لندن ـ العرب اليوم
تم تحديد الـ16 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر موعدا لافتتاح فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد في الصالات الفرنسية. بعده يتوخى الفيلم الانتشار في العواصم الأوروبية المتعددة. قبل ذلك التاريخ سوف ينتقل الفيلم ومخرجه وفريق من العاملين فيه إلى مهرجان تورونتو السينمائي الذي يعتبر المنصة الرئيسة للأفلام الأجنبية التي تأمل في افتتاح السوق الأميركية قبل نهاية العام. «عمر»، الذي يروي حكاية شاب يرفض التحول إلى عميل لكنه في النهاية يخسر صداقاته كلها كان شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» الفرنسي الأخير وخرج بالجائزة الثانية من مسابقة «نظرة ما» في نهاية جولة من المنافسات الحادة. وكان المخرج أحسن الاختيار حينما قدمه إلى إدارة «كان» على أمل اختياره للعرض الرسمي في أي من أقسام المهرجان بعدما كان المخرج أبو أسعد شهد انطلاقته قبل 6 سنوات من مهرجان برلين المنافس عندما عرض فيلمه المعروف «الجنة الآن» الذي انطلق بعد ذلك ليصبح واحدا من الأفلام العربية القليلة التي وصلت إلى الترشيحات الرسمية لسباق الأوسكار في إطار الفيلم الأجنبي. * سوابق * والحقيقة أن مهرجان «كان» مشهود له بعرض أكبر كمّ من الأفلام العربية بين المهرجانات الرئيسية كافة. نعم، كثيرا ما يبدو كما لو أهملها، لكن هل كان الحق عليه إذا ما كانت معظم إنتاجاتها لا ترتقي إلى المستوى الذي يجعل اشتراكها في المسابقات الدولية حتميا؟ لقد تم حتى الآن الاحتفاء بالسينما الفلسطينية في مهرجان «كان» السينمائي أكثر من أي مهرجان غربي رئيس آخر، مثل برلين أو فينيسيا أو لوكارنو أو تورونتو، خصوصا في السنوات الـ15 الأخيرة، حيث تم تقديم أعمال فلسطينية أو فلسطينية - غربية أو فلسطينية - إسرائيلية مشتركة أكثر من مرة. في عام 2008 وعلى شاشة «نظرة ما» عرضت، على سبيل المثال، آن ماري جاسر فيلمها «ملح هذا الأرض»، الذي حمل راية فلسطينية - فرنسية - سويسرية - إسبانية - بلجيكية مشتركة. قبل ذلك بأربع سنوات قام المخرج المصري يسري نصر الله بعرض «باب الشمس» الذي تناول موجزا للتاريخ الفلسطيني كما استوحاه من رواية إلياس خوري. ولا ننسى الفيلمين اللذين تم عرضهما على شاشة المهرجان للمخرج إيليا سليمان، وهما «يد إلهية» (2002) و«الزمن المتبقي» (2009). كلاهما شارك في المسابقة الرئيسة، وأولهما نال جائزة لجنة التحكيم. إلى ذلك، بضعة أفلام قصيرة وعروض في قسم «نصف شهر المخرجين» من حين لآخر ما يمنح الموضوع الفلسطيني حضورا متكررا على منصة أهم مهرجان سينمائي عالمي. فإذا أضفنا إلى ذلك أفلاما يحققها اليسار الإسرائيلي من حين لآخر، ويستقبلها المهرجان الفرنسي بالرعاية ذاتها، متناولة مواضيع تتعلق بفلسطين أو بحروب إسرائيل مع جاراتها العربية، وقفنا على نتيجة تؤكد أن المهرجان المذكور بات، في أحد أهم جوانبه، تعليقا سياسيا مفتوحا يتداوله كل من يهتم بالسينما الجيدة، كما بالمواضيع السياسية التي تريد طرحها. * سعادة