مدينة بورتو

تتمتع مدينة بورتو، الممتدة على طول نهر “دورو” شمال غربي البرتغال، بتاريخ مميز، إذ شهدت من العصر الروماني إلى العصور الوسطى كثيرًا من الأحداث البارزة على مرّ القرون الماضية، إلا أن ما لا يراه الناس من عالمها أمامهم هو الشبكة اللاسلكية المترابطة التي تحيط بالمدينة بطريقتها الخاصة التي تساهم في تعزيز مكانتها لجذب العالم نحوها بمجرد الركوب في أي من حافلات نقل الركاب فيها .

إن ما يميز هذه الشبكة المترابطة (mesh network)، التي طورتها شركة “فينيام” المحلية، عن غيرها من الشبكات الأخرى للهواتف الجوالة في بلاد العالم، هو أن الشبكة بحد ذاتها متحرّكة، فمع نقط الاتصالات اللاسلكية الموضوعة في كل حافلة نقل، تلعب كل حافلة دور بقعة فعالة توفر اتصالًا فائق السرعة، وبذلك، لا توجد تقريبًا مساحات تفتقر إلى الشبكة، وليست هناك حاجة إلى مزيد من أبراج الاتصالات الثابتة التي لا يمكنها أن تجاري الأشخاص والأشياء المتحركة.

وبيّن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “فينيام”، المحاضر بعلوم الكومبيوتر في جامعة بورتو، جاو باروس، أنّه “صمّمت الشبكات في مدننا لتقف مكانها؛ تعمل خدمات (واي – فاي) بشكل ممتاز في منازلنا، وفي مكاتبنا، أما شبكات الهاتف الجوال، فتعمل بفعالية متفاوتة، حسب المكان والحركة، فضلًا عن أنها باهظة الكلفة”، ونقلت عنه مجلة “وايرد” الإلكترونية أن البنى التحتية لم تصمم لتخدم الطريقة التي نعمل ونعيش بها اليوم، لأنها تفترض أن الجميع إما يعملون خلف مكتب أو جالسين على الأريكة في منازلهم، إلا أن الواقع بات مغايرًا، والناس يتخلون أكثر فأكثر عن الارتباط الجسدي بمكان معين.

وفور الركوب في حافلة للنقل في بورتو، أو في أي مركبة متحركة أخرى، سيستفيد الراكب فورًا من اتصال قوي سريع بخدمة “واي - فاي”، وفي الوقت الحالي، تصلح هذه الشبكة كحافز للاعتماد على النقل العام، وتقليص استخدام السيارات الخاصة، ولكن باروس يرى أنها أكثر من مجرد حافز في مدينة كبيرة كمكسيكو، أو كثير من المدن الأخرى التي لا يحصل فيها الناس على اتصال بشبكة الإنترنت إلا عبر الركوب بالحافلة.

وأضاف باروس أن الفائدة التي لا يلحظها الناس ليست القدرة على مشاهدة مباريات كرة القدم البرتغالية على متن الحافلات، ولا التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مدينة مكسيكو، بل هو ما يحصل في الجهة الأخرى من الشبكة، أي تدفق البيانات في الاتجاهين، ففي الوقت الذي يستمتع فيه الركاب بالموسيقى، والقراءة، والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل شبكة “فينيام” على جمع معلومات حول ما إذا كانت الشبكة تعمل في مدن أو أحياء أخرى أم لا، وإن حدث وعمدت حافلة ما إلى التخفيف قليلًا من سرعتها في موقع ما، قد يفهم المسؤولون عن إدارتها أن عليهم الانتباه لخط طريقها مثلًا، وكذلك عندما ترسل مستوعبات النفايات إشارات على امتلائها، ستتوجه شاحنات نقل نفايات أخرى بشكل أوتوماتيكي للمساعدة، وعندما تكون إحدى الحافلات ممتلئة والأخرى فارغة، قد تستطيع هذه الأخيرة أن تغير طريقها، ويرى روي كوستا، مدير فرع الشركة في نيويورك، المسؤول عن تنفيذ المشروع في حي وول ستريت في مانهاتن، أن المدن يمكن أن تصبح أذكى عبر الاستفادة من البيانات التي تنتجها، وأضاف: “الاستثمار في وسائل جديدة لجمع المعلومات، ونقل كميات هائلة من البيانات، سيسمح لنا بالشعور بنبض المدينة”.

وسيتضمن هذا النبض كثيرًا من المركبات الذاتية القيادة، كالسيارات والشاحنات، ولكنها جميعها تتطلب شبكات وبنى تحتية تشبه شبكة “فينيام”، القادرة على نقل كميات كبيرة من البيانات بسرعة وفعالية، هذا ويجب ألا ننسى أيضًا التقنيات الجديدة التي تطورها شركات كـ”ماوسر إلكترونيكس” ومزوديها، كـ”أنالوج ديفايسز” و”إنتل” و”مايكروتشيب تكنولوجي” و”ولكس”، وبالنسبة لـ”فينيام”، يمكن القول إن الإنجاز الذي حققته شبكتها المرنة غير المرئية هو عمل طويل بعيد المدى، ويقول باروس إن هدف شركته هو تخفيف ازدحام المدن بالسيارات، وتخفيف عبء الحركة ذهابًا وإيابًا؛ وبمعنى آخر طبع المدن بطابع إنساني.