مشهد في فيلم بشتوني في موري

تتسمر عيون رجال من البشتون على شاشة عملاقة تعرض فيلما عنيفا، ثم يهتفون ويرقصون لبطلهم وهو يطلق النار من سلاح رشاش.. لا يثنيهم عن التردد على صالات السينما في بيشاور الباكستانية لا هجمات المتشددين ولا تهديداتهم.

في صالة العرض في سينما ارشد، ينصت جمع كبير من الرجال المرتدين الزي التقليدي للبشتون وهم ينتظرون بدء عرض الفيلم الجديد "اتركوا الفقراء بسلام".

وعلى الشاشة، تظهر والدة بطل الفيلم التي فجعت بفقدان زوجها تحت التعذيب بين ايدي رجال الشرطة، تدخل متجرا للاسلحة وتكشف عن وجهها للبائع قائلة بحزم "اريد كلاشنيكوف".

وعند هذا المشهد، تنفجر الصالة بالحماسة والصراخ تحية للبطلة التي قررت ان تأخذ بالثأر، وهي عادة ما زالت متجذرة في المجتمع القبلي المحافظ للبشتون الذين يتوزعون بين باكستان وافغانستان.

وتعود السيدة الى منزلها وتلقي السلاح الى ابنها غول خان العازم على الثأر لوالده.

ويثير هذا الموقف إعجاب الجمهور لكونه يجمع بين رغبة الشاب بالثأر لابيه وطاعته لوالدته ايضا.

يحدث ان يتعطل مكيف الهواء في سينما ارشد الواقعة في طابقين، فتصبح صالة العرض اشبه بحمام السونا مع دخان الحشيشة الذي ينبعث كبخار الحمامات التركية.

في الاشهر الماضية، خرجت الى صالات العرض سبعة افلام جديدة في بيشاور التي تعد مهد السينما المحلية.

وخرجت تلك الافلام رغم ان العام السابق شهد استهداف صالات السينما بهجومين داميين شنهما اسلاميون متطرفون يرون ان السينما من عوامل انحراف المجتمع.

وشكل الهجومان ضربة قاسية لقطاع صالات العرض التي تعاني اصلا من منافسة الانترنت والاقراص المدمجة.

الا ان هذا القطاع نجح في الصمود، مثله مثل مدينة بيشاور التي ادماها عقد كامل من هجمات حركة طالبان. ففي هذه المنطقة الغارقة في الفقر والأمية، تبدو السينما واحدة من وسائل التسلية القليلة المتوافرة للسكان.

صور فيلم "اتركوا الفقراء بسلام" خلال الصيف الماضي في مدينة لاهور شرق باكستان، وفي تلال موري قرب العاصمة اسلام اباد، وقد بيعت تذاكر العرض باربع مئة روبي (اربعة دولارات) للتذكرة الواحدة، اي ضعف ثمن التذاكر عادة.

-احداث واقعية -

يصور هذا الفيلم البطل غول خان على انه شاب مسالم ومستقيم، تدفعه الظروف الى التمرد بوجه الظلم والقمع، وجرائم اصحاب النفوذ ورجال الشرطة الفاسدين.

ولاضفاء ملامح واقعية على الفيلم، ادخل المخرج ارشد خان بعض الاحداث التي وقعت فعلا، وبنى احداث الفيلم حولها، مثل جعل ابن شقيق غول خان يقتل في الهجوم الذي شنه مسلحو حركة طالبان على مدرسة عسكرية في بيشاور واسفر عن 130 قتيلا في نهاية العام 2014.

وبطبيعة الحال يجب ان يتضمن الفيلم مساحة للحب، لكن من دون ان يتطور ذلك الى اي قبلة لا يمكن للمجتمع في بيشاور ان يستسيغها، ويكتفي المخرج بجعل غول خان يرقص مع الممرضة التي احبها على انغام موسيقى صاخبة.

ويثير هذا المشهد الذي يرقص فيه البطل مع فتاة لا تغطي شعرها ولا ذراعيها، بخلاف ما هو الحال في مجتمع بيشاور المحافظ، وجد المشاهدين، فينطلق بعضهم في الرقص حول نفسه، وينكب آخرون في اعداد سيجارة حشيشة جديدة.

لكن غول خان يضحي بحبه في سبيل تحقيق الانتقام لوالده، ويتحول الى رامبو محلي ويمطر اعداءه بالنار ويجهز المسلحون من جماعته على موكب معاد باستخدام الصواريخ، في مشهد يستعيد المؤثرات البصرية والصوتية للافلام الغربية في السبعينات.

وبعد ساعتين ونصف الساعة، ينتهي المطاف بالبطل امام عدوه اللدود، وهو نائب فاسد، فيقتله بعد ان يقطع يديه.

- من الشاعرية المفرطة الى العنف المفرط -

تختلف نوعية الافلام هذه تماما عن الافلام التي انتجتها سينما البشتون بالاسود والابيض في السبعينات.

ففي ذلك الوقت كانت الافلام شاعرية وتحمل معاني راقية، لكن يبدو ان الحروب والنزاعات في افغانستان المجاورة وفي باكستان انعكست عنفا في السينما.

وجعل ذلك من صالات السينما حكرا على الرجال، ولاسيما من العمال والفلاحين واللاجئين.

ويقول فخر الاسلام الاستاذ في جامعة بيشاور "المنتجون يستجيبون لطلب الجمهور، وقد بات معظم هذا الجمهور من العمال غير المتعلمين الذين يقصدون السينما لتدخين الحشيشة ومشاهدة فيلم فيه عنف ونساء".

ويتهم صانعو هذه الافلام بانهم يروجون للعنف، لكن معدي فيلم "اتركوا الفقراء بسلام" يردون بان الفيلم ينطوي على رسالة للسلطات مفادها "امنوا فرص العمل للشباب بدل ان تدفعوهم الى حمل السلاح"، بحسب الممثل شهيد خان شقيق المخرج ارشد خان.

والى جانب سينما البشتون، يزدهر قطاع السينما في باكستان مع افتتاح صالات جديدة في معظم المدن الكبرى، ما عدا في بيشاور حيث ما زالت الاجواء المحافظة والمتشددة تحول دون ذلك.

بعد انتهاء عرض الفيلم، يخرج المشاهدون ويتجمهرون على باب السينما معربين عن رضاهم، ويقول احدهم لمراسل وكالة فرانس برس "على الحكومة ان تعي هذه الرسالة وان تعتني بنا، لاننا فقراء".

لكن شابا مارا لا تعجبه هذه الصالات يقول "يجب ان تقفل دور العرض هذه، فهي تعرض افلاما سيئة في جو سيء".

اذا كانت سينما البشتون قد نجت من عاصفة هجمات حركة طالبان، الا ان جهودا كبيرة ما زالت تنتظرها قبل ان تتحول الى تسلية تجمع افراد العائلة كلها.