القاهرة ـ العرب اليوم
يعد جون ديوي واحداً من أبرز وأشهر فلاسفة التربية، في كل دول العالم وليس في أمريكا فحسب، فهو أحد رواد الفلسفة البراجماتية وإليه ينسب الفضل في بقاء واستمرارية هذه الفلسفة إلى عصرنا الحاضر إذ يعتبر من أكثر البرجماتيين إنتاجاً ونشاطاً في سبيل تدعيم هذه الفلسفة. وهو أيضا من أشهر أعلام التربية الحديثة على المستوى العالمي، ارتبط اسمه بفلسفة التربية لأنه اهتم بتحديد الغرض من التعليم وأفاض بالحديث عن ربط النظريات بالواقع من غير الخضوع للنظام والواقع والتقاليد الموروثة مهما كانت عريقة.
وشهد المربون بأثره العظيم على فلسفة التربية ونظمها في العالم، ويرونه أساس كل إصلاح حققته التربية في القرن الحالي، كما أن آراء ديوي في التربية كانت جامعة للإرشادات الغنية بالمعاني منذ العصور الأولى.
ونظراً للعمق التاريخي لآراء جون ديوي في الفكر التربوي العالمي، والانتشار السريع لأفكاره في مختلف دول العالم وتأثر العديد من النظم التعليمية بآرائه وأفكاره التربوية، أحببت تقديم فكرة موجزة عن هذا المفكر التربوي الكبير وآرائه التربوية المتعددة.
من هو جون ديوي ؟
ولد جون ديوي في مدينة (برلنجتون) في العشرين من شهر أكتوبر عام 1859م من أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينته وتعليمه الجامعي بجامعة (فرمونت) حيث درس اللغة اللاتينية واليونانية والهندسة التحليلية والفلسفة الإغريقية، وبعد تخرجه عمل في سلك التدريس لفترة من الزمن في إحدى المقاطعات، ثم ما لبث أن عاد لمواصلة دراساته العليا في الفلسفة والتربية فحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة (جون هوبكنز )عام 1884م، وبعد حصوله على الدكتوراه عمل في التدريس بجامعة (مينسوتا )وجامعة ( ميتشجن). (زيادة وآخرون 2006م,ص:240)
“ثم تولى رئاسة قسم الفلسفة بجامعة (شيكاغو) عام 1894م واستمر في رئاسة قسم الفلسفة في هذه الجامعة حتى انتقل إلى جامعة (كولومبيا) عام 1904م واستمر فيها حتى تقاعد عام 1930.(البدري، 2009م،ص233).
“كان ديوي منذ صغره محباً للقراءة والاطلاع. كان يقضي معظم وقت فراغه بالمكتبات، وعندما تزوج “أليس” أثرت فيه تأثيرا عظيما ودفعته إلى الاهتمام بمشاكل الحياة المعاصرة. ومما يروى عن فرط محبته لأبنائه وبناته أنه ألف كتابه الديمقراطية و التربية “وهو يحمل طفله على إحدى ركبتيه ويضع الورق الذي يكتب فيه على الأخرى”
“وقد اشتهر ديوي كفيلسوف ومفكر ومصلح تربوي كبير لا في أمريكا وحدها، ولكن في جميع أنحاء العالم. ونظراً لهذه الشهرة الكبيرة استعانت به دول كثيرة لتطوير تعليمها ولإلقاء المحاضرات في جامعاتها، كاليابان عام 1919م ليحاضر في الفلسفة في جامعة (طوكيو)، ودعته الصين ليحاضر في جامعة (بكين)، وتركيا ليساعدها في إعادة تنظيم تعليمها. واستمر في نشاطه حتى توفي عام 1952م عن عمر يناهز الثانية والتسعين”.( الرشدان,2002م,ص:408)
ولجون ديوي عدد من المصنفات بلغت 35 مؤلفًا من أهمها:
عقيدتي التربوية 1897م، وعلم النفس والمنهج الفلسفي 1899م، الديمقراطية والتربية 1916م، والمدرسة والمجتمع 1900م. ولقد أخذ ديوي على عاتقه منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى وفاته عام 1952م أن يكافح من أجل إرساء دعائم نظرية تربوية حديثة.(مصطفى 1999م ، ص: 129 – 130 ).
