الرجال يُؤكّدون أنَّهم يجدون في الكذب وسيلة للهروب

يمكن أن يميل كثير من الناس إلى الاحتفاظ ب "أسرار"  لا يتفوهون بها لمن حولهم من الأصدقاء, ولكن هل يمكن أن يكون هناك "أسرار" يخفيها الأزواج عن بعضهم؟, في حين أننا جميعاً نعلم أن نجاح الزواج يقوم على الصراحة بين الطرفين، إلا أن نسباً كبيرة من الرجال يميلون إلى الاحتفاظ ببعض الأسرار عن زوجاتهم, وعلى الرغم من أن إخفاء الأسرار عن الزوجة يمكن أن يبدو وكأنه إخفاء حقائق، وبالتالي فإن الزوج يكون في هذه الحالة يميل إلى الكذب، إلا أن الرجال يعتقدون أنه من خلال إخفاء هذه الأسرار، فإنهم يجعلون الأمور "تبدو الأسهل" عند التعامل معها.

لماذا يكذب الأزواج؟ سؤالٌ يراود غالبية النساء لاسيما الذكيات منهن عندما يكتشفن كذب الزوج, وتعد الثقة المتبادلة بين الزوج والزوجة من أهم مقومات العلاقة الزوجية الناجحة، فهي تعني الصدق والإيمان بما يقوله ويفعله الآخر. أما الكذب، خاصة اذا كان صفة ملازمة لأحدهما أو كليهما فيعني التشكيك بكل ما يبدر من الآخر، من سلوكيات وتصرفات وحديث ونوايا معلنة وغير معلنة وهذا الشك يترتب عليه أمور كثيرة سيئة تزري بالعلاقة الزوجية وتحولها الى جحيم لا يطاق, وأسباب الكذب عند الأزواج كثيرة، يأتي في مقدمتها تضييق الزوجة الخناق على شريكها, حيث يعتبر الرجل إن الكذب أسهل من قول الحقيقة، وهذا ما أكدته آخر الدراسات النفسية التي رأت أن الرجال يكذبون أكثر من النساء.

ولطالما سبّب الكذب أزمات ومشاكل كبيرة بين الزوجين وصلت في بعض الأحيان إلى الطلاق. لكن هذا لا يعني إن علاقة الزوجين لا تسمح بالكذب، لأن بعض الرجال يرى فيه طريقا سالكا وآمنا له لكي يتجنب اتهامات زوجته والبعض يرى الكذب دافعه الحرص على عدم إثارة غضبها أو رغبه منه في الاستقرار أو الاستمرار ويظن إن العيش بسلام مع حواء يتطلب قليلا من الكذب للضرورة .

وقال سرمد 30 عاما إن الكثير من المشاكل التي تقع بيني وبين زوجتي سببها سؤالها المتكرر (لماذا تأخرت اليوم؟)، حتى تعلم ابني الصغير الذي لا يتجاوز الأربع سنوات هذا السؤال من أمه إذ أحيانا يتصل بي في العمل ويسألني متى ستأتي؟, واضاف, "أحيانا أراوغ بإجابتي عندما تسألني فأجيب بأنني كنت أتسوق أو إن سبب تأخري الازدحام وطبيعتي أن لا اكذب على زوجتي لكن للضرورة أحكام أحيانا اكذب لتفادي المشاكل بيننا", بينما كشف محمد عبد الله  28 عامًا أن من طبيعته أن يراوغ بعض الأوقات ويلتقي بأصدقائه في مقهى أو كازينو  للتسامر والراحة من العمل الشاق إلا إن زوجته لا تحب أن يخرج من البيت وترغب أن يقضي معظم الوقت معها وللأطفال, وأضاف, "لذا اضطر أن اكذب عليها لكي اخرج بعد خلق الأعذار كي تسمح لي بالخروج بدون أي مشكلة وقد اعتدت على الكذب لأني لم أصل إلى نتيجة معها فاضطر إلى القول على سبيل المثال سوف يسافر صديقي وعلي أن أودعه وإذا تأخرت أقول لها حصل حادث لأحد الأصدقاء وهكذا".

وبجرأة يحسد عليها سالم أحمد 42عامًا يقول "نعم وابصم بالعشرة إنني التجئ كثيراً إلى الكذب على زوجتي لأنها لو علمت أين اذهب واقضي وقتي لغضبت علي وصار يوما اسود في البيت ولو ضعت نفسي في مشكلة لا استطيع الخروج منها", ويضيف قائلا "أحيانا صديقي أيضا يستعين بي  ويكذب على زوجته ويقول لزوجته اتصلي بصديقي فانا دائما معه وفعلا تتصل وأنا من أرد عليها لكي نكون اثنين يكذبون بدل شخص واحد", ويؤكد ضاحكا "اكذبوا اكذبوا إلى أن تصدقكم زوجاتكم وهكذا نتجنب الأسئلة والمشاكل التي تقع على رؤوسنا".

وبين رياض مصطفى 28 عاما "التجئ إلى الكذب الأبيض على زوجتي أحيانا وكثير من الأماكن التي أتواجد بها لا يجوز أن تكون زوجتي معي كأن تكون سهرة مع مجموعة أصدقاء أو اجتماع عمل ما، من الطبيعي اكذب فطبيعة المكان أو الأجواء لا تلائم وجودها معي فزوجتي تحب أن تخرج معي أينما اذهب", ويعتبر إن "الكذب الأبيض شائع بين الأزواج"، وهو في المقابل يتمنى من كل زوجة أن "تقدر وضع الزوج خصوصا إذا كانت طبيعة عمله لا ترتبط بمواعيد ثابتة وان تكون على ثقة بان زوجها لن يتردد في طلب صحبتها متى ما كان ممكنا".

وترى أم نرجس "متزوجة منذ 20 عامًا" تقول عن تجربتها على الرغم من انقضاء سنين على زواجنا إلا أنه لم أجرب سؤال زوجي لماذا تأخرت فهذا السؤال يغضب زوجي كثيرًا، أنا واثقة منه وعمله يتطلب التأخر أحيانا، ولو ألححت عليه بكثرة أسئلتي أكيد سوف يكذب علي ومن طبعي إنني لا أحب الكذب ونحن متفاهمان بكثير من أمورنا  فعائلتي تعيش على الحب والوئام بدون اللجوء إلى الكذب.

وتؤكد الهام عبد 32عاما بيني وبين زوجي الكثير من الثقة المتبادلة، عمله طبيب واعرف مواعيد عمله واعلم إن الكثير من الأزواج يتضايقون من كثرة الأسئلة من قبل زوجاتهم حيث كانت لي صديقة كثيرا ما تتصل بزوجها وتسأله متى تصل للبيت ومع من كنت لقلة ثقتها به وكان لديها هاجس بأنه يرتكب الخطأ مع من يخرج من النساء ولكثرة علاقاته, وتستدرك, "المرأة لها القدرة والحدس إذا ما كان الزوج يكذب عليها وأنا بدوري أقول للرجل لا تستهن بذكاء المرأة".

وأشار باسم كاظم إلى أن أساليب الكذب كثيرة وأضاف, "منها حينما تسألني زوجتي أين كنت؟ وهي لحوحة جدا بأسئلتها الكثيرة عند دخولي البيت ولا أحب أن اخبرها بكل ما أقوم به  وكأني طفل يتعين علي الإدلاء بتفاصيل تحركاتي  من عمل  كزيارة بيت أهلي فالجأ إلى الكذب دائما وبسبب كرهها لأهلي فاضطر أن اكذب فهي من تجبرني فأقول لها السيارة تعطلت أو ذهبت لأشتري بعض المواد الاحتياطية لسيارتي  وهكذا", أما أنور الذي بادرنا باسماً وهو في طريقه إلى عيادة الطبيب مع زوجته قال "أنا هنا ومعي زوجتي لكي لا تسألني لماذا تأخرت في عيادة الطبيب، وحتى لو اتصلت وأنا في مكان ما ليس فيه ما يدعو إلى الحرج أو الإزعاج لا توجد كلمة الكذب في قاموسنا لأنها تتفهم أمور عملي", وأضاف, "اعتقد إن الزوجة العاقلة هي التي تثق بزوجها، فعندما تسأل الزوج عن سبب تأخره من باب الاطمئنان ليس إلا ولا داعي للغضب", وبادرتنا إلى القول زوجته شيماء علي لتؤكد كلامه قائلة "بالطبع أنا اعرف طبيعة عمل زوجي معظم الوقت في شركته فعند السؤال والاطمئنان عليه كي لا ينشغل تفكيري، وسؤالي لا يعدو عن كونه مجرد استفسار من باب العلم والاطمئنان  واكتفي حتى وان أرسل لي مسج ومن المؤكد هو أيضا يتقبل سؤالي ويفرح ولا ينزعج".

