غزة - العرب اليوم
-لم تكن الحرب الإسرائيلية وما خلفته من دمار معنوي ونفسي واسع، الا واحدة من الأسباب والمنغصات الإضافية التي اجتمعت لتحيط بالشبابفي غزة.. التي يعيشون فيها ظروفا مؤلمة وقاسية أشبة بالعدم دفعتهم للعزوف مكرهين عن الزواج!
فتدمير عشرات الالاف من الوحدات السكنية والظروف المعيشية التي التصقت بها البطالة والفقر والحصار، دفعت مئات الشباب لـ "العزوف عن الزواج" في ظل أوضاع اقتصادية مترنحة تجعلهم غير قادرين على دفع تكاليف الزواج وبدل ايجار للسكن أو بناء وحدة سكنية فوق منزل العائلة كما جرت العادة.
مصعب ابو جراد دفعته ظروف الحرب الاخيرة على غزة وتدمير منزله في منطقة العطاطرة شمال بيت لاهيا الى تأجيل زواجه لأجل غير محدد،،، فعجلة الاعمار التي لم تدر حتى اللحظة تجعل اقباله على الزواج اشبه بالحلم.
قبل الحرب بفترة قليلة تقدم ابو جراد لخطبة احداهن على ان يتزوجا في الفترة التي شهدت الحرب الاخيرة على قطاع غزة، حينها ظن انه إن سلم من الحرب فسيواصل حياته ويتزوج، فكان ان دمرت الجرافات الاسرائيلية منزله في الاجتياح البري لتلك المنطقة.
وبين ابو جراد ان الدبابات الاسرائيلي دمرت بيته المكون من غرفتين ومطبخ وحمام كان قد جهزها بتجهيزات بسيطة حتى لا يضطر للسكن في بيت العائلة، مبينا انه حتى اللحظة لم يسمع شيئا عن الاعمار.
ويقول: "حتى الان ما زالت امور الاعمار في محلها ولم تتحرك سنتيمترا الى الامام ولم نر اعمارا ولا توفير بديل عن الاعمار".
وحول تأجيل حفل الزفاف، اكد انه ما زال غير قادر على تحديد موعد محدد في ظل عدم توفر فرص عمل، إذ فقد ابو جراد ايضا عملا في الارض مع والده بعد ان جرفت الدبابات مزروعاتهم واتت عليها.
عدم توفر دخل ثابت والأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها قطاع غزة وعدم توفر المسكن هذه بعض من عدة معيقات تقف عائقا امام اقبال الشباب على الزواج.
محمد "29 عاما" نموذج لعشرات الشباب الذي بات يفكر الف مرة قبل الاقبال على الزواج ولن يتوانى للحظة في الهجرة اذا ما سنحت له الفرصة ذلك، في ظل ازدياد معدلات البطالة في صفوف الخرجين.
وبين محمد ان اقبال أي شاب على الزواج يحتاج الى دخل ثابت وأوضاع سياسية مستقرة وتوفر المسكن ويقول: "يبقى الشاب فينا يبحث عن عمل لأكثر من ست سنوات وإذا توظف فقد يحصل على وظيفة على بند التشغيل المؤقت، وبالتالي فانه لم يحصل الحد الادنى من متطلبات الزواج التي تبدأ بالمهور وما يصاحبها من تكاليف بالإضافة الى توفير المسكن".
يعيش محمد مع اسرته في منزل تضرر جزئيا خلال الحرب الاخيرة على قطاع غزة في مساحة لا تزيد عن 60% من المنزل متابعا: "حتى نفترض اني سأتزوج في غرفة في منزل اهلي لمدة عام وبعدها ماذا افعل وأين أذهب؟".
وفي ظل عدم انتظام دخله لا يستطيع محمد دفع ايجار للمنزل خاصة مع غلاء الايجارت بعد الحرب الاخيرة على القطاع، ويبقى امله معلقا على امل رفع الحصار عن قطاع غزة وإدخال المواد اللازمة للاعمار ويجعل منه شابا يعزف عن الارتباط.
حسن الجوجو رئيس المجلس الاعلى للقضاء الشرعي اكد ان هناك عزوفا واسعا عن الزواج لدى الشباب الفلسطيني في قطاع غزة بسبب الاوضاع الاقتصادية التي يعاني منها القطاع وتأخر عجلة الاعمار.
وقال الجوجو العزوف غير متعلق بتكاليف الزواج او الكماليات او غلاء المهور وإنما الامر مرتبط بان معظم المساكن هدمت وعجلة الاعمار لم تدر.
وفي دراسة اعدها المجلس الاعلى للقضاء بين الجوجو ان معظم حالات الطلاق سببها الرئيس عدم وجود مسكن خاص بالزوجة في ظل العائلة الممتدة فكيف الان وعشرات الالاف من الوحدات السكينة مهدمة.
واشار الجوجو ان العام 2014 يعتبر اعلى الاعوام من حيث حالات الطلاق مقارنة بالأعوام الخمس الماضية، مبينا ان اعداد الزواج في العام 2014 تراجعت الى 1300 حالة بالمقارنة مع 2013.