نجاح * فيلم هاني أبو أسعد، الذي تم تقديمه في إطار مسابقة «نظرة ما» (وهي المسابقة الثانية من حيث أهميتها، وذلك بعد المسابقة الرئيسة) انطلق بقيام تييري فيرمو، المدير العام للمهرجان. المنصة ليقدم الفيلم على أساس أنه عمل فلسطيني، ثم دعا صانعي الفيلم (المخرج والمنتج وعدد من الممثلين) للصعود إلى المنصة واستقبال التصفيق الذي انتشر بين الحاضرين. هذا لم يكن تمييزا للفيلم ولا معاملة خاصة، لأن كل الأفلام المقدمة في إطار مسابقة «نظرة ما» تُعامل كسواسية، لكن وسط ظروف القضية ومسارات المنطقة بأسرها، ثم بالنسبة لمؤيدي القضية الفلسطينية شرقا وغربا، فإن ذلك كان بمثابة تقدير مناسب على أكثر من صعيد. «بالطبع كنت سعيدا حين تم تقديم فيلمي هنا على هذا النحو»، يقول هاني أبو أسعد، ثم يضيف: «لكنها ليست سعادة عاطفية ولا تعود إليّ وحدي. إنها سعادة بنجاح الفيلم في سعيه للوصول إلى تلك اللحظة الخاصة. هذا النجاح الذي لم يكن ليحدث لو أن الفيلم لم يستحق هذه المعاملة أصلا». يدور الفيلم الجديد حول ذلك الشاب الفلسطيني الذي يحب شقيقة صديقه خالد، وهو ينوي مفاتحته برغبته في الزواج منها. لكن قبل ذلك يقوم مع خالد وصديق ثالث برصد جندي إسرائيلي. الصديق الثالث يطلق النار ويصيب الهدف، لكن الشرطة تعتقل عمر وتحقق معه، ثم تحاول تطويعه للعمل جاسوسا لها. من هنا تتطور الأحداث لتكشف أكثر من جانب، فإذا بمطلق النار الذي امتنع عمر عن الإفصاح عنه هو بدوره الجاسوس، وهو من يدخل على خط العلاقة بين عمر وفتاته، فيفوز بها ليخرج عمر خاسرا. * هل ما زالت القضية الفلسطينية موضوعا سينمائيا مهما في رأيك؟ - أعتقد أن الأوضاع السياسية تبقيها على هذا السطح. لا مهرب من ذلك. هناك أفلام تريد أن تطرح مواضيع فلسطينية مختلفة في ظل الظروف، التي نعرفها جميعا. والمهرجانات لا تعيش على كوكب آخر. المهم هو أن يكون الفيلم مصنوعا جيدا. يختار ما يريده ويعرضه بنجاح. على غير ما يعتقده البعض، فإن الدعم الخارجي موجود، يؤكد أبو أسعد: «أستطيع أن أبدأ تصوير فيلم جديد يوم غد، إذا أردت. المال موجود. الجهات الإنتاجية موجودة. لكن على المخرج أن يفكر كثيرا، قبل أن يقدم على العمل؛ أن يعمل على أن يحقق النتيجة التي وعد نفسه ووعد من حوله بها». * مزج تام * هاني أبو أسعد خبر المصاعب من قبل. كان أنجز «الجنة الآن» حول شابين فلسطينيين مكلفين بعملية تفجير في تل أبيب، لكن أحدهما يغير موقفه، بينما الثاني يجد نفسه مضطرا للمضي فيما طُلب منه تنفيذه. الفيلم منح المشاهدين الغربيين نظرة تشرح (ولا تبرر) الأسباب التي قد تدفع البعض للانخراط في هذا المنوال من التفجيرات الانتحارية. في عام 2008، كان لا يزال يعمل ويعيش في هوليوود آملا القيام بتحقيق فيلم جديد على أعتاب النجاح الكبير، الذي حققه «الجنة الآن» إعلاميا على الأقل. لكن هذا لم يحدث: «وجدت أنني لن أستطع أن أحقق ما يريده مني الآخرون. بالنسبة لي هذه التجربة (تجربة العمل في هوليوود) كانت فاشلة لكن الحقيقة أنني تعلمت من الفشل أكثر مما تعلمت من النجاح». * السبب؟ - هناك الكثير مما يجب أن يتعلمه المرء من الفشل حتى وإن لم يكن هو السبب. الخطط تتغير والقرارات تتوجه صوب مشاريع مختلفة، والمرء قد لا يعرف أنه يفشل إلا من بعد أن تفاجئه النتيجة. بالنسبة إلي كان علي أن أعيد التفكير وأبحث عن المشروع الذي أستطيع الدفاع عنه. أحد أفلام أبو أسعد القليلة التي حققها بين «الجنة الآن» و«عمر» فيلم بوليسي ثانوي بعنوان «حامل الطرد». يراه هذا الناقد جيد التنفيذ ومحدود الطموحات الفنية في الوقت ذاته، لكن أبو أسعد لديه رأي آخر: «إنه فيلم جاء في فترة الفراغ التي ذكرتها. لا يعني لي الكثير، وليست لدي أي أوهام بخصوصه». هذا الموقف المتبرئ مفهوم، نظرا لأن طموحات المخرج كانت العودة إلى حيث الموضوع الذي يهمه ويشغل تفكيره. «عمر»، مثل «الجنة الآن» يحمل موضوعا فلسطينيا عن شخصيات شابة تعيش وضعا نشازا بسبب الاحتلال. لكن الإضافة هنا هي أنه أيضا قصة حب؛ هل يوافق؟ «بالتأكيد. هدفي كان مزج الناحيتين: الحديث في الوضع الذي تشير إليه وتناول قصة حب. هذه القصة رئيسة ونجدها الدافع لكل ما يقوم عمر به. تدخل في صميم خياراته وتشترك في صنع القرار ونتائجه. عمر يحب الفتاة ومستعد لأن يضحي بكل شيء من أجلها، ولو أن لديه بعد اكتشافه الحقيقة حسابات عليه تصفيتها». * هو أيضا يعاني من القبضة العسكرية المحكمة عليه. كيف تستطيع تقديم فلسطيني يتعاطف مع الجمهور الغربي؟ - أعتقد أن الأهم هو جعله إنسانا طبيعيا جدا. تقديمه بصدق وجعل المفارقات التي يقوم بها مدروسة وصادقة. ما يشغل بال المشاهد هو المآزق التي يجد فيها بطل أي فيلم نفسه فيها وعلى المخرج أن يعرف كيف يوصلها على نحو صحيح. كثيرة هي الأفلام التي تخفق في إثارة التعاطف ليس لأن القصة ليست جديرة بل لفشل المخرج في التعامل مع الشخصية ذاتها. * واحد من خياراتك هو ذلك المشهد الذي نرى فيه قيام أفراد الجيش الإسرائيلي بإيقاف عمر على حجر صغير رافعا يديه وحينما يحتج يتم ضربه.. هذا سبق مشهد اشتراكه في عملية اغتيال الجندي. - صحيح. لكن هذا المشهد أضيف من بعد كتابة السيناريو. أضيف لضرورته. لو لم نضفه على الفيلم لجاء مشهد الاغتيال اعتداء، ولفقد الفيلم توازنه. يكشف المخرج أيضا عن موضوع آخر مهم: «القصة حقيقية. أقصد أن هذا الفلسطيني قتل ضابط المخابرات بعدما جر قدمه إلى مكيدة». * إنها نهاية حادة التي يوجه فيها عمر المسدس إلى رأس الضابط ثم شاشة سوداء مع صوت الرصاصة. - المقصود هنا هو تلك الحدة بالفعل. الأثر المفاجئ الذي يتركه ذلك على المشاهد. هذا ما حدث فعلا. قام الشاب الفلسطيني بإطلاق الرصاصة على رأس الضابط. طبعا في الواقع بادر أفراد الضابط إلى إطلاق النار على الشاب وقتله، لكن ليس قبل أن يطلق النار على اثنين منهم. * لماذا لا نرى ذلك على الشاشة؟ - لأن النهاية ستختلف. لو ترك المشاهد الفيلم وبطله مطروح على الأرض، سيستخلص أفكارا مختلفة عن تلك التي يستخلصها حاليا. هناك قوة في النهاية المختارة وشيء من الندم والضعف في النهاية الأخرى.