ويرى أستاذ علم النفس في  جامعة بغداد الدكتور نذير الشمري إن "الكذب كسلوك اجتماعي يلجأ بعض الرجال إليه كنوع من كمال الذات أو قد تكون حالة مرضية أو هو لتقريب وجهات النظر بين الطرفين", ويستدرك قائلا "عند ولادة الكذبة الأولى سيتمادى بالكذب المتعدد ويفسر اخفاء نواقص شخصيته  في كذبه ومجتمعنا يشجع على الكذب والمرأة بالذات هي من تشجع الزوج على أن يكثر من الكذب وهناك مقولة يرددها الكثير ليس كل ما يعرف يقال وهذا ما أدى إلى  كذب الرجال على زوجاتهم".

ويلقي الدكتور في علم النفس مسؤولية الكذب على المرأة فيقول إن "الزوجة هي المسؤولة الأولى، وهي من يدفع الزوج إلى الكذب لأنها تحاصره بكثير من الأسئلة  واللوم والزعل والبكاء وتدخل معه بتحقيق لا ينتهي وتختلق  له المشاكل بينما ينبغي على كل زوجة أن تمنحه الحب والثقة والتفاهم كي لا يلجأ إلى الكذب ارضاء لها", ويضيف, "احيانا يضطر كلا الزوجين الى الكذب في حالات معينة، لأسباب يعدانها نافعة منها تجنب تصدع الأسرة والحفاظ على تماسكها أو مراعاة لمشاعر الآخر أو لان الصدق وقول الحقيقة يجر الى مشاكل لا تحمد عقباها في بعض الأحيان".

ولفت سعد محسن 48 سنة إلى أن الصدق في الحديث والتصرف أهم الأسس التي تقوم عليها الأسرة الناجحة, وأضاف, " تقوم على هذه الصفة كثير من الأمور النافعة منها الحوار والتفاهم والمصارحة ومجابهة المشاكل التي يواجها الطرفان بشجاعة وجرأة وعدم الخوف والتردد خشية تفسير احد الطرفين بعض تصرفات الآخر خطأ", وتابع, "أما الكذب بكونه صفة ملازمة للزوج أو الزوجة فيترتب عليه كثير من الأمور التي تهدد الأسرة بالتفكك والانهيار كما انه يؤثر على تربية الأبناء بصورة بشعة خاصة حينما يكتسب فرد أو أفراد من الأبناء هذه الصفة المذمومة فتتسبب بفشله في حياته المستقبلية وفقدان الآخرين الثقة به . فالمقولة (النجاح في الصدق) صحيحة تماما خاصة في العلاقة الزوجية".

وتعتبر نجاة سليمان 34 سنة أن التربية الصحيحة علمتها عدم الكذب, وأضافت, "زوجي يتضايق احيانا من صراحتي إذ يجد نفسه في بعض الحالات محرجا بسببها أمام أهله أو أقربائه ويتمنى أن أغض الطرف عن أمور معينة وأحابي أو اكذب كذبة بيضاء ما دمت لا الحق الأذى بأحد، خاصة  في الأمور التافهة ولكنني هيهات أن افعل. ولكنه في الأغلب يثني علي ويعد قولي الحق صفة محببة لديه ويؤمن بي كل الإيمان فلو أخبرته على سبيل المثال إنني رأيت فلانا الذي مات من زمن بعيد بأم عيني فانه يصدقني. وبهذه الصفة كسبت ثقة كل من حولي من أهل وأقرباء وجيران حتى أن البعض يشهدني على أمور ويرضى بشهادتي فكلمتي موثوق بها حتى لو أردت أن اكذب وهذا ما لا افعله بينما هناك أناس ديدنهم الكذب والمراوغة هؤلاء لو حلفوا أغلظ الأيمان فلا احد يصدقهم وهذا شيء معيب ومذموم حين لا يصدقك احد ولا يثق بك احد خاصة الزوج".