شعر المتنبي - ٢

أبو الطيب المتنبي قال:

منىً كن لي أن البياض خضاب / فيخفى بتبييض القرون شباب

أعز مكان في الدنا سرج سابح / وخير جليس في الزمان كتاب

وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا / ودون الذي أملتُ منك حجاب

وفي النفس حاجات وفيك فطانة / سكوتي بيان عندها وخطاب


وله في العاشق:

لو فكر العاشق في منتهى / حسن الذي يسبيه لم يسبِهِ

لم يرَ قرن الشمس في شرقه / فشكت الأنفس في غربه

يموت راعي الضأن في جهله / موتة جالينوس في طبّه


وقال أيضاً:

وإذا لم يكن من الموت بد / فمن العجز أن تكون جبانا

كل ما لم يكن من الصعب في الأنـ / ـفس سهل فيها إذا هو كانا


وله:

يهون على مثلي إذا رام حاجةً / وقوع العوالي دونها والقواضب

كثير حياة المرء مثل قليلها / يزول وباقي عيشه مثل ذاهب


وله أيضاً:

بذا قضت الأيام ما بين أهلها / مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد

ومن شرف الإقدام أنك فيهم/ على القتل موموق كأنك شاكد

وأن دماً أجريته بك فاخر / وأن فؤاداً رِعته لك حامد

وكلٌّ يرى طرق الشجاعة والندى / ولكن طبع النفس للنفس قائد


وقال في سيف الدولة:

لكل امرئ من دهره ما تعودا / وعادة سيف الدولة الطعن في العدى

هو الجد حتى تفضل العين أختها / وحتى يصير اليوم لليوم سيدا

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته / وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقيدت نفسي في ذراك محبةً / ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا


ويقول عنه أيضاً:

أزِل حسد الحسّاد عني بكبتهم/ فأنت الذي صيّرتهم لي حُسّدا

أجزني إذا أنشدت شعراً فإنما / بشعري أتاك المادحون مرددا


وقال:

كم قتيلٍ كما قُتلتُ شهيد / ببياض الطلى وورد الخدود

وعيون المها ولا كعيون / فَتَكَت بالمتيّم المعمود

هذه مهجتي لديك لحيني / فانقصي من عذابها أو فزيدي


وأيضاً:

شيب رأسي وذلتي ونحولي / ودموعي على هواك شهودي


وقال:

أفكر في معاقرة المنايا / وقود الخيل مشرفة الهوادي

وما ماضي الشباب بمستردٍ / ولا يوم يمر بمستعاد


وله أيضاً:

أذمُّ الى هذا الزمان أهيله / فأعلمهم فَدم وأحزمهم وغد

وأكرمهم كلب وأبصرهم عمٍ / وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى / عدواً له ما من صداقته بدُّ


وقال في الحسناء:

إذا غدرت حسناءُ وَفَّت بعهدها / فمن عهدها أن لا يدوم لها عهد