بيروت - قنا
تأثر قطاع السياحة الذي يعتبر أحد أبرز موارد الاقتصاد في لبنان بالأزمة الدستورية القائمة في البلاد جراء الفراغ الرئاسي، على وقع الخلافات السياسية الداخلية بين الفرقاء، وعدم ثقة السياح بالمناخ الأمني في لبنان في ظل الأزمة المستعرة في بلد الجوار الإقليمي "سوريا" إلى جانب أزمة النفايات وما رافقها من احتجاجات للحراك المدني .
وقد تدهور القطاع السياحي في لبنان بين أعوام 2011 و2014 حيث تشير الإحصاءات إلى انخفاض عدد السياح من مليونين و300 ألف عام 2010 إلى مليون و300 ألف عام 2013 مع ارتفاع بطيء في العام 2014 مع تحسن المناخ الأمني .
وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة السياحة اللبنانية،أن مجموع الوافدين إلى لبنان بلغ في شهر سبتمبر من العام الجاري 2015 136.050 مسجلا ارتفاعا بنسبة 12 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من العام 2014 حيث بلغ إجمالي عدد الوافدين121.435 .
وبحسب الإحصاءات شكل الوافدون العرب 33 بالمائة من إجمالي الوافدين، في حين شكل الوافدون الأوروبيون 31 بالمائة ، بينما شكل الوافدون من قارة أمريكا 17.1 بالمائة .
وفي هذا السياق حمل وزير السياحة اللبناني ميشال فرعون في لقاء مع وكالة الأنباء القطرية قنا التداعيات السلبية للتعطيل المؤسساتي في البلاد على وقع الفراغ الرئاسي مسؤولية تضرر القطاع السياحي، مشددا على أن تعطيل البرلمان والحكومة لهما الأثر السيء على هذا القطاع .
وتشهد الساحة اللبنانية تعطيل كافة المؤسسات الدستورية جراء الفراغ الرئاسي منذ شهر مايو من العام الماضي والذي تبعته أزمة حكومية بعد إعلان أحد الفرقاء السياسيين تكتل التغيير والإصلاح رفضه حضور أي جلسة لمجلس الوزراء ،"إذا لم يكن على جدول أعمالها التعيينات الأمنية والعسكرية"، إلى جانب شلل مجلس النواب حيث يتعذر انعقاد جلسات البرلمان نتيجة إحجام كتل نيابية وازنة عن الحضور بحجة أنه "لا يجوز التشريع في ظل الفراغ الرئاسي"، الأمر الذي انعكس على مختلف القطاعات الإقتصادية بما فيها القطاع السياحي الذي بات على ارتباط وثيق بالتطورات السياسية والأمنية في لبنان والجوار.
وأشار وزير السياحة اللبناني إلى تدهور القطاع السياحي خلال الأعوام 2011 لغاية 2014 بسبب تردي الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد، مبينا أن القطاع استعاد الحركة في العام 2014 والعام الجاري 2015 وأن كان عدد الوافدين إلى لبنان أقل من العام 2010 والتي بلغ فيها عدد السياح معدلات قياسية وصلت إلى مليونين و300 الف سائح.
وقال في العام 2014 عانى القطاع السياحي من أزمة حقيقيّة مع انخفاض ما يقارب الـ 40% من عدد السواح بين 2011 وآخر 2013 جراء تدهور سياسي وأمني في البلاد بالإضافة إلى انخفاض الزوار اللبنانيين ودخول البلاد في أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة.
وأوضح، أنه بفضل الاتفاق السياسي لتحصين الاستقرار الأمني وبعد تنفيذ الخطة الأمنية وإنجاحها وإبقاء الأزمة السياسية تحت سقف الأمن والدستور، لا يزال هناك أمل بتنشيط هذا القطاع وأخذ مبادرات في فتح أو تنظيم مشاريع جديدة بمشاركة خبراء، لما في ذلك من إمكانيّة لإيجاد مردود وحركة مستدامة بعد بضع سنوات من العمل، مستثمرين بذلك طاقات لبنان الفريدة على أكثر من صعيد .
وأشار وزير السياحة اللبناني إلى، أن الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية سجلت نموا في حركة السياح بنسبة 20 بالمائة إضافة إلى حركة اللبنانيين غير المقيمين .. منوها بأن مصروف السواح نمت في شهر يوليو من العام الجاري بنسبة 50 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بفضل الاستقرار الأمني الذي سمح بأن تتجدد حركة السياحة في لبنان، وبالتالي كانت بداية الصيف تنبئ بموسم سياحي جيد ولكن أزمة النفايات أعطت صورة سلبية للسائح إلى جانب الشلل الذي أصاب البرلمان والحكومة الذي ساهم بدوره في إعطاء تلك الصورة .
وتطرق إلى الخطوات والمشاريع التي قامت بها الوزارة من أجل النهوض بهذا القطاع .. لافتا إلى مواكبة إستثنائية من قبل الوزارة لحركة المجتمع المدني مع تنظيم حوالي 110 مهرجانات خلال صيف 2015 اضافة إلى مواكبة المجتمع المدني على صعيد النشاطات المتعلقة بالفن والحضارة والتراث والسياحة الريفية .
وأشار إلى، أن عمل الوزارة تركّز على عدة نشاطات ترويجية لقطاع السياحة ومنها حملة "لبنان الحياة" ومواكبة النشاط الإستثنائي للجمعيات والقطاع الخاص في كل لبنان، إلى جانب تنظيم ومواكبة السياحة الطبيّة والسياحة الدينية إضافة إلى تنشيط السياحة الريفيّة .. لافتا إلى أن الوزارة أطلقت في شهر فبراير الماضي مبادرة "أنا" الموجهة للمغتربين اللبنانيين ويهدف هذا المشروع على حث كل مغترب عبر حوافز إلى زيارة لبنان على الأقل مرة في حياته.
ومن ناحيته، قال النائب كاظم الخير عضو لجنة الزراعة والسياحة في البرلمان اللبناني لوكالة الأنباء القطرية، إن الفراغ الرئاسي والأزمة السياسية التي يشهدها لبنان تنعكس على الوضع الاقتصادي في البلاد ومنها قطاع السياحة الذي تأثر بشكل مباشر بمجريات الأحداث .
ورأى أن أزمة المنطقة تفاقمت من أزمة لبنان الداخلية والتي انعكست بفراغ رئاسي وتعطيل مؤسساتي وهو ما أثر على السياحة وكل القطاعات .. مطالبا الفرقاء اللبنانيين بالتوافق من أجل انتخاب رئيس للبلاد بأسرع وقت وحلحلة الأزمة السياسية لإعادة الثقة بلبنان واعادة الأمل للشعب اللبناني والمؤسسات الخاصة بعودتها إلى العمل مجددا ولإعطاء صورة للعالم العربي وللمجتمع الدولي أن لبنان بلد مستقر وآمن.
وحول دور لجنة الزراعة و السياحة المعنية بدعم القطاع ، قال إن اللجان النيابية مثل كل مؤسسات البلد معطلة لافتا إلى تنسيق بين اللجنة ووزارة السياحة حول هذا القطاع ..واعتبر أن انعاش قطاع السياحة وكافة القطاعات في البلاد يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت.
ولم يكن المواطن اللبناني بمنأى عن تأثير الفراغ الرئاسي والتعطيل المؤسساتي على أوضاعه المعيشية وأعماله في ظل انعدام الفرص الوظيفية والشح في المشاريع الاستثمارية مع انكفاء المستثمرين اللبنانيين والأجانب عن الاستثمار في البلد .
وفي هذا المجال أكد النائب الدكتور خالد زهرمان أن مرحلة انسداد الأفق لحل الأزمة السياسية في لبنان على وقع الفراغ الرئاسي لها تداعيات سلبية على مصالح الناس .. مؤكدا على أن الفترة التي يشهدها لبنان جعل الأمور الأساسية الحياتية للناس تتعقد لأن هناك مشاريع كثيرة حيوية للمواطنين وتهمهم يجب إقرارها في مجلسي النواب و الوزراء وهي رهينة عودة البرلمان والحكومة إلى عقد جلساتهما .
وقال زهرمان إن الفراغ الرئاسي يؤثر سلبا على كل مجالات حياة الناس واذا استمر التعطيل المؤسساتي فإن الأمور قد تتجه إلى مزيد من التأزم، مبينا أن القروض من البنك الدولي إلى لبنان تنتظر عقد جلسة مجلس النواب، مؤكدا على ضرورة انتخاب رئيس من أجل تسيير أمور لبنان بالحد الأدنى .. موضحا أن المواطن بات يفقد الثقة بلبنان مشددا على ضرورة عودة باقي المؤسسات من التعطيل في ظل الفراغ الرئاسي الى جانب حل أزمة النفايات .
من جانبه، حذر النائب محمد قباني في تصريح من التداعيات السلبية للفراغ الرئاسي على مجمل الأوضاع في لبنان وانعكاساتها على المواطن، ولفت إلى أن التعطيل المؤسساتي ينعكس على المواطن لأنه يؤثر في تجميد الكثير من المشاريع ،مع التوقف عن المصادقة على البرامج والمشاريع الإنمائية والخدماتية في مجلس النواب والحكومة، التي تساهم في إعادة الدورة الاقتصادية للبلاد وبما يتوافق مع مصالح الناس.
وفي هذا السياق أعرب عدد من أصحاب المؤسسات والمشاريع السياحية في لبنان عن مخاوفهم من استمرار الفراغ الرئاسي والتعطيل المؤسساتي الذي يهدد مؤسساتهم بالإقفال في ظل ارتفاع تكلفة المصاريف وغلاء الخدمات من ماء وكهرباء مقابل خسائر تكبدتها تلك المشاريع .
وفي هذا السياق أعرب محمد عبدالله صاحب أحد المقاهي عن هواجسه من استمرار وضع البلد على هذا الحال مبينا تضرر القطاع السياحي في ظل ارتفاع تكلفة المصروفات .
وقال، لاشك إن الظروف الإقليمية الأمنية والسياسية التي تسيطر على منطقة الشرق الأوسط ارخت بظلالها على الوضع في لبنان ،إنما ايضا لابد من الإشارة إلى الواقع الاقتصادي السيء الذي يتراجع يوما بعد يوم والذي امتد إلى القطاع السياحي.
ورأى أن المشكلة الأساسية في واقع المؤسسات السياحية في لبنان هو غياب شريحة كبيرة من الممولين العرب والأجانب عن الساحة لدواع أمنية وهذا انعكس ايضا ضعفا وضررا على الاقتصاد اللبناني فضلا عن تراجع الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والبنية التحتية وتراكم النفايات بالشوارع وكلها ستؤدي الى أزمات متتالية ستضرب ببنية المؤسسات السياحية بلبنان .
هذا وقد أثر التعطيل المؤسساتي على حركة المدن السياحية وأبرزها مدينة طرابلس التي تتميز بآثارها التاريخية وأسواقها القديمة ، وفي هذا السياق قال بكر صديق رئيس نادي آثار طرابلس لـ قنا إن المدينة تعاني أزمة على مستوى القطاع السياحي في ظل التعطيل والفراغ وما قبله في ظل جولات العنف التي شهدتها المدينة خلال السنوات الماضية .وأشار إلى أن المدينة الأكثر غنى بالآثار على الحوض الشرقي للمتوسط والتي ما زالت تحافظ على جزء كبير من إرثها الأثري والتراثي ،وتشكل متحفا حيا بنسيجها العمراني المتكامل الذي يضم الأزقة والخانات والجوامع والحمامات و الأسواق والقلعة والبوابات، تعاني من انعدام مشاريع سياحية فيها وتفتقد إلى تأهيل أسواقها القديمة وبيوتها التاريخية .
وأكد أن الفراغ الرئاسي والتعطيل وغيرها من الأوضاع السياسية ترخي أوزارها السوداء الثقيلة على الحركة السياحية في طرابلس فهناك حذر وترقب من إنفلات الأمن في أي لحظة نتيجة الإحتقان السياسي منوها بالخطة الأمنية الناجحة في طرابلس معربا عن تمنيانه بعدم خرقها لتجنب جولات العنف العبثية التي عصفت بطرابلس في السنوات الماضية .
وتعد السياحة في لبنان أحد أهم مصادر الدخل في خزينة الدولة حيث كانت منذ القدم وحتى الوقت الحالي تشكل دعامة للاقتصاد الوطني وتؤمن العديد من الفرص الوظيفية للناس ،كما كان القطاع يستقطب رؤوس الأموال العربية والأجنبية والسائحين من مختلف دول العالم حيث كان يطلق على لبنان قبل الحرب الأهلية لقب "سويسرا الشرق".
ويحاول القطاع السياحي اللبناني تجاوز الكبوات.. فهو كان القطاع الرئيسي الذي يمد الخزينة اللبنانية بأغلبية الموارد الماليّة، وبنسبة 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقدين اللذين سبقا الحرب الأهلية.
ومنذ نهاية الحرب، أخذ هذا القطاع يستعيد حيويته شيئاً فشيئاً، إلا أن السياحة لم تعد بعد إلى المستوى الذي كانت عليه بسبب توالي الأحداث التي مر بها لبنان .
وساهم قطاع السياحة بحوالي 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1999.
وفي عام 2001 كان أسرع قطاعات البلد نموّاً، إذ بلغت نسبة زيادة السياح الذين زاروا لبنان بين عاميّ 1996 و2000 حوالى 14بالمائة سنويّاً، وضخّ القطاع السياحي 6374 مليون دولار أميركي إلى الاقتصاد اللبناني عام 2003.. وشهد القطاع نمواً لافتاً على مدى السنوات الأخيرة، قبل أن يعود إلى الجمود. ففي العام 1995، وفد إلى لبنان 450 ألف سائح. وفي 2000 وفد 472 ألفاً، وفي 2003 وفد مليون و16 ألفاً، وفي 2004 دخل مليون و278 ألفاً، وفي 2005 دخل مليون و141 ألفاً، وفي 2010 وفد مليونان و351 ألفاً و81 سائحاً.. ولكن في العام 2013، عاد الرقم إلى الهبوط حتى مليون و300 ألف وافد.
ويبقى السؤال هل يعود لبنان، الذي يتميز بطبيعته الخلابة وتنوعه الثقافي والتاريخي كنتيجة للحضارات المختلفة التي مرت عليه مقصدا للسائحين العرب و الأجانب .