الإذاعي عبدالرحمن رشاد

كان أبناء ماسبيرو حاضرين بقوة فى أحداث 30 يونيو، من تحركوا بكاميراتهم لرصد الفاعليات، من تولوا مهمة إدارة المشهد من داخل هذه القلعة الشامخة، الإذاعى الكبير عبد الرحمن رشاد كان واحدا من هؤلاء، كان رئيسا لإذاعة «صوت العرب» منذ عام 2010 كما كان مشرفا على استوديوهات الهواء فى عام حكم الإخوان، وهو الذى رفض إذاعة بيان الإخوان الشهير الذى دعا فيه مرسى لنزول مؤيديه لمساندة ما زعمه بــ الشرعية.

يقول عبد الرحمن رشاد: فوجئت أثناء وجودى فى استوديو الهواء أن أحد العمال أحضر «فاكس» يخص بيان الإخوان، ثم اختفى هذ العامل، بعد أن أعطاه لأحد المذيعين، وكان الفاكس دون البيانات المتعارف عليها.. فى حال وجود بيانات أو أخبار، وحدث تحقيق عن كيفية وصول هذا الفاكس، بل وأرسلته إلى إبراهيم الصياد وكان رئيسا لقطاع الأخبار وقتها.. لمعرفة كيفية وصوله، وأحمد الله أننى كنت فى هذا المكان فى هذا التوقيت، لأنه لو كان هناك أى مذيع قرأ ما فى الفاكس.. لتعرضت مصر لحرب أهلية، ولدفع ماسبيرو ثمن هذه الحرب باعتباره السبب فيها.

يتذكر رشاد ما مر به من أحداث مهمة داخل ماسبيرو فيقول: بعد نجاح 25 يناير وتولى د.عصام شرف رئاسة الوزراء، شكلنا ما أطلق عليه «لجنة الحكماء» للتحاور مع ثائرى ماسبيرو والمعتصين فى «بهو» المبنى، وللوهلة الأولى أدركنا من خلال الحوار أن ماسبيرو مخترق من معظم الحركات السياسية ومن الجهات المتعددة الموجودة على الساحة فى مصر، وكل يسعى لاقتسام كعكة ماسبيرو ليكون له صوت ومكان داخل المبنى، ووجدت أن معظم المعتصمين مدفوعين لهدم ماسبيرو، ويغلب على خطابهم الشخصنة دون تقديم حلول أو بدائل، كانوا يكيلون الإتهامات للجميع، ويقولون إن ماسبيرو بوق للنظام، رغم أن الدولة المصرية مالكة ماسبيرو، وحتى القنوات الخاصة تتأثر بمالكها وممولها.

ويضيف: كانت هناك عدة محاولات من د.يحيى الجمل ومن بعده د.عمرو عزت سلامة.. للحديث مع الثائرين فى ماسبيرو، من أجل المحافظة على المبنى لأنه عقل ووجدان مصر، ويضم الثروة التراثية الحقيقية.. ولديه إمكاناته التى يجب المحافظة عليها، وكنا قد أذعنا بيان الثورة، ومعه اعتذار من ماسبيرو.. مع وعد بالمصداقية والمهنية، لكن المشاكل جاءت بسبب انقسام أبنائه، ومع رحيل المهندس أسامة الشيخ جاء د.سامى الشريف الذى أجرى بعض التغييرات، حيث أبعد رئيسة التليفزيون نادية حليم ورئيسة الإذاعة انتصار شلبى ورئيسة القطاع الاقتصادي.. استجابة لمطالب الثائرين، وكان كل همنا هو المحافظة على البث فقط، ومع بدء المطالب المهنية بتحسين الأجور وطلب المناصب واللائحة والشكاوى الشخصية والانتقام الشخصى لم يصمد د.سامى الشريