واشنطن - يوسف مكي
أقرت مجموعة "فيسبوك" بالتهديد الذي قد يشكله التوسع الهائل لشبكات التواصل الاجتماعي للديموقراطية، متعهدة بمعالجة هذه المشكلة مباشرة، وتحويل منصتها إلى "قوة للخير". وتأتي تصريحات شبكة التواصل الأضخم في العالم في إطار آخر رد لها على انتقادات كثيفة لعجزها عن وقف انتشار المعلومات الخاطئة بين مستخدميها الذين يبلغ عددهم مليارين، لا سيما في الفترة المؤدية إلى انتخابات 2016 الرئاسية في الولايات المتحدة.
وأكد مسؤول المشاركة المدنية في "فيسبوك"، صامد شكرابارتي، في تدوينة، إدراكه "للضرر الذي قد يلحقه الإنترنت حتى بديموقراطية سليمة"، وتابع: "في 2016، كنا بطيئين جداً في (فيسبوك) في رصد كيف استغلت جهات مسيئة منصتنا"، مؤكداً: "نعمل حالياً بجدية على إبطال مفعول هذه المخاطر".
وتأتي التدوينة في إطار سلسلة بعنوان "أسئلة صعبة"، تندرج في حملة إعلانية بارزة لمجموعة "فيسبوك" لإعادة رسم صورتها، تخللها في الأسبوع الفائت الإعلان عن فتح فرصة أمام المستخدمين لـ"تصنيف" مصادر المعلومات، بحسب ثقتهم بها، في مسعى لاعتراض تدفق الأخبار الكاذبة. وقالت مسؤولة السياسات الدولية والإعلام الحكومي كيتي هارباث، في بيان: "نحن مصممون أكثر من أي وقت على مكافحة الآثار السلبية، وحريصون على أن تكون منصتنا مورداً لا شك فيه لخير الديمقراطية".
وتتعرض مجموعات "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" لتشديد التدقيق حول العالم، بعدما سهلت انتشار الأخبار الخاطئة، وبعضها بإيعاز أو توجيه روسي، قبل الانتخابات الأميركية واستفتاء "بريكست" (انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي)، وغيرهما من المعارك الانتخابية. وخلصت "فيسبوك" إلى أن جهات روسية تقف وراء 80 ألف خبر منشور، وصلت إلى نحو 126 مليون شخص في الولايات المتحدة على مدى عامين تقريباً.
وقال شكرابارتي: "كان فظيعاً لنا أن تستخدم دولة منصتنا لشن حرب على الإنترنت للتسبب بانقسام المجتمع"، وتابع: "كان نوعاً جديداً من التهديد تعذر علينا توقعه بسهولة، لكن كان علينا تحسين أدائنا. الآن، نسعى إلى تعويض الوقت الضائع". كما لفت إلى التعهد الصادر عن "فيسبوك" في العام الفائت بالعمل على تحديد هويات داعمي الإعلانات السياسية، مشدداً على الحاجة إلى التقدم بحذر، خصوصاً في حالات تتعلق بناشطين حقوقيين قد يصبحون مهددين عند كشف هوياتهم علناً في شبكات التواصل، على ما ذكر مثالاً.
كذلك تحدث عن قرار الإتاحة لمستخدمي "فيسبوك" لتصنيف مصادر الأخبار، بحسب "ثقته" فيها، مؤكداً: "لا نريد لعب دور الحَكم بشأن الحقيقية، ولا نخال أن العالم يريدنا أن نلعب دوراً كهذا"، وتابع: "الرادع الأفضل في النهاية سيكون جمهوراً مدركاً"، ولو أنه أقر بمخاوف من اتساع ظاهرة "حجرة الصدى"، أي: فرز وتناقل وتكرار المعلومات المطابقة لآراء المتصفح.
وتفاوتت ردود الفعل على مشروع "فيسبوك" إتاحة تصنيف المواقع الإعلامية استناداً إلى استطلاعات "ثقة" المستخدم. وبدت رينيه ديرستا من جمعية "داتا فور ديموكراسي" متفائلة، وكتبت في تغريدة على "تويتر": "هذه أخبار رائعة ننتظرها منذ فترة طويلة. فـ(غوغل) تصنف بحسب النوعية منذ فترة طويلة، ومن المذهل مدى التأخير الذي سجلته شبكات التواصل لتلحق بركبها".
لكن الكاتبة المتخصصة بشؤون التكنولوجيا شيلي بالمر حذرت مما يبدو مساواة بين الثقة والحقيقة من جهة، وما يصدقه الجمهور الذي يسميه البعض "حقيقة ويكي" (من موقع ويكيبيديا).
وكتبت بالمر أن "(حقيقة ويكي) هي رد (فيسبوك) على الأخبار الكاذبة والأخبار البديلة والتأكيدات البعيدة عن الوقائع"، مضيفة أن مجموعة "(فيسبوك)، عملاقة شبكات التواصل، ستسمح لكم بتصنيف الأخبار التي تظنونها أكثر قيمة، فأي مشكلات قد تنجم عن ذلك؟". ورأى الكاتب المتخصص بشؤون الإعلام ماثيو إنغرام أن التغييرات "لن تعجز عن حل مشكلة (الأخبار الكاذبة) فحسب، بل إنها قد تذكي النار في الحقيقة، عوضاً عن إخمادها".
وعزا إنغرام ذلك، في مقالته في مجلة "كولومبيا دجورناليزم ريفيو" المتخصصة بشؤون الإعلام، إلى أن "الأخبار المضللة أكثر جاذبية من الحقيقة بشكل شبه دائم". وفي المقابل، عبر مؤسس مجموعة "نيوز كورب" رئيس مجلس إدارتها التنفيذي، روبرت مردوك، عن التشكيك في مشروع "فيسبوك"، مقترحاً الاستعاضة عنه بدفع "رسوم نقل البث" لمنظمات إعلامية موثوقة، على ما تفعله شركات التلفزيون بالكابلات.
وقال مردوك، في بيان نشرته مجموعته الناشرة لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وصحف أخرى في بريطانيا وأستراليا: "لا شك لدي إطلاقاً في أن مارك زاكربرغ (مؤسس فيسبوك) شخص صادق، لكن يبقى هناك نقص خطير في الشفافية يجب أن يثير مخاوف الناشرين وكل من سئم من الانحياز السياسي في هذه المنصات النافذة".