وشدد الجوجو انه على الرغم من ارتفاع نسب الطلاق بنسبة 1% الا ان ذلك مؤشر خطير عن عزوف الفئات الشابة عن الزواج، مشددا ان الانقسام والظروف الحياتية الصعبة والحصار الخانق والعدوان الاسرائيلي وقلة الاعمار وعدم وجود رواتب كانت اهم الاسباب التي ادت الى ارتفاع نسبة الطلاق بشكل ملحوظ خلال هذا العام.
وأضاف "الانقسام والحصار الذى بفرضه الاحتلال يترتب عليه مشكلات حياتية يومية من شأنها تدمير اواصر وروابط الاسرة الفلسطينية بقطاع غزة".
الدكتور فضل ابو هين استشاري في الطب النفسي اكد انه كلما زادت المشكلات التي تتسبب في عزوف الشباب عن الزواج دفع المجتمع باكلمه ضريبة هذه المكشلات محذرا من ارتفاع اعداد العنوسة في صفوف الشابات والشباب وانتشار الامراض على مستوى الانسان والمجتمع وانتشار الفواحش وزيادة نسب البطالة والفقر والسرقات وعمليات الاجرام.
وشدد الدكتور ان النتيجة النهائية سيقع فيها المجتمع بأكمله مشددا ان حل هذه المشكلة تكون جماعية من خلال توفير فرص عمل لعشرات الالاف من الخرجين العاطلين عن العمل واستثمار طاقات المجتمع مؤكدا انه اذا لم يصل الجميع الى هذه النتيجة فسنقع في افات مجتمعية نحن في غنى عنها.
وقال الدكتور ابو هين:"لا يعقل ان تبقى الفتاة لما بعد العشرين او الثلاثين بلا زواج كذلك بالنسبة للفتى".
وانتشرت في الاونة الاخيرة ظاهرة الاعراس الجماعية التي قد تبدو نقطة في طريق حل مشكلة الزواج لدى الشباب والتخفيف من التكاليف الباهظة حيث تتضافر جهود العديد من المؤسسات والجمعيات في تمويل هذه الاعراس.
علي خليفة مسئول الاعلام في جمعية الفلاح الخيرية اوضح لـمراسلة "معا" ان الاعراس الجماعية تقلل على الشباب تكاليف الزواج الباهظة مبينا ان الجمعية من خلال هذه الاعراس تحاول التخفيف من ظروف الحياة الصعبة التي يعتبر الشباب جزء منها وتساعد في اكمال الاسرة وفتح بيوت جديدة.
وبين خليفة ان المؤسسة تقوم بدفع مبلغ 3000 دولار لكل عريس بالاضافة الى توفير طقم النوم وتكاليف العرس كاملة مبينا ان الجمعية تستعد لتزويج 1000 شاب وشابة خلال الفترة المقبلة بينما زوجت خمسين في فترة سابقة.
وبين ان الجمعية تعكف على الافراح الجماعية بسبب الاعداد الكبيرة من المقبلين على الزواج.
مؤسسة اعفاف لتييسير الزواج واحدة من عشرات المؤسسات التي تقوم بمساعدة الشاب على الزواج من خلال التقسيط لمستلزمات الفرح حيث أوضح خليل البردويل مسئول الاعلام والعلاقات العامة في المؤسسة ان الوضع الاقتصادي المتردي للشباب والبطالة المنتشرة في صفوفهم وغلاء المهور تجعلهم يتوجهون لمؤسسات تساعدهم على تقسيط تكاليف الزواج والحصول على اسعار مخفضة.
تشير الاحصاءات التي اصدرها مركز الإحصاء الفلسطيني ان 3 أفراد من كل 10 في المجتمع الفلسطيني هم من الشباب حيث بلغت نسبة الشباب (15-29) سنة في فلسطين 30.0% من إجمالي السكان، يتوزعون بواقع 38.1% في الفئة العمرية (15-19) سنة و61.9% في الفئة العمرية (20-29) سنة، وبلغت نسبة الجنس بين الشباب 104.2 ذكور لكل 100 أنثى، علما بان تقديرات عدد السكان في فلسطين منتصف العام 2014 تشير إلى أن إجمالي عدد السكان بلغ نحو 4.55 مليون منهم 2 مليون من قطاع غزة.
ويظهر التوزيع العمري للسكان أن المجتمع الفلسطيني هو مجتع فتي حيث أن الهرم السكاني هرم ذو قاعدة عريضة ورأس مدبب، مما يعني أنه ولسنوات قادمة سيبقى المجتمع فتياً.
وتشير الاحصاءات الصادرة في العام 2014 أن أكثر من نصف الخريجين الشباب عاطلون عن العمل و22.6% من الشباب أكملوا الانتقال من التعليم الى سوق العمل، 2013 ما يعني ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب كلما زاد مستوى التعليم حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب الخريجين ضعف ونصف معدل البطالة بين الشباب غير المتعلمين. وهو ما يدلل على أن مستوى الوظائف المطلوبة في سوق العمل الفلسطيني لا تحتاج إلى مستوى تعليمي عالي.