القاهرة - شيماء مكاوي
يوفّر الطراز البوهيميّ لعشّاقه مساحة الحرية الباهرة في مجالات واسعة من الخيارات التّي لا حدود لاتّساعها، كما أنّه يفرِض شرعيته من عودته الطارئة وحضوره الواثق بشكلٍ مميّز. فهذا الطراز المميّز ومنذ ولادته في ستينيّات القرن الماضي، استطاع عبر عقود عدّة أن يوطّد معاييره وقيمه الجمالية، ويؤسّس لرؤية مفتوحة الآفاق لا يشبهها شيء أكثر من أحلام الحريّة.
فهو يتعامل مع اللون الأزرق الملكيّ اللافت في رصانته وفخامته، تمامًا كما يتعامل مع اللون الأزرق الفيروزيّ المسكون برومانسية بدائية أخّاذة ويمزج بين الألوان والأشكال فيعطي أجواءً طرائفية مسكونة بالغرابة والدهشة.
الطراز البوهيمي يتميّز بتراكم الأنماط والمواد، معزَّزًا بعناصر زينة غير مألوفة تنبض بالإشراق وتستعر بحيوية الألوان الدافئة والمشعّة أو العميقة، تستمد بعض رموزها وصياغاتها من عمق التقاليد الأوروبية الشرقية وبعض البلدان الآسيوية والهندية، والتّي يمثلها "باتشوورك" من الأقمشة الساحرة الألوان والموتيفات.
أمّا المواد فلا تقلّ أهميّة عن الألوان، يتصدّرها الخشب الطبيعي والقصب والقش والجلود والمعدن إضافة إلى أنواع من السجاد والمنسوجات بحبكاتها المختلفة. وعلى الرغم من مساحة الحريّة التّي يتمتع بها المبدعون في صياغة الديكور البوهيميّ الطابع، ثمّة منطلقات أساسية لا بدّ من اعتمادها في مجال التصميم والزينة، وذلك من خلال الاستعانة ببعض عناصر الدهشة التي تؤسّس لابتكار مناخ جميل مشبع بالدفء والألوان الساحرة، كاستخدام الوسائد المزينة بالنقوش، ولوحات الصوف المزخرفة بخطوط هندسية ونقوش كبيرة، إضافةً إلى الأقمشة الهندية المزينة بالبرق والمرايا الصغيرة، مع عدم التردّد في المزج بينها وبين الأقمشة القديمة المزخرفة بالأزهار، والتّي تملك قدرة عجيبة على تثمين الأجواء وإعطائها مزيدًا من الجاذبية.
بينما تشكّل الجلود والسجاد والمصابيح وكل عناصر الزينة، والتّي تتوافر بخيارات لا محدودة، مصدرًا لتناسق بارع مع خيارات مميزة من قطع الأثاث الرجعي البسيط أو الريفي والحديث، بأسلوب لا يغيّر من روحية الديكور ولا يشوّه هويته.
أمّا الإضاءة بعناصرها البسيطة وأنوارها الخافتة والناعمة، فتمنح الأجواء البوهيمية نكهة خاصة وتكسبها أصالة غير مشكوك فيها. كما تعتمد اختيارات الإضاءة على نماذج من المصابيح البسيطة الأشكال، والثريّات والشمعدانات التّي تضفي على الأمكنة لمسة شاعرية فريدة.
فالديكور البوهيمي، في مختلف وجوهه، يشكل تحديًا جماليًا ووظيفيًّا غير موصوف، وهو يمثل استحضارًا لمعطيات متعدّدة، يتطلّب استثمارها في الديكور، براعة باهرة في المزج بين الآفاق والتقاليد الحرفية والتأثيرات المختلفة بأسلوب يساهم في تكريس حساسية تلامس المزاج بتناغم تام مع العادات والميول.
والبوهيمية لا تعني على الإطلاق التفلّت من القواعد والمعايير، للوصول الى فراغ مفتوح، بل على العكس من ذلك، فهي تتجاوز القواعد والمعايير من أجل إعطاء مدى جديد يقترب أكثر فأكثر من الأصل والأصالة.
والصياغات البوهيمية غالبًا ما تكون مُحكمة بخيارات مسبقة في إعدادها وتصورها تفاديًا لغياب التوازن بين المكونات الزخرفية والوقوع في فخ المبالغة المجانيّة. ولذلك تتم دائمًا تهيئة أرضية التصميم واختيار المواد الطبيعية المناسبة لوضعها في الواجهة، لكونها من الأساسيات التّي سيُبنى عليها المشهد الداخلي.
لا يمكن تصور جوّ زخرفيّ بوهيميّ الطابع في مكان يزدحم بأثاثٍ ريفي أو صناعي أو حديث، فالبساطة هي الأساس. ولتجنب الوقوع في الأخطاء والنمطية، لا بد من اختصار قطع الأثاث والاعتماد على مكمّلات الزينة التي تُلبِس المكان حلّةً جميلة ومدروسة من الأشكال والألوان وهي تتيح للمساحات أن تتنفّس وتؤكّد حضورها بانسجام تام واتزان غير متكلّف.
أمّا التفاصيل الصغيرة التي تتغلغل في الديكور مثل اللوحات المصنوعة من الصوف والأغطية المطرّزة، والتّي تحمل في مظهرها نفحة من الفولكلور فتضفي على المكان لمسة من البهجة والفرح.
وتشكّل الجدران في الزخرفة البوهيميّة مساحةً مثاليةً للعرض، فعليها تُعلَّق اللوحات والأشغال اليدوية والصور وتذكارات السفر وغيرها حيث يستطيع المرء تزيينها على هواه لتكوين مشهد يشعر فيه تلقائيّاً بإحساس من البهجة والراحة..