أخوة السلاح : حكاية عشرة أخوة يقاتلون في صفوف المقاومة السورية
لندن ـ سليم كرم
تناولت تقارير صحافية بريطانية قصة انضمام 10 أخوة إلى صفوف المقاومة السورية، وهم أبناء فلاح سوري في السهول الشمالية السورية، حيث تبدأ الحكاية في كانون الثاني/ يناير 2011 عندما دعا سائق التاكسي محمد رياض المعروف في قريته باسم الشيخ نعيمي، إخوته وأقاربه في قرية في (شمال سورية)، حضره 13 شابًا
كان من بينهم 9 من إخوته، و3 هم من أبناء عمومته، وافترشوا جميعًا حجرة المعيشة في منزله، لقد كان هؤلاء وعلى ما يزيد من عشر سنوات يشكلون جماعة من المعارضة السرية للحكومة السورية.
هذا ويتذكر الشيخ النعيمي (37 عامًا)، تلك اللحظة ويقول "لقد قلت لهم أن ثورات الربيع العربي هي المؤشر بالنسبة لنا"، و أضاف أيضًا "إن عمل المجموعة ظل في السر نظرًا لأن الانتفاضة آنذاك لم تأخذ الشكل العلني وأنهم كانوا يستشعرون أن لحظة الثورة التي كانوا ينتظرونها قد اقتربت".
ويشار أنه أثناء ذلك الاجتماع كانت الثورات العربية تعم (شمال أفريقيا) فقد سقط زين الدين بن علي في تونس، بينما كان مبارك في مصر يترنح، كما كانت إرهاصات الثورة الشعبية في ليبيا واليمن قد بدأت ضد القذافي وعلى عبد الله صالح ،وكانت تلك الأجواء بمثابة فجر الثورة في سورية أكثر الأنظمة البوليسية عنادًا في الشرق الأوسط.
ومن جانبه يقول الشيخ النعميمي "بعد عامين من سقوط مبارك في مصر "لقد تحدثنا فيما بيننا بشأن ذلك وكنا نعرف أن ذلك سوف يتكرر في سورية"، ويتذكر النعمي داخل مكتبه المؤقت بالقرب من أحد خطوط المواجهة في مدينة حلب وفي أجواء شديدة البرودة، حالة التوتر التي عاشوها على 7 أسابيع قبل أن تنتقل شرارة الثورة من القاهرة إلى دمشق، ويقول "إن إخوته لم يستطيعوا الانتظار طويلا، وأن لحظة ميدان التحرير في مصر بدأت في سورية بكتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران أحد المساجد في مدينة درعا، وما أعقب ذلك من رد فعل مدمر من جيش النظام السوري، وفي 15 آذار/ مارس ألقت السلطات السورية على عدد من الشباب والصبية في جنوب درعا بتهمة كتابة تلك الشعارات وتم تعذيبهم في السجن، ثم أعقب ذلك تزايد المظاهرات الاحتجاجية التي لم تكن مسلحة في الأشهر الأولى ولكنها قوبلت بعنف متصاعد على يد قوات النظام".
فيما أدرك أخوة النعيمي في تلك اللحظة أن لحظة البداية بالنسبة لهم قد حانت وأنه لم يعد مناسبًا أن يستمر نشاطهم في سورية، وخلال أيام تركوا وظائفهم وأعمالهم في حلب وفي قريتهم سرمادا القريبة من إدلب ومعهم أبوهم الكهل، وتحولوا جميعا من أبناء فلاح سوري إلى ثوار في خضم حرب من أجل مستقبل سورية، وبات الأخوة الـ10 يخدمون جميعا في وحدة واحدة لدعم المقاومة السورية ، وهي خطوة غير مسبوقة في الحرب الأهلية السورية أن يشارك عشرة أخوة في وحدة مقاومة واحدة. لقد باتت حكايتهم ضمن المأثورات الشعبية داخل حركة المقاومة ، باعتبارها مثالا للتضحية يقدمه مجموعة من الأخوة الفلاحين السوريين المسلمين السنة الفقراء.
يقول النعيمي "إنه وعندما مات الصبية في درعا، كان ذلك بمثابة لحظة الانفجار ، فقد أدركنا آنذاك أننا نلقي بأنفسنا في مواجهة مع الموت، ولم يكن أمامنا خيار آخر غير ذلك، ومع ذلك فلم يكن أي منا كان يعتقد بأن القتال يستمر كل هذا الوقت".
هذا ويقارن الشيخ النعيمي بين بشار الأسد وأبيه حافظ الأسد ويقول "إنه لم يختلف عن أبيه وأنه فاقد الشرعية كرئيس بسبب أسلوب حكمه، وعندما شرع النظام في ضرب وقتل المتظاهرين واعتقالهم بالسجون، أدركنا أن المظاهرات السلمية لن تحقق شيء، ومع ذلك واصلنا الاحتجاج السلمي كي نثبت أننا شعب مسالم ولا يميل إلى العنف".
وانضم في تلك الأثناء الإخوة الـ10 إلى وحدة عسكرية تنتمي إلى "جماعة الإخوان المسلمين" التي كان النظام ينظر إليها على مدى ما يزيد عن 40 عامًا من حكم الأب والابن، باعتبارها مصدر تهديد، فلقد دفعت جماعة "الإخوان المسلمين" السورية ثمنا باهظا عندما كانت في طليعة من تحدوا النظام السوري وكان ذلك عام 1982 عندما تعرضوا لقصف المدفعية على مدى ثلاثة أيام متواصلة في مدينة حماة المحاصرة ، أسفر عن مقتل ما يقرب من 20 معظمهم من المدنيين، و لقد باتت الرغبة في الانتقام أحد الدوافع التي شجعت على التمرد المسلح في سورية، وقد ظل الإخوة العشرة يحاربون تحت لواء "الإخوان المسلمين"، كما أخيهم السابع أحمد 25 عاما قد سبق وأن اعتقل وتعرض للضرب والتعذيب داخل السجن.