” ويمكن أن يضاف إلى أعماله التربوية مئات المقالات وعشرات الكتب التي كتبها في الفلسفة والتربية، ومن أشهر مؤلفاته التربوية (إضافة إلى ما ذكر):
الطفل والمنهج، الخبرة والتربية، وكيف نفكر، الطبيعة البشرية والسلوك.
وإذا كان جون ديوي قد اشتهر بأعماله وكتبه التربوية كمرب من أعظم مربي القرن العشرين فقد كانت له نفس الشهرة تقريباً في عالم الفلسفة. فقد ألف العديد من الكتب الفلسفية، وكتب المئات من المقالات فيها، وقضى معظم حياته في تدريسها، وكان يدعي أنه الناطق بلسان الفلسفة الأمريكية والحامل للوائها، وقد أتى بتحديات كثيرة تقدمية في مفهوم الفلسفة، ووظيفتها، وفهم مشاكلها المختلفة “.( الرشدان،2002م،ص:409)
العوامل المؤثرة في فكر جون ديوي
يعد ديوي “مثالاً لصحة النظرية القائلة بأن الانسان ثمرة البيئة التي يعيش فيها، فقد اجتمعت له من ميراثه الأبوي، والإقليم الذي نشأ فيه، والتربية التي تلقاها في حداثته، والأساتذة الذين طلب العلم عليهم، والأمة التي كان فرداً من أفرادها وما لتلك الأمة من تقاليد مأثورة عن الحرية والديموقراطية، والعصر الذي ولد فيه وترعرع في أحضانه، والنزعات الفلسفية والاتجاهات العلمية التي أخذت تقوى وتشتد وبخاصة الاتجاه إلى التصنيع وما تبعه من مناداة العمال بحقوقهم ونزول المرأة إلى ميدان العمل، والتغيير المحسوس السريع الذي نتج عن ذلك في المجتمع والأخلاق والتربية والدين والفن –كل هذه العوامل ساهمت في تكوين جون ديوي فكان بذلك ثمرة هذه البيئة الثقافية والحضارية “. (الأهواني 1968م,ص19)
“وقد تشكل فكر ديوي أساسًا عندما تأثر بفلسفة هيجل التي رآها في نهاية الأمر مجرد ” تجريبية موضوعية ” لا تكشف عن دور الفكر البشري. (مصطفى1999م،ص: 127).
ومن العوامل التي أثرت في ديوي أفكار الفلاسفة والعلماء والمربين الذين اتصل بهم شخصياً أو عن طريق كتاباتهم. ومن أبرز من اتصل بهم وتأثر بأفكارهم جورج موريس أحد أساتذته في الفلسفة ثم زميلاً له في التدريس في جامعة (ميتشجن) فعن طريقه تعرف ديوي على الفلسفة المثالية الهيجلية وقبل كثيرا من عناصرها بالتدريج، إلا أنه بعد دراسته لنظرية التطور كما شرحها تشارلز دارون (1809-1882م)، وتوماس هاكسلي (1825-1895م) وغيرهما تحول إليها مفضلاً لها على الفلسفة الهيجلية، لأنها تتفق مع ميوله العلمية التجريبية إلا أن ذلك لم يمسح أثر الفلسفة المثالية. ويتجلى بوضوح الاسم الذي أطلقه على فلسفته الخاصة المحددة وهو “الفلسفة المثالية التجريبية “.
