الجزائر ـ العرب اليوم
باتت ظاهرة الثقل المفرط للحقائب المدرسية، التي قد يصل وزنها 15 كيلوجراما أمرًا مؤرقًا لملايين التلاميذ وذويهم في الجزائر، ورغم وعود وزير التربية بتخفيف المقرر وعدد الكراريس والكتب، فإن ذلك لم يدخل حيّز التطبيق بعد. عدد من المدارس بالجزائر العاصمة للوقوف على معاناة التلاميذ من ثقل الحقائب المدرسية وخطر ذلك على صحتهم، وقال لنا لخضر موساوي، وهو أب لطفلين: ''كثيرا ما تضطر زوجتي لمرافقة ابني وحمل حقيبته لأن وزنها يفوق طاقته"، وأضاف: "ثم تعود في المساء مجددا إلى المدرسة وتنتظر خروجه لتحمل الحقيبة المدرسية عنه". وتشاطره الرأي نصيرة مزهود، وهي أم لأربعة أولاد، ثلاثة منهم في المدرسة: ''لا أخفي عليكم أن ابني الأصغر يشكو ألمًا في ظهره دائمًا وإرهاقا مستمرا حتى إنه أحيانا يفضل عدم الذهاب إلى المدرسة''. كما يعترف بعض الأساتذة والمعلمين الذين التقينا بهم بهذه المشكلة، حيث قالت لنا المعلمة آسيا: ''سعينا لأن نخفف من ثقل المحافظ على التلاميذ، لأننا نعرف أن ذلك سيؤثر فى الصحة وعلى التركيز طبعا، وقمنا بوضع قائمة لأدوات الصباح وأخرى خاصة بأدوات المساء حتى نسمح للتلاميذ باستبدالها قبل الحضور إلى المدرسة، إلا أن ذلك لا يكفي". ولا تزال مشكلة المحفظة المدرسية تثير مخاوف أولياء أكثر من 8 ملايين تلميذ، خاصة تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة، فرغم الإجراءات التي لجأت إليها وزارة التربية بتحديد قائمة للأدوات المدرسية وحديثها عن عقوبات للمخالفين، فإن المتتبعين للشأن التربوي يعتبرون أن ذلك ليس حلا للقضاء على مشكلة ثقل حقيبة المدرسة، باعتبار أن آلاف التلاميذ يدرسون بمؤسسات بعيدة عن منازلهم وملزمون بأخذ مستلزمات الصباح والمساء من كراريس وكتب. ويرى مختصون أن تقليص حجم الكراريس والأدوات المدرسية من قبل وزارة التربية الوطنية ليس حلًا للقضاء على مشكل المحفظة الثقيلة، التي تتسبب في عواقب وخيمة على صحة الأطفال، باعتبار أن الوزارة حافظت على قائمة الكتب المدرسية والتلميذ مازال مجبرا على حملها، ويضطر تلاميذ المناطق النائية إلى قطع أزيد من 5 كيلومترات أحيانا للوصول إلى مدارسهم، مما يجعلهم مجبرين على حمل مستلزمات الصباح والمساء. يوافق الخبراء في المجال الطبي على أن الحقائب الثقيلة مسألة خطيرة. وقال البروفيسور خياطي في حديث مع DWعربية إن المحافظ الثقيلة تؤدي إلى الإصابة بداء السكوليوز، وأضاف: "خطورة هذه المحافظ تكمن في أن أعراضها لا تقتصر على آلام الظهر فقط، بل تتسبب في الإرهاق والتعب بسبب ضيق القفص الصدري من الجهة المقابلة للاعوجاج الذي يضغط على الرئة، إضافة إلى تشوّه شكل الجسد وظهور الحدبة". وقال إن بعض المشاكل الصحية بدأت تنتشر في أوساط تلاميذ المدارس الابتدائية، حيث سجلنا خلال السنة الجارية إصابة 203 تلاميذ بهذا الداء مع وجود التواء في العمود الفقري يمينا أو يسارا". وأضاف البروفيسور خياطي: "الوزن الذي يحمله التلميذ قد يصل إلى 15 كيلوجراما، فيما لا يتعدى وزن الطفل في التاسعة من العمر 30 كيلوجراما، أي أن التلاميذ مجبرون يوميا على حمل نصف وزنهم على أكتافهم، فيضطرون إلى الانحناء إلى الأمام لحفظ توازنهم، ليجدوا أنفسهم مع مرور الوقت مصابين بداء السكوليوز"، وحسب رأيه لا يجب أن يتجاوز وزن المحفظة 10% من وزن التلميذ. من جهتها أكدت الإخصائية في علم النفس المدرسي زريقة أحمد لـ DW عربية أن ''المحفظة الثقيلة لها تأثير سلبي فى نفسية التلاميذ وتحصيلهم التعليمي والمعرفي"، مضيفة في توضيح منها "أن عدة دول تعمد إلى توفير أدراج خاصة بالتلاميذ في مختلف الأطوار لتجاوز إشكالية ثقل المحفظة، إلا أن المشكل في الجزائر يكمن في كثافة البرامج التربوية وتخفيفها سيسهم بدرجة كبيرة في القضاء على هذه المشكلة". معاناة التلاميذ حولت بيع المحافظ المجرورة إلى تجارة رائجة، حيث تعرف محال بيع اللوازم المدرسية إقبالا غير مسبوق على المحافظ ذات العجلات، والتي ارتفعت أسعارها بشكل ملفت لتتراوح بين 1500 و2500 دينار جزائري، ويفضل الأهل هذا النوع من المحافظ لتخفيف الحمل على أطفالهم. وأمام هذه المخاطر؛ يبقى التلميذ ينتظر حلولا لوضع حد لمعاناته رغم كل الوعود التي ”تزفها” الوزارة ودعوة النقابات للتقليل من حجم الكتب والكراريس والاهتمام أكثر بالمجال الاستيعابي للمواد المقررة.