ومن جهته، يحكي أنور الأخ الأصغر عن ذلك فيقول "إنهم لم يتعرفوا على شكله من فرط الضرب والتعذيب الذي تعرض له أخيهم"، وقد أمضى أخوة النعيمي الأشهر الأولى من الحرب الأهلية في مناوشات مع قوات النظام في الريف بالقرب من حلب وإدلب ، وعندما اقتحمت المقاومة حلب من الجانب الشرقي اتخذوا مواقعهم بالقرب من الضواحي الجنوبية للمدنية.
بينما انضم مصطفي النعيمي الأب إلى أبنائه الـ10 في منطقة الفردوس في حلب فور قيامهم بتكوين قاعدة واستخدام منزله كمخزن للسلاح، وهو يرقب أبنائه وهم يتوجهون في أحد المناطق الصناعية التي يسيطر عليها قوات النظام في محاولة لانتزاعها منهم، وفي منتصف الشهر الماضي قام الأخوة العشرة بأخطر مهمة لهم وهي فتح خطوط إمدادات لقوات المقاومة باتجاه جنوب المدينة.
ويقول الأب "إنه سعيد وفخور بهم وأعرب عن أمله في تحرير سورية" ووصف أبنائه بأنهم "لم يتخلوا يوما ما عن أداء واجبهم".
أما عن الأم فقد أنجبت له أيضا ابنة قبل أن تموت بالسرطان منذ 14 عاما، ويقول الأب "إن الأم غرست في أبنائها الوفاء والإخلاص والصداقة الحميمة والثقة فيما بينهم والتي انعكست في نشاطهم في الحرب".
وبشأن الأخ الأصغر رضا 19 عاما، فهو يدرس في إحدى الجامعات التركية ويقول وهو يلتقي بإخوته أنور والشيخ النعيمي وأنيس 35 عاما، خلال الشهر الماضي "إنه سوف يعاون عائلته بطريقة أخرى وهي خدمه شعبه وبلده من خلال الفصول الدراسية".
وفي جلسة عائلية لتناول القهوة وتدخين السجائر، يقوم الجميع بتوديع رضا قبل أن يعود إلى تركيا، وخلال الـ5 الأيام التالية يعود الشيخ النعيمي بما يعتقد أنه أخبار طيبة حيث أبلغ كبار الأهالي في قرية حدة بأنهم إذا لم ينضموا إليهم فعلى الأقل ألا يكونوا ضد المقاومة، وقال أيضا "إنهم يريدون ضمانات أمنية في ظل تخوفهم من المستقبل خاصة وأنهم يتمتعون حالياً بحماية النظام السوري".
وقد أبلغهم أيضًا بأن المقاومة ستوفر لهم الحماية وأن النظام لن يحمي مصالحهم. وأكد على أنهم قبلوا بذلك العرض، أن المقاومة سوف تبدأ عاجلا نشاطها لتحرير القرية. ويتم الآن إعداد خطة لشن هجوم على منطقة عين العسافية القريبة من الحدود الجنوبية لحلب، وخلال الأيام الأخيرة من الشهر الماضي تحرك الأخوة باتجاه الجنوب ويقول خالد 29 عامًا "إنهم في مهمة هامة للغاية وأنهم لن يكسبوا المعركة ما لم يفتحوا خطوط للإمدادات".
وعلى مدى أكثر من أسبوعين يواصل الأخوة تقدمهم ببطء بمساعدة بعد القرويين المنشقين عن النظام أو من لديهم خبرات عسكرية ، وتدور المعركة على طريق واسع في ظل تواصل قصف المدفعية السورية وطائرات الميغ وقناصة النظام.
يذكر أنه في صباح أحد الأيام يتعرض الأخ الرابع قتيبة لإصابة في الرأس من شاظية، كما أصيب الأخ الثامن علاء في ساقه بشاظية أخرى، وأصيب الشيخ النعيمي بالتواء شديد في القدم وهو يحاول إسعاف الجرحى.
هذا وعلم مراسل جريدة "الغارديان" البريطانية خلال زيارة لهم الأسبوع الماضي علم أنهم انسحبوا من قاعدتهم في الأحياء الجنوبية لعلاج المصابين، ويقول أنور "إنهم حققوا إنجازًا فقد بلغت خسائر النظام البشرية خلال تلك المعركة ما يقرب من 70 فردا مما كلفهم فقدان السيطرة على المنطقة"، و أضاف أيضا "نحن نحقق يوميًا تقدمًا وأن حلب تقترب من السقوط. وعلى الرغم من أن إنجازاتهم تشكل خطوات قصيرة في حرب طويلة الأمد إلا أن أكبر إنجاز لهؤلاء هو أنهم لا يزالوا أحياء".
ويختم الشيخ النعيمي الحوار بقوله "سوف نواصل مسيرتنا بطبيعة الحال، ولكنها ستكون مسيرة طويلة وحرب ضارية وسوف نقدم عائلتنا ثمنا لهذه الحرب إذا تطلب الأمر".