كما تأثر ديوي أيضاً بأفكار تشارلز بيرس، ووليام جيمس اللذين كان لهما الفضل في تأسيس المذهب البراجماتي في الولايات المتحدة وبأفكار ستانلي هول، وببعض أفكار روسو، وبستالوتزي، وهربارت، وفروبل، وغيرهم من المربين وعلماء النفس المحدثين.( الرشدان،2002م،ص:409)
جون ديوي والفلسفة البراجماتية
ينظر إلى البراجماتية كفلسفة علمية انبثقت من الروح المادية للقرن العشرين، وهي أمريكية النشأة رأسمالية الاتجاه، وقد نشأت البراجماتية كمذهب عملي نفعي في أمريكا مع بداية القرن العشرين، وساعد على نشأتها انتشار استخدام الطريقة العلمية وما ترتب عليها من نفع عملي وتقدم صناعي، راجع إلى قدرة الإنسان على فهم الطبيعة والسيطرة عليها والاستفادة منها. هذا بالإضافة إلى أن البراجماتية وجدت في النظام الرأسمالي الأمريكي خير تربة للنمو والازدهار لأن الرأسمالية عامة تقوم على مبدأ المنافسة الفردية الحرة التي يرتبط بها العمل المنتج النافع.
لذلك كان المؤسسون لهذا المذهب وأغلب فلاسفته من الأمريكيين الذين انتشرت أفكارهم بعد ذلك في بقية أنحاء العالم، وأصبح لهم أتباع كثيرون من الفلاسفة خارج أمريكا. وقد كان المؤسس الأول لهذا المذهب ( بيرس ) الذي وضع الأفكار الأولى فقط للمذهب ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. فهو بذلك أول من قدم كلمة براجماتية في الفلسفة الحديثة عام 1878م حيث كتب مقالا موضوعه( كيف نوضح تفكيرنا ) وفي هذا المقال وضح بيرس أساس الفلسفة البراجماتية، و الأفكار الأولى للمذهب، حيث قرر أن كل فكرة لابد أن تكون تمهيدا لعمل ما، كما تعود الدعوة إليها إلى (وليام جيمس) حيث أقام المذهب وأكد أن العمل و المنفعة هما مقياس صحة الفكرة و دليل صدقها. وبعد ذلك ارتبط اسم جون ديوي عالم التربية الأمريكي ارتباطا وثيقا بالبرجماتية ليتم بناء المذهب بالنظرية التي سماها الآلية أو الأداتية حيث زعم أن العقل في الواقع ليس أداة المعرفة وإنما هو أداة لتطور الحياة وتنميتها. ( الخطيب وآخرون،2009م, ص: 78 )
والبراجماتية هي الفلسفة التي ظهرت في أحضان التربية، ومنها انتقلت إلى ميدان الفلسفة كنظرية لها بناؤها الفكري الواضح. وهذا راجع إلى أن مؤسسها الحقيقي ” جون ديوي ” كان معلماً حيث اشتغل بالتدريس، و ظلت التربية محل اهتمامه مطبقاً فيها جميع أفكاره الفلسفية مختبراً لها، ومبدعاً فيها من تجاربه وخبراته الشخصية. (محمد ، 2002م ، ص92 ).
إن أفضل مفهوم قُدم للبراجماتية جاء به جون ديوي الذي عدها ” النظرية التي ترى أن عمليات المعرفة وموادها إنما تتحدد في حدود الاعتبارات العملية أو الغرضية بعيدًا عن الاعتبارات النظرية التأملية الدقيقة أو الاعتبارات الفكرية المجردة “. والمبدأ العام للفلسفة البراجماتية مبنيًا على أساس أن الفكرة لا قيمة لها إلا من خلال نتائجها العملية المرضية في حل المشكلات. (العاني 2003 م ، ص: 50 – 51 ).
