لم يعد ظهور تقنيات "الذكاء الاصطناعي" قاصراً على أفلام الخيال العلمي، فالآن يتعامل العديد من مستخدمي شبكة الإنترنت يومياً مع تقنيات "التعلم الآلي" بدون معرفة ذلك، وهي تقنية تعطي أجهزة الكمبيوتر القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج عليها، فعلي سبيل المثال قد تكون سمعت أو قمت بتجربة تقنية "Voice Search" من خلال إعطاء أمر بصوتك لـ "محرك بحث جوجل" للبحث عن معلومات عبر شبكة الإنترنت، كما قد تكون اعتمدت في التعرف على المزيد من المعلومات عن مكان تزوره لأول مرة، من خلال التقاط صورة له بواسطة تقنية "Google Goggles" العملية، وتوجد العديد من الأمثلة الأخرى منها تقنية حظر البريد الإلكتروني غير المرغوب فيه، بل وحتى تقنية السيارات ذاتية القيادة. وربما تكون قد صادفت نصًا تم تحويله من الكلام بطريقة رديئة جدًا، أو قرأت ترجمة آلية سيئة للغاية، إلا أن جوجل تعتقد أن "التعلم الآلي" يمكن أن يصبح أكثر دقة بكثير مما هو عليه اليوم، وأن أجهزة الكمبيوتر الذكي قد تجعل تنفيذ المهام اليومية أكثر سهولة من أي وقت مضى. ولذلك يعمل فريق أبحاث تابع لجوجل منذ وقت طويل على بعض المناهج الحديثة بهدف توسيع نطاق التعلم الآلي. أحرزت تكنولوجيا "التعلم الآلي" اليوم نجاحًا كبيرًا في التوافق مع استخدامات جديدة، لنفترض مثلاً أننا نريد تصميم نظام يمكنه التمييز بين صور السيارات والدراجات البخارية، فيجب أولاً أن نجمع عشرات الآلاف من الصور التي تم فعلاً تصنيفها على أنها "سيارة" وأخرى "دراجة بخارية"، حت يتم تدريب النظام على تصنيفها، إلا أن عملية التصنيف تحتاج إلى مجهود كبير، كما أنه لا يتوفر سوى قدر قليل نسبيًا من البيانات المصنفة. إلا أن هناك بحثًا نشر مؤخرًا عن "التعلم الذاتي" و"التعلم العميق" يقترح إمكانية الاعتماد بدلاً من ذلك على البيانات غير المصنفة، مثل الصور العشوائية التي يتم جلبها من الإنترنت أو من مقاطع فيديو اليوتيوب، وتعمل هذه الخوارزميات عن طريق تصميم شبكات عصبية اصطناعية، تساعد بشكل عام على محاكاة عمليات التعلم العصبي، مثلها مثل العمليات التي تتم عبر المخ البشري. وتعد الشبكات العصبية أمرًا مكلفًا للغاية على المستوى أجهزة الكمبيوتر، ولذلك لم يتجاوز عدد الاتصالات التي أجرتها معظم الشبكات المستخدمة في "التعلم الآلي" حتى يومنا هذا سوى عدد يتراوح بين مليون و10 ملايين عملية اتصال فقط، وكان لشركة جوجل تجربة أخري تهدف لتدريب قدر أكبر من الشبكات لتحقيق درجة دقة أفضل بكثير. ولذلك طورت شركة جوجل بنية أساسية تعمل على تدريب الشبكات العصبية على نطاق واسع، وبعد ذلك، وزعت بيانات شبكة عصبية اصطناعية على 16 ألف نواة معالج من معالجات مراكز البيانات التابعة لها، ثم دربت نماذج بها على ما يزيد عن مليار عملية اتصال، لتجري بعد ذلك اختبارات تطرح بشكل غير رسمي السؤال التالي: إذا اعتبرنا أن شبكتنا العصبية عبارة عن محاكاة لـ "مخ طفل حديث الولادة" نطاقه محدود للغاية، وعرضنا عليها مقاطع فيديو من موقع يوتيوب لمدة أسبوع، فما الذي ستتعلمه هذه الشبكة؟ كانت الافتراضية أن هذه الشبكة ستتعلم كيف تدرك الأشياء المشتركة بين مقاطع الفيديو هذه. وبالفعل، تمكنت إحدى الخلايا العصبية التابعة لجوجل من تعلم الاستجابة القوية لصور القطط، مع الأخذ في الاعتبار انه لم يسبق برمجة هذه الشبكة أبدًا من قبل بشيء متعلق بالقطط، كما أنه لم يسبق أن تعرضت أبدًا لصورة تم تصنيفها على أنها قطة، وبرغم ذلك استطاعت الشبكة "اكتشاف" شكل القطة بنفسها من مجرد مقاطع ثابتة وغير مصنفة على يوتيوب. باستخدام هذه الشبكة العصبية التي تعمل على نطاق واسع تمكنت جوجل أيضًا من تحسين أفضل ما تم التوصل إليه من اختبارات تصنيف الصور القياسية حتى الآن إلى مستوى كبير؛ فقد لوحظ نسبة تحسن في مستوى الدقة تصل إلى 70% تم تحقيقها من خلال الاستعانة بقدر كبير جدًا من البيانات غير المصنفة المتوفرة على الإنترنت.