حرمته زوجته، التي طلقها منذ أربعة أشهر من رؤية أبناءه، وانتقلت للسكن في مدينة أخرى غير التي كان يسكنان بها في محاولة لتعذيبه وابتزازه، ومنذ ذلك الحين لم يعد يحس فريد بمعنى لوجوده ولا ضرورة لبقائه على قيد الحياة.. وهذا ما دفعه لمحاولة الانتحار مرات عدة دون جدوى. حالة فريد الذي يبلغ من العمر اثنين وأربعين سنة، تعتبر واحدة من مئات حالات الطلاق، التي يعرفها المغاربة المقيمين في ألمانيا، والذين تزوجوا من أجنبيات فكان مصيرهم الحرمان من فلذات أكبادهم للأبد. حلم الهجرة  هاجر فريد إلى ألمانيا بحثًا عن حياة أكثر رفاهية واستقرارًا من التي يعيشها في المغرب، حيث كان يشغل منصب معلم بالسلك الابتدائي منذ العام 2000، وكان دائم التذمر من وضعيته الاقتصادية المتواضعة، ويرنو لتطوير مستواه المعيشي بتغيير نمط حياته والسفر بعيدًا لأرض المهجر، حيث العيش الرغيد كما كان يتصور. الزواج من أجنبية اشترى فريد عقد عمل في ألمانيا، وسافر أملًا في غد أفضل، واشتغل في البداية في محل تجاري كبير وسط العاصمة، قبل أن يفكر بالزواج من أجنبية لتسهل عليه تسوية وثائق الإقامة والحصول على الجنسية الألمانية. يقول فريد "فكرت بالاستقرار عن طريق الزواج من أجنبية، وهذا ما حدث بالضبط، إذ تعرفت على شابة ألمانية، وتوطدت العلاقة بيننا، خاصة أنها كانت تعينني على تعلم اللغة الألمانية، وكيفية التحدث بها مع أبناء البلد، وتزوجنا بعد مرور ثلاثة أشهر فقط، وأمضينا أجمل أوقات حياتنا سويًا".  صدمة كبرى  شهر عسل فريد انتهى قبل الأوان، خاصة أنه لم يكن يعرف شيئًا عن طليقته لما تزوجها، يقول بألم وحسرة "لم أكن أعلم أن زوجتي تعاني من عقد نفسية كبيرة، فقد بهرتني بجمالها ولطفها للوهلة الأولى فقررت الزواج بها بسرعة، غير أنني اكتشفت في ما بعد أنها لا تعرف شيئًا اسمه الحنان، كونها ترعرعت في وسط يفتقد لرأفة وحنان الأب.. لقد كان أبوها دكتاتورًا في البيت، فكرهت بسببه جميع الرجال، وكان همها الوحيد أن تنجب الأطفال فقط، ثم ترحل لتعيش حياتها رفقة فلذات كبدها بعيدًا عن زوجها". طلاق وتشرد كثرة المشاكل التي قلبت حياة فريد رأسًا على عقب، جعلته يطلق زوجته الألمانية، التي أنجبت في السنة الأولى من الزواج طفلة جميلة، غير أنها بمجرد حصولها على وثيقة الطلاق اختفت للأبد كما يقول فريد "بحثت في كل مكان وفي كل مقاطعة عن طليقتي وابنتي، لكنني لم أجد لهما أثرًا، والآن أعيش يائسًا بعد أن فقدت أسرتي وعملي أيضًا، ولم أعد أجد ضرورة لوجودي على قيد الحياة". الهروب من الزوجة الألمانية الزواج من ألمانية يعني المشاكل بعد إنجاب الأطفال، هذا ما كان يظنه مراد بعد أن وطأت قدماه أرض المهجر، فمن خلال حكايات الشباب المغاربة، الذين ذاقوا مرارة الزواج المختلط، وحصدوا التشتت والضياع، قرر مراد البالغ من العمر ثلاثين سنة، ألا يتزوج من ألمانية وأن يبحث عن شابة مغربية أو عربية على الأقل، تكون طباعها قريبة من طباعه، يقول مراد "هناك عقلية سائدة في أوساط الشباب المغاربة المقيمين في الخارج، إذ يحبذون فكرة الزواج من مغربيات أو عربيات، معتقدين أنهن محافظات أكثر على العادات والتقاليد، وأنهن أكثر طاعة للزوج وأكثر تفهمًا... غير أن كثيرًا من هؤلاء لم يحصدوا سوى الندم، بعد أن طلقوا زوجاتهن، اللواتي كن مطيعات لأنهن لا يعرفن الكثير عن هذه البلاد، لكن بعد أن ذقن طعم الحرية صرن كذلك مثل الأجنبيات اللواتي ترعرعن هنا، وهذا ما أصابني بالذهول عندما تزوجت من شابة سورية". لم تختلف الزوجة السورية عن الألمانية، حسب مراد، إذ أذاقته مرارة العيش خلال السنوات الثلاث الأولى، التي عاشتها معه تحت سقف واحد، يقول مراد "كنت أنا الذي يطبخ ويطعم الأبناء.. وكانت تفعل ما  تشاء دون استشارتي أو أخذ رأيي على الأقل، وإذا حاولت أن أتحدث معها في الموضوع، أكون موقنًا أن اليوم لن يمر بخير، إذ كانت تذهب للشرطة وتشكوني مرة بعد الأخرى، كما كانت تحضر لي ملفًا مليئًا بالافتراءات لإجباري على تطليقها، حتى تبقى هي في البيت، وأتشرد أنا في الشوارع".    لم يستحمل مراد هذا الوضع المقلق، وفي أحد الأيام تشاجر مع زوجته وضربها، فكان مصيره السجن، وحرمانه من ابنه، الذي مازال يبحث عن أثره حتى الآن، غير أن ما زاد الطين بلة هو رحيل طليقته، التي هاجرت رفقة طفلها لدولة أوروبية أخرى كما أخبره معارفه في ألمانيا. معاناة نسائية أيضًا  عواقب الزواج المختلط، لم تقتصر على الشباب المغاربة فقط، بل حتى الشابات المغربيات، اللواتي هاجرن مع أزواجهن لألمانيا، أملًا في مستقبل أفضل وحياة كريمة، تقول سعاد، التي لم تتجاوز الثامنة والعشرين من عمرها "كنت في الثامنة عشر من عمري عندما تزوجت من رجل ألماني اعتنق الإسلام لتوه.. وكنت حينها طالبة بالسنة الأولى في الجامعة في المغرب، جاء حاتم ليطلب يدي فوافقت مباشرة عندما سمعت منه وعودًا جميلة واقتنعت بتدينه الكبير، لكن بعدما صرنا زوجين، وجدت نفسي صحبة زوج جاف لا يعرف معنى الرومانسية ولا يقدر الحياة الزوجية، وكأن مفهوم الزواج يقتصر عنده على الأكل والشرب والجماع فقط". عدم اهتمام قاتل كان زوج سعاد يستيقظ صباحًا ليتوجه إلى عمله ولا يرجع للمنزل إلا ليأكل، ثم يخرج مرة ثانية إلى المقهى ليلعب الشطرنج أو الورق مع أصدقائه، وعندما يرجع إلى البيت يخلد للنوم مباشرة بسبب التعب. وتضيف سعاد "كنت أتساءل دائمًا عن مكانتي أو دوري في حياة هذا الرجل.. غير أنني صبرت على هذا الحال ست سنوات، لأنني كنت أفكر في ابني أكثر من نفسي، ولا أريد أن أهدم بيت الزوجية وكنت أكتفي بالصمت والصبر". محاولة يائسة لحل المشكلة  قررت سعاد حل المشكل الروتيني، الذي تعيشه لسنوات فحاولت التحدث مع زوجها في الأمر عدة مرات، لكن دون جدوى. تضيف سعاد "في كل مرة أفتح موضوع عدم اهتمامه بي وعدم مبالاته بأوضاع المنزل ومتطلباته، يجيبني دائمًا بقوله "ماذا تريدين أكثر من هذا..؟ أوفر لك جميع متطلباتك ومتطلبات ابنك" وكنت أجيبه أنني لم أتزوجه من أجل الأكل والشرب فقط، وأنني كنت أسعد حالًا مع أهلي في وطني الأم مما أنا عليه الآن، غير أنه كان يثور في وجهي ويتشاجر معي... ومع مرور الوقت ارتأينا في الأخير أن الطلاق هو الحل الأنسب لنا نحن الاثنين، غير أن فاجعتي الكبرى كانت عندما خطف مني ابني الوحيد وهاجر لأمريكا، تاركًا إياي وحيدة في بلاد الغربة، فقررت أن أعود لوطني وأعيش رفقة أسرتي الصغيرة، وأتجرع يوميًا مرارة فقدان فلذة كبدي". اختلاف التنشئة الأسرية تلعب دورًا في التعجيل بالطلاق أكد المكلف بمهام العدول في القنصلية العامة للمملكة المغربية في برلين عبد السميع المتوكل، أن وتيرة الطلاق في الآونة الأخيرة، عرفت تصاعدًا كبيرًا بين أوساط الجالية المغربية، وأنه من المؤسف أن بعض الزيجات لم تعد تدم سوى بضعة أشهر. ويضيف المتوكل :ما يثير التعجب، هو أن الشابات في ألمانيا يتزوجن عن طيب خاطر ودون أدنى إكراه، هذا إلى جانب أنهن يعشن في بلاد الحرية واحترام الاختيار، على عكس بعض الحالات في المغرب والعالم العربي، حيث تكثر حالات تزويج الفتيات قصرًا من طرف أسرهن، ومع ذلك فإن الطلاق ظاهر بقوة في ألمانيا، خاصة بين صغار السن من الشباب الذين لم يترسخ بعد مفهوم الزواج الحقيقي في أذهانهم. ويرجع المتوكل أسباب الطلاق وتشتت الأسر، وحرمان أحد الأبوين من أطفاله، إلى عدم الإطلاع الكافي على ثقافة الآخر، خاصة بين الزوجين حديثي العهد بالحياة الزوجية، كما أن اختلاف التربية والتنشئة الأسرية تلعب دورًا حاسمًا في عدم التفاهم والتضامن بين الزوجين وتعجيل بالطلاق لأتفه الأسباب. ويضيف الأستاذ المكلف بمهام العدول في القنصلية العامة للمملكة المغربية في برلين قائلًا "نمط العيش، الذي يعرفه مغاربة الخارج مختلف تمامًا عن نمط عيش غيرهم من المغاربة، كما أن التربية ونظرة الفتيات للزواج هنا في ألمانيا مختلفة جدًا عن نظرتهن للزواج في المغرب، وهنا يكمن سر المشكل".