ولقد استطاع “ديوي” أن يصل بالبراجماتية إلى قمة نضجها بفضل كتاباته المتعددة في معظم الفكر الإنساني، وقد وصل بها إلى هذه المكانة بفضل الأسس التي استند إليها من العلوم المختلفة. ولقد أرادت جامعة (شيكاغو) أن تزين به قسم الفلسفة فدعته إليها، فاشترط أن يتولى في الوقت نفسه رئاسة قسم التربية بها، لا عن رغبة في التملك وإنما لإيمانه بأن التربية هي المعمل الذي نختبر فيه الأفكار الفلسفية، مستندًا في ذلك إلى فكرة طالما آمن بها وهي أن الأفكار الفلسفية إذا لم تسع إلى أن تختبر وتجرب من خلال عملية التربية تظل مجرد تأملات مجردة.(ابراهيم 1999م ، ص: 130 ).
أبرز أعماله في ميدان التربية والتعليم
في عام 1896م أنشأ ديوي المدرسة النموذجية في مدينة (شيكاغو) وقد تسمى أيضاً مدرسة التطبيقات أو (مدرسة المختبر، المعمل) “حيث اتخذها حقلاً لتجربة نظرياته وآرائه التقدمية في التربية. ثم ضُمت هذه المدرسة لكلية التربية بجامعة (شيكاغو) لتكون مدرسة تجريبية لها عام 1902م وقد حاول ديوي أن يقيم برامج هذه المدرسة وإدارتها على مبادئ الفلسفة البراجماتية التي من بينها وجوب الاتصال والتعاون بين المدرسة والبيت، ووجوب اتصال خبرات التلاميذ في المدرسة بخبرتهم خارج المدرسة، ووجوب جعل الأطفال يتعلمون عن طريق خبرتهم ونشاطهم الذاتي ووجوب احترام ميول التلاميذ وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن أنفسهم، ووجوب مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، واعتبار التربية عملية اجتماعية، والتركيز على التعاون بدلا من التنافس، إلى غير ذلك من المبادئ التي كانت مطبقة في هذه المدرسة التجريبية. وقد كان لهذه المدرسة أثر بالغ في التمهيد للتربية التقدمية التي سادت أمريكا في النصف الأول من القرن العشرين، كما كان لها فضل كبير في إقناع الآباء بأهمية المبادئ التربوية التقدمية، وبإمكانية تطبيقها. وقد شجع ديوي بمدرسته هذه إنشاء العديد من المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة من الولايات المتحدة ويمكن أن يضاف إلى أعماله التربوية مئات المقالات وعشرات الكتب في الفلسفة والتربية. (الشيباني,1987م,ص:334-335)
اتجاهات الفكر التربوي عند ديوي
ذكر علي ( 1995م, ص: 91-94) أن (ديوي) قد أكد على اتجاهات جديدة في التربية شكلت نسقاً متكاملاً، أو ما يمكن تسميته ب(نظرية الفلسفة التربوية ), والتي عرفت باسم ( الفلسفة البراجماتية التربوية )، وفيما يلي أبرز ملامح نظريته التربوية مستقاة من الأدبيات العديدة في الإنجليزية والعربية :
التربية في نظر ديوي ظاهرة طبيعية في الجنس البشري، تتم بطريقة لاشعورية منذ الولادة بحكم وجود الفرد في المجتمع، وهي عملية مستمرة ومتطورة، كما أنها ليست مجرد إعداد لحياة مستقبلية بل هي الحياة ذاتها وعملية من عملياتها، أي لابد أن تكون حياة الجماعة المدرسية – من وجهة نظره –حياة حقيقية يتم فيها الحصول على الخبرة مباشرة، وأن تشبه في واقعيتها حياة الطفل في البيت أو البيئة التي يعيشها.
التربية في رأي (ديوي)نفسية واجتماعية معا: نفسية تعتمد في مبادئها على فهم نفسية الطفل واستعداده، واجتماعية تهيئ الطفل ليكون عضواً صالحاً في المجتمع الذي يعيش فيه.
هدف التربية عند (ديوي) إكساب الفرد عادات ومهارات واتجاهات تناسب المجتمع الذي يعيش فيه من ناحية، والعمل على رفاهيته من ناحية أخرى، ومساعدته على الاستمرار في التعلم والنمو، وتربية ذاته، وتكيفه مع بيئته من ناحية ثالثة.
و تتميز التربية عند جون ديوي بأنها تهتم بالطفل ككل من النواحي الجسمية و العقلية و الخلقية و الاجتماعية، كما تعمل جاهدة على توفير كل الفرص الممكنة التي تشبع حاجات الطفل للنمو، و تمكنه من التعبير عن ذاته.
وبأنها تؤمن بأن التعليم يكون أكثر فعالية عن طريق العمل، و لذلك فإنه يسمي المدرسة بمدرسة النشاط، النشاط من جانب المتعلم و ممارسة ما يتعلمه و تطبيقه عمليا، و يسمي هذا الأسلوب منهج الخبرة.
ينتقد (ديوي ) بشدة المفهوم التقليدي للمناهج الذي يقوم على تقسيم المنهج إلى مواد منفصلة مرتبة ترتيباً منطقياً لا يتفق مع عقلية التلاميذ الصغار، وليس المركز الحقيقي للمنهج -في نظره – هي المواد الدراسية المنفصلة المستقلة بعضها عن بعض، بل مركزه الحقيقي هي نشاطات الطفل الذاتية وخبراته. أما الطريقة المتبعة في تنظيم خبرات المنهج وتدريسها فهي طريقة المشروع حيث يستطيع التلميذ اكتساب كثير من الحقائق والخبرات والمهارات. (الشيباني،1987م,ص:354-355
يرى (ديوي ) بأنه لابد أن يتعاون في وضع المنهج كل من له اهتمام بالمناهج الدراسية، والمنهج المقترح يجب أن يكون مرناً و هادفاً و قابلاً للتغيير وليس مجرد تنظيم معرفي جامد، ويرمي إلى إعطاء الطلاب أكبر عدد ممكن من البدائل لحل المشكلات التي قد تعترض طريقهم في الحياة. (علي، 1995م, ص: 91-94).
عارض(ديوي) النظم التقليدية في التربية التي تجعل الطالب مجرد آلة يستقبل المعلومات، ويحفظها دون أن يكون له أي نشاط أو فاعلية، ومن هنا دعا إلى طريقة المشروع التي تجمع بين النشاط البدني والعقلي والاجتماعي للطالب وتساعده على التعلم، وفيها يكون منطقياً معتمداً على نفسه، متعاوناً مع غيره، مبتكراً. ولقد اختار ديوي لهذه الطريقة خمس مراحل هي الشعور بالمشكلة ثم معرفة موضوع المشكلة وتحديدها عن طريق الملاحظة والمشاهدة، يلي ذلك فرض الفروض أو الحلول، وبعدها اختبار الفروض أو الحلول، وأخيراً تطبيق الحلول. فديوي يؤمن بأهمية البحث والاستقصاء وخير طريقة للبحث هي الطريقة العلمية، ومعنى هذا أن تتحول المدارس إلى مؤسسات يتعلم منها التلاميذ كيف يقومون باستقصاءاتهم وبحوثهم لا أن يقبلوا نتائج أبحاث الغير. (المرزوقي 1402هـ،ص 53 ).
وطريقة المشروع “project method” يقصد بها أن يقوم المتعلمون باختيار موضوع واحد ودراسته من عدة جوانب كأن يذهب المتعلمون إلى مزرعة وفيها يتعلمون كيفية الزراعة ويستمعون إلى تاريخ الزراعة في تلك المنطقة ويتعاون كل فرد من المجموعة بعمل جزء من المشروع. وفي عملية تنفيذ المشروع يقوم الطالب بجمع البيانات المطلوبة من المكتبة أو مقابلة الأساتذة. ومن أهم سمات طريقة المشروع كنشاط شامل أن المتعلم عادة سيتفاعل معه لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع. فطريقة المشروع تشبع حاجة المتعلم النفسية لأنها تراعي الفروق الفردية، وتدفعه إلى التعلم الجماعي، وتحرره من قيود الكتاب المدرسي.
