مجموعة من الشباب على الحدود الجزارية المالية
مجموعة من الشباب على الحدود الجزارية المالية
الجزائر ـ حسين بوصالح
تشهد الحدود الجزائرية المالية، نزوح العديد من مواطني مالي، وبخاصة في منطقة برج باجي مختار الحدودية في أقصى الجنوب الجزائري، هربًا من جحيم الحرب في بلادهم، وحاول "العرب اليوم" تشخيص واقعة ظاهرة اللاجئين الماليين في المنطقة، إلا أن العديد منهم تخوّف ورفض الحديث، كونهم دخلوا الجزائر بطريقة غير
شرعية، وهم لا يحملون وثائق تثبت هويتهم، خوفًا من أن تقوم الجهات الأمنية بإرجاعهم إلى أراضيهم، التي هي الآن في حالة صراع بين القوات الفرنسية والجماعات المسلحة من جهة، وقبائل الطوارق من جهة أخرى.
ولا يختلف اثنان على أن الوضع في مالي، أبطاله الجماعات المسلحة في المنطقة، هم تجار المخدرات الذين تورطوا في كل أنواع الجرائم من قتل وتهريب والتصفية العرقية، واستغلال الأطفال في الأعمال الشاقة، ويتخذون من النساء "ما ملكت أيمانهم"، الأمر الذين دفع بالعديد من سكان شمال مالي إلى الهروب نحو الحدود الجزائرية المالية قبل غلقها، بشتى الطرق، ليتخذوا من الأعمال الشاقة مصدر رزقهم في برج باجي مختار الحدودية، وهي المنطقة التي تبعد بـ 18 كلم عن الحدود المالية، و2600كلم من العاصمة الجزائر.
وقد اختار اللاجئين الماليين، أحد شوارع كيدال، ملجأ لهم هروبًا من جحيم الحرب، ونحن نسير في الشارع الرئيسي للمدينة المسمى بـ"الشارع الواسع"، لفت انتباهنا تجمع أعداد كبيرة من الماليين، الذين تبدوا على وجوههم ملامح الشقاء و التعب، يعرضون خدماتهم للعمل في المنازل كعبيد، وحمالين، مقابل مبالغ مالية زهيدة لا تتجاوز500 دج في اليوم الواحد.
التقى "العرب اليوم" المواطن المالي إبراهيم، الذي لا يتجاوز عمره 15 عامًا، دخل الأراضي الجزائرية منذ نحو شهرين، عبر منطقة الخليل الحدودية، هروبًا من الحرب في غاوة، بحجة العمل من أجل إعالة عائلته التي لا تزال هناك، وخلال تبادلنا أطراف الحديث معه، قال "إن ظروف العمل في برج باجي مختار صعبة جدًا، والحصول على عمل في بعض الأحيان ضربًا من المحال، كونه في رحلة بحث عن عمل منذ أكثر من 3 أيام"، فيما عرض أحد المقاولين في المنطقة عليه العمل كمساعد بناء في إحدى ورشات البناء، براتب لا يتجاوز 500 دج لليوم الواحد، الأمر الذي أسعده، وأعطى موافقته على الفور، ورحل من دون حتى أن يودعنا.
وقالت المالية حسناء (43 عامًا)، بعد أن رفضت في بادئ الأمر الحديث إلينا، لكن بعد أن أعطيناها مالاً قبلت أن تبادلنا أطراف الحديث، "إنها دخلت الجزائر منذ نحو سنة بالتقريب، واشتغلت في بادئ الأمر كعاملة بيوت في العديد من المنازل، حيث تعرضت للإهانة وسوء المعاملة، قبل أن تقرر استئجار محل صغير مبني بالطوب، وحولته إلى شبه مطعم تعد فيه طبق (الميناما)، وهي الأكلة الشهيرة في مالي، والتي لقيت إقبالاً كبيرًا من قبل أهل المنطقة، حيث تعدها بلحم الغنم وتمزجها بالبصل والتوابل، لتقدمها ساخنة، وتجني من ورائها بعضًا من المال، لترسله إلى عائلتها وأطفالها في شمال مالي.
ولا يزال هناك أكثر من 20 ألف لاجئ في الشريط الحدودي المالي الجزائري، ينتظرون قرار إدخالهم إلى الأراضي الجزائرية، كونها الوحيدة التي تشهد الاستقرار على غرار العديد من دول الساحل، إلا أن آخرين فضّلوا التواجد بها بطريقة غير شرعية، وعملوا في أشق المهن، مقابل راحت بالهم، وأمنهم برفقة نسائهم اللاتي أساءت معاملتهن الجماعات المسلحة، واتخذت منهن زوجات عن طريق العنف.
وقرر "العرب اليوم" أن تكون المحطة التالية لرصد واقع اللاجئين الماليين في المخيمات، بعد برج باجي مختار، هي منطقة "تيمياوين" التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن الحدود المالية وجبال تغرغرت.