تدعى جين سوكراتيس عجوز بريطانية في السبعين من العمر قضت اغلب حياتها مدرسة لمادة الرياضيات وقبل اقل من عام لم يكن كثير من الناس يسمع عنها شيئا حتى في المنطقة التي تتحدر منها في (ايلينغ) غرب لندن. لكن بعد تاريخ الثامن من يوليو من العام الماضي أصبح اسم الجدة جين سوكراتيس مرتبطا برقم قياسي عالمي لأول عجوز تبحر بمفردها حول العالم بزورق شراعي دون توقف حيث ظلت في البحر 259 يوما دون ان تطأ قدماها اليابسة بعد ان قطعت اكثر من 40 الف كيلومتر. ومع ان ما حققته من انجاز بعد محاولتين فاشلتين في الماضي يمثل قمة التحدي والمغامرة فان جين لا تبدو بتواضعها مهتمة كثيرا بما يكتب عنها في الصحف البريطانية والمجلات العالمية المتخصصة ويظل همها الوحيد منصبا على تسريع جهود اصلاح قاربها الشهير (نيريدا) الذي تعطل مؤخرا في المكسيك. ولان اسمها اصبح مرتبطا بالبحر والملاحة البحرية لم يكن صعبا العثور عليها وسط الجمهور العام الذي توافد على مركز (ايكسل لندن) بمناسبة افتتاح معرض القوارب واليخوت في طبعته ال60 التي تنظم بين الرابع وال12 من يناير الجاري. وبالرغم من انشغالها مع منظمي المعرض كونها رشحت مع اثنين اخرين لنيل اكبر جوائز الفدرالية البحرية البريطانية فانها لم تمانع من الاجابة عن أسئلة وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بل اعتبرت الامر جديدا عليها لانها لم تسبق ان اجرت مقابلة مع أية وسيلة اعلامية من منطقة الشرق الأوسط على حد تأكيدها. تروي جين انها لم تتعلم فنون الابحار وقيادة الزوارق الشراعية الا بعدما بلغت الخمسين من العمر حيث بدأت مع زوجها قطع مسافات بحرية قصيرة بغرض النزهة والتدرب واستمر ذلك الامر حتى وفاة زوجها بمرض السرطان عام 2003. ولأنها تقاعدت من عملها لم تستطع جين المكوث في البيت دون اي نشاط او تحد فقررت بيع منزلها وشراء قارب شراعي للعيش فيه متنقلة بين البحار والمرافئ في شتى البلدان. وتشير الى انها شاركت مرة في سباق فردي بين سان فرانسيسكو وجزر هاواي فاكتشفت انها قادرة على الابحار بمفردها لمسافات بعيدة لكن حلم الابحار حول العالم لم يكن أمرا مخططا له ليأتي بالسرعة التي جاء بها عام 2009 مع اول محاولة كاد ان يكتب لها النجاح لولا العطل الذي اجبرها على التوقف في جنوب افريقيا لكنها واصلت مع ذلك رحلتها شرقا صوب نيوزيلندا وهاواي. وفي أكتوبر 2010 أعادت الكرة انطلاقا من فيكتوريا في كندا غير ان المحاولة تعثرت مرة اخرى في يناير 2011 حينما قلبت الرياح قاربها ليلا ونجت من الموت باعجوبة بيد انها واصلت رحلتها الشاقة مرورا بجزر فولكلاند ورأس الرجاء الصالح بجنوب افريقيا ثم جزيرة تاسمينيا جنوبي شرق استراليا فنيوزيلندا ثم تاهيتي وهاواي. وفي 22 أكتوبر 2012 انطلقت في محاولتها الثالثة من مرفأ فيكتوريا الكندي وقطعت اكثر من 40 الف كيلومتر حول العالم خلال 259 يوما لتعود الى نقطة البداية يوم الثامن من يوليو 2013 الذي سجل دخولها عالم الأرقام القياسية كأول عجوز تقوم بهذ الرحلة الخطيرة بمفردها ودون توقف او استعمال لمحرك الديزل الذي لا يسمح باستخدامه أبدا والا اعتبرت المحاولة فاشلة. وتؤكد جين بصوتها الخافت انها لم تنو أبدا دخول سجل الأرقام القياسية من باب الشهرة بل كان الأمر مجرد تحد وهدف شخصي سطرته لنفسها مع ما تحمله المغامرة من اخطار وأهوال في أعالي البحار والمحيطات. وبالرغم مما عاشته في رحلتها من صعوبات ولحظات مرعبة فانها ظلت تتذكر بشيء من الحنين تلك الطيور من مختلف الاصناف والاحجام والتي كانت ترافقها في كل ميل بحري قطعته متنقلة بين البلدان والقارات. واستذكرت ايضا تواصلها مع متابعيها حول العالم عبر مدونتها على الانترنت والتي جمعت عن طريقها تبرعات لفائدة جمعية بريطانية خيرية لمرضى السرطان. ولا تخفي جين رغبتها في اعادة التجربة مرة اخرى اذا توفرت لها الامكانات الضرورية التي عادة ما يحصل عليها عن طريق عقود الرعاية وتبرعات الاشخاص. وبينت ان رغبتها وعزيمتها قويتان في رفع التحدي من جديد ولكن القضية كما قالت تتعلق بالقارب ومدى جاهزيته لتحمل مشاق المهمة مشيرة الى ان قاربها تعرض اثناء رحلتها الاخيرة لكثير من الاعطال التي اضطرت لاصلاحها لوحدها وغالبا في ظلمة الليل. وأصرت جين على ان تنقل رسالة منها بأنها لم تصرح أبدا لاحدى اليوميات البريطانية الشهيرة بأن رقمها العالمي يمثل انتصارا للشيخوخة مؤكدة ان "كل شخص في هذا العالم يعيش عمره وحياته بالطريقة التي يراها مناسبة له". وختمت حديثها بالقول انها تشعر بخفة الشباب كلما أبحرت ووضعت لنفسها تحديا جديدا ولم يكن بامكانها ابدا المكوث بالبيت لتقرأ وتسمع عن مغامرات أناس آخرين.