لم يوضح ديوي تفاصيل طريقة المشروع في التدريس ولكن تلميذه كلباترك قام بوضع التفاصيل ومن أهم خطوات طريقة المشروع للفرد أو للمجموعة:
– وجود الغرض.
– رسم الخطة.
– تنفيذ الخطة.
– تقويم الخطة (الحصري والعنيزي، 2000 م، ص 194).
ومن أهم ما تتميز به طريقة المشروع هو اهتمامها بوضع ميول التلاميذ ونشاطهم في المرتبة الأولى، ووضع المعلومات والحقائق في المرتبة الثانية والنظر إليها على أنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.
ومن الطرق التي يوصي (ديوي) المدارس باتباعها في تنظيم خبرات التلاميذ وفي التدريس طريقة حل المشاكل وهي تقوم على المبدأ القائل: أن التعلم الجيد يقوم على وجود مشكلة تهم التلميذ وتتصل بحياته وحاجاته: فتحفزه إلى القيام بنشاط، بغية الوصول إلى حل لهذه المشكلة، وقد يكون هذا النشاط عشوائياً، وقد يكون قائماً على التوجيه وهو نشاط عقلي منظم يسير وفق الخطوات الخمس التي ذكرها ديوي في مقاله: كيف نفكر وكيف نحل المشاكل. (الشيباني،1987م,ص: 365)
يرى ديوي أن أسلوب المحاضرة من الطرائق القاصرة في التعليم ومنافعها محدودة لأنها لا تتيح الفرصة للمتعلم كي يستكشف الواقع، ويجمع المعلومات، ويقيس الأمور، ويبحث عن الحلول. لهذا فإن أسلوب السعي في حل المشكلات القائم على حرية المتعلم أكثر إيجابية وخير من الدروس التقليدية القائمة على محاضرات المعلم التلقينية. وهكذا فإن جون ديوي لا يتفق مع طريقة جون فريدريك هربارت في توصيل المعلومات عبر خطوات منهجية في عرض الدرس لأن الطالب سيكون سلبيا فالمعلومات تأتي إليه في الفصل ولا ينجذب إليها.
يرى (ديوي) أن الديمقراطية في الحقل التربوي تعني ممارسات اجتماعية تؤكد قيمة الفرد وكرامته، وتجسد شخصيته الإنسانية، وتقوم على أساس مشاركة أعضاء الأسرة والجماعات في إدارة شؤونها ديمقراطياً.
ويرى ديوي أن أهم وظائف المدرسة هي:
-تبسيط وترتيب عناصر ميول الطفل التي يراد إنماؤها.
-تطهير المتعلم من العادات الاجتماعية المذمومة وتهذيبه.
-تحقيق الانفتاح المتوازن للناشئين كي يعيشوا في بيئة مصغرة فيها مشاركة وتآلف وتكاتف.
فالمدرسة عند ديوي بيئة ديمقراطية تسعى لإيجاد المواطن الديمقراطي والتربية عملية دائمة للفرد ليساهم في بناء المجتمع مع مراعاة الفروق الفردية في التدريس ووضع المنهج الدراسي
يرى أن المعلم موجود في المدرسة كعضو في جماعة ليساعد تلاميذه في اختيار الخبرات المثيرة لدوافعهم وإطلاق طاقاتهم وظهور قدراتهم وتنظيم استجاباتهم لتلك المثيرات والمؤثرات، وليس لفرض سلطته وآرائه عليهم أو لجعلهم يعتادون عادات معينة يريدها. فالمعلم بما له من خبرة أوسع ومعرفة أكبر وحكمة أنضج، يمكنه مساعدة الذين يقوم بتربيتهم وتعليمهم في كيفية فهم الحياة الاجتماعية من حولهم، والاستفادة من المعرفة والخبرات التي يحصلون عليها في تطوير أنفسهم وحل مشكلاتهم وتقدم مجتمعاتهم.(الخطيب،2009م, ص:65 ).
أكد ديوي أهمية جعل الطالب مركز العملية التربوية بجعل الطرق والمناهج تدور حوله بدلاً من جعله يدور حول مناهج وطرق وضعت في عزلة عنه. كما ذهب ديوي إلى أن محتويات المنهج ليست مهمة بقدر أهمية الطريقة التي يعالج بها المعلم هذه المحتويات، ومن ثم دعا المدرس إلى عدم التقيد بطريقة من الطرق، بل يختار الطريقة المناسبة التي تلائم درسه، ومستوى تلاميذه, وظروفهم النفسية. (علي 1995م, ص: 94)
كما يؤكد على مبدأ ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب وضرورة مراعاة ميولهم ودوافعهم الطبيعية وحسن استثمارها في العملية التربوية، وواجب المدرس تنظيم وتوجيه هذه الميول والدوافع وفق خطة مرسومة لتحقيق أهداف تربوية مرغوب فيها. (الشيباني،1987م,ص:360-361)بتصرف.
ديوي والحضارة الاسلامية
معاينة الدراسات الغربية تدل على أن الغربيين في معظمهم ينكرون فضل الحضارة الإسلامية وأثرها في النهضة الغربية، إلا أن ديوي في محاضراته كان يؤكد على أن الغرب لا يذكر فضل الحضارة الإسلامية فقال: “إننا عادة نغض الطرف عن الاعتراف بفضل الحضارة المحمدية وأثرها في الحضارة النصرانية فلقد كانت الحضارة الإسلامية متقدمة بشكل كبير. هذا كان صحيحا في ميدان الفلسفة وأيضا في الميادين الأخرى”.(Dewey 1993, p.105) http://ashahed.blogspot.com/
نقد فكر جون ديوي التربوي
تعرض فكر (جون ديوي) التربوي لعدد من الانتقادات تختلف باختلاف المذاهب والنزعات الفلسفية والتربوية غير أن أبرز الانتقادات التي ترددت كثيراً في كتابات النقاد على اختلاف اتجاهاتهم يمكن تلخيصها في التالي: (الشيباني،1987م,ص:368-372)
يؤخذ على (ديوي) اعتباره للعملية التربوية أنها مرادفة لعملية الحياة نفسها وقوله بأنه ليس للتربية أهداف خارجة عن تحقيق التربية نفسها ومناداته بتربية شخصية الطفل ككل، حيث يرى البعض أن في ذلك توسيع لمسؤوليات المدرسة وتعد على مسؤوليات غيرها من المؤسسات التربوية والاجتماعية بما يجعلها غير قادرة على الإيفاء بمسؤولياتها على الوجه الأكمل.
أُخذ على (ديوي) مبالغته في تأكيد ميول التلاميذ وحاجاتهم الحاضرة كأساس لاختيار المعارف والخبرات المدرسية وتنظيمها.
يؤخذ عليه أيضاً عدم إعطاء المواد الأكاديمية ما تستحقه من الاهتمام وتركيزه على الطريقة أكثر من تركيزه على المحتوى.
غير أن هذه الانتقادات جاءت من قبل المحافظين الذين انتقدوا الأفكار التقدمية التي نادى بها (ديوي) وغيره من البراجماتيين، وتناولوا آرائه بشيء من التعسف والتعميم، ولكن ما ذهب إليه (ديوي) من التجديدات له ما يبرره من نتائج علم النفس ومن مقتضيات العالم المتغير الذي عاش فيه والمتطور تطوراً سريعاً.
ومن أوجه النقد التي وجهت لفلسفة (ديوي) أيضاً:
أن (ديوي) يركز على الحواس وكل ما يمكن قياسه مادياً وبذلك أخذ جانباً من المنهج العلمي السليم في حين أنه فرَّط في قدرة العقل على الاستنباط والاستدلال.
أنه غرس في أعماق التربية فلسفته الإلحادية (AtheisticPhilosophy) حيث أصبحت القيم نسبية ومتغيرة
طريقة المشروع فيها إبداع وكسر للجمود في نمط التعليم ولكن من العقبات التي واجهت ديوي ومازالت تواجه فكرته أن طريقة المشروع تستلزم تكاليف مالية ومتطلبات إدارية غير متوفرة في المدارس العادية. ومن سلبيات هذه الطريقة أن بعض الطلاب في المجموعة سيقومون في أداء المشروع وإنجاز الشطر الأكبر منه فيصعب التحقق من مشاركة الجميع في إعداد وتنفيذ المشروع، كما يميل بعض الطلاب للعمل الفردي، والتربية يجب أن تهتم بالفروق الفردية. ومن الثغرات أن المواد الدراسية تتداخل ويقع فيها التكرار في بعض الموضوعات أو الإهمال في موضوعات أخرى. وأهم عقبة أننا من الصعب أن نقيس مدى استيعاب الطالب للمادة العلمية المطلوبة إذا كان في المشروع مراحل كثيرة. إضافة لذلك فإن بعض المشاريع قد تستغرق وقتاً طويلاً مما يصعب معه تقييم مستوى الفائدة المرجوة.
تعرض ديوي للنقد عندما اقترح طريقة حل المشكلات كطريقة من طرائق التدريس في المدرسة، ويمكننا أن نوجز بعض التحديات العملية التي قد تواجه أسلوب حل المشكلات فيما يلي:
-أسلوب حل المشكلات يحتاج بلا شك إلى معلم له إلمام بمسائل متنوعة وله ثقافة واسعة وتجربة متجددة وهذا النمط من المعلمين المحترفين قلة لأن المدارس التقليدية لا تعتني بهم ولا تمتلك مصادر متنوعة لتنمية ثقافتهم.
-الطالب الطموح المحب للاستكشاف سوف يستفيد من هذا البرنامج أكثر من الطالب الذي يحتاج إلى عون المعلم.
-المدارس ذات الموارد المحدودة ستحصر مشكلاتها (الأنشطة) داخل الأسوار المدرسية.
-حل بعض المشكلات سيولد أحياناً المزيد من التساؤلات والمتاهات.
المبالغة في التأكيد على حرية المتعلم، ومرونة المناهج، وديمقراطية القرار قد تؤثر في المخرجات النهائية ولا تتحقق الأهداف المرجوة.
وعلى الرغم مما ذكر من انتقادات إلا أن فلسفة (ديوي) التربوية كانت أكثر قبولا على المستوى العالمي، بل أصبحت هي السائدة في الكثير من النظم التعليمية.
وينبغي للنظم التعليمية العربية أن لا ترفض الاطلاع على فكر وتجارب الآخرين في المجال التربوي ولكن من الضروري أن يستقر لديها ” أن التربية وليدة مجتمع بعينه ” وأنه لا يمكن استعارة فكر تربوي لاقى نجاحاً في مجتمع ما لتطبيقه في المجتمعات العربية، فهذا الفكر نما في تربة وبيئة مغايرة لتربة الثقافة العربية الإسلامية، فعلينا أن نستفيد من هذه الفلسفة التربوية بعد تكييفها بما يتناسب مع البلاد العربية مادياً ومعنوياً وبما لا يتعارض مع ثوابتنا الثقافية والدينية، مما يكفل تحقيق التطور والتقدم للأنظمة التعليمية العربية.