2011.وعن حصيلة هذه السنة الرئاسية، قال الدبلوماسي والسفير التونسي السابق جلال الأخضر ، إن أداء رئيس الدولة قيس سعيد مثل خيبة أمل كبرى بالنسبة لفئة هامة من التونسيين الذين علقوا عليه أمل تصحيح المسار وإعادة ترتيب البيت الرئاسي الداخلي وأن تلعب رئاسة الجمهورية دورها المنوط بها في ضوء الصلاحيات الدستورية الممنوحة لها.
وأضاف، أن نتائج استطلاع الآراء لشهر تشرين الأول 2020 أظهرت تراجعا كبيرا لشعبية قيس سعيد لدى الناخبين بعد نزول نسبة التصويت المتوقعة من 72 بالمائة إلى 48 بالمائة، معتبرا أن هذا التراجع يعكس الانطباع السلبي الذي يحمله التونسيون تجاه أداء رئيسهم الذي اعتمد سياسة نظرية بعيدة كل البعد عما هو واقعي، وهو ما أفقده جزءا من قاعدته الشعبية العريضة التي جمعت بين تيارات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
وأشار الأخضر إلى أن رئيس الدولة لم يتقيد بالصلاحيات الممنوحة له دستوريا، وأضاع البوصلة من خلال دخوله في متاهات التنازع على الصلاحيات سواء مع رئيس الحكومة أو مع الوزراء أو حتى مع البرلمان.ويرى الأخضر أن المؤشرات الحالية لا توحي بأن السنوات الأربع المتبقية في عهدة قيس سعيد ستشهد منعرجا إيجابيا، خاصة في ظل صراعاته مع البرلمان ومع الأغلبية البرلمانية التي تكونت مؤخرا وشكلت الحزام السياسي الجديد لرئيس الحكومة هشام المشيشي.
عزلة سياسة مع الخارج
وعن الأداء الدبلوماسي لرئيس الدولة، قال الأخضر إن رئيس الجمهورية أدخل البلاد في عزلة سياسية لفترة طويلة، مشيرا إلى أن "الصلاحيات الممنوحة له عبر دستور 2014 تمنحه مجالا واسعا للتدخل في الشأن الدبلوماسي، عبر خلق تواصل دائم مع كبرى الدول حيث يصنع القرار السياسي ومع مؤسسات التمويل الكبرى والقيام بزيارات تعود بالنفع لتونس اقتصاديا وماليا".واعتبر الأخضر أن "السياسية الخارجية في عهدة قيس سعيد ما تزال غامضة وغير مفهومة، خاصة في علاقتها بالملف الليبي الذي لم يحرك فيه ساكنا طيلة 9 أشهر بدءً من شهر تشرين الأول 2019 وصولا إلى شهر يونيو/ حزيران 2020"، منتقدا حديثه "المبهم" عن الشرعية الدولية وانحيازه التام إلى طرابلس وإلى حكومة الوفاق الوطني.
كما استنكر الأخضر الإقالات المتواترة التي أقرها سعيّد في المناصب العليا، واصفا بعضها بالمهينة على غرار إقالة وزيري الخارجية والدفاع، ثم إقالة مندوب تونس الأول والثاني في الأمم المتحدة.واعتبر أن تغيير سعيد لطاقم ديوانه أكثر من مرتين خلال سنة واحدة يعكس حالة من التخبط والضبابية وعدم فهم لطبيعة المرحلة ولصلاحيات منصب رئيس الدولة.وعلى نفس الضفة، يقف القيادي في حزب حركة النهضة محمد بن سالم الذي يرى أن أداء رئيس الجمهورية لم يكن في مستوى الانتظارات، قائلا لسبوتنيك إن "السنة الرئاسية الأولى لسعيد تميزت بالكثير من الشعبوية والقليل من الفعل الحقيقي والمواقف المرتجلة في السياسة الخارجية".
تصور يعلله بن سالم بالسقطات التي ارتكبها سعيّد في علاقته بالسياسة الخارجية والتي عكست جانبا كبيرا من التناقض، مستدلا على ذلك بزيارته لباريس التي وصفها بالفضيحة واستخدامه لكلمة الحماية الفرنسية عوضا عن الاستعمار، ومن ثمة مشاركته في عيد الجلاء الذي يحتفل فيه التونسيون بذكرى خروج آخر جندي فرنسي من تراب تونس، فضلا عن موقفه من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي الذي لم يكن منسجما مع شعاره الذي رفعه خلال الحملة الانتخابية بأن "التطبيع خيانة عظمى".
كما انتقد بن سالم الخطاب الشعبوي لرئيس الدولة وحديثه المستمر عن المؤامرات التي تحاك ضد تونس من الداخل والخارج وعلمه بمدبريها دون الإفصاح عنهم أو عرضهم على القضاء وهو المترئس لمجلس الأمن القومي، معتبرا أن الخطابات التي لا تكون مشفوعة بنتائج وبقرارات فعلية من شأنها أن تضع مصداقية رئيس الدولة على المحك.ويرى القيادي في حركة النهضة أن رئيس الجمهورية تجاوز صلاحياته بكثير، من خلال تدخله في تعيين ما يزيد عن نصف وزراء الحكومة الجديدة، وفرضه بعض التسميات على غرار وزير الثقافة الذي استقبله وفرض تمريره على تزكية البرلمان بعد أن أقاله رئيس الحكومة.
ولفت بن سالم إلى أن "تحقير الأحزاب والتغييب المتعمد للنواب واللجوء المستمر للجيش دليل على أن الديمقراطية التي يؤمن بها سعيّد رغم ثوريته ووعده بالانصياع للدستور مختلفة عن الديمقراطية المعلومة لدى عموم الناس والتي ترتكز على القوة السياسية وليس على القوات الحاملة للسلاح".على الجانب الآخر، اعتبر النائب عن حزب التيار الديمقراطي في البرلمان رضا الزغمي ، أن بداية رئيس الجمهورية قيس سعيد كانت موفقة واتسمت بالإيجابية في مجملها.
وتابع أن "سعيّد أثبت أنه ابن الشعب من خلال التصاقه بالجماهير وارتباطه بالناخبين وتبنيه لمشاغلهم الاقتصادية ولمطالبهم الاجتماعية".ولفت إلى أن رئيس الدولة قدّم صورة مغايرة لرئاسة الجمهورية مختلفة عن تلك الصورة النمطية التي عرفها التونسيون سواء خلال منظومة الحكم الاستبدادية في عهد زين العابدين بن علي أو في عهدتي الرئيسين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي.
وأشار إلى أن الزيارات التي أداها سعيّد في الجهات وخاصة منها المحرومة وخطابه العفوي مع التونسيين أسهما في امتصاص حالة الاحتقان الاجتماعي التي عرفها الشارع التونسي في الفترة الأخيرة.واعتبر الزغمي أن "الصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية، والتي تقتصر على الدبلوماسية الخارجية والأمن القومي والتعيينات في المناصب العليا، جعلت من تدخلات سعيّد محدودة ودون النجاعة المطلوبة التي تجعل منها ذات تأثير مباشر على حياة التونسيين، وهو ما قاد البعض إما إلى وصف تدخلاته بأنها شكل من أشكال الشعبوية أو اعتبارها تجاوزا للصلاحيات التي يمنحها له دستور 2014".
وعن سياسة قيس سعيد الخارجية، قال الزغمي إن رئيس الدولة لم يحد عن مبادئه وشعاراته التي رفعها خلال حملته الانتخابية، لكنه اصطدم بواقع دبلوماسي وبحيثيات وطنية وإقليمية ودولية فرضت عليه تغيير خطابه واعتماد سياسة الحياد الايجابي وعدم التدخل في سياسة الدول الأخرى.وختم الزغمي بأن أداء رئيس الجمهورية لا يخلو من هنات، على غرار عدم تفعيله للدبلوماسية الاقتصادية والثقافية من خلال الاستثمار في صورة تونس وفي النهج الديمقراطي الذي تنتهجه البلاد، منتقدا أيضا أسلوبه في التعامل مع الأحزاب وتبخيسه للمنظومة الحزبية، والذي تأكد بتعيينه لشخصية مستقلة عن الأحزاب (هشام المشيشي) سرعان ما خالفته.
قد يهمك ايضا
عثمان الجرندي يؤكد حرص تونس على دفع مسارات التسوية السياسية للأزمات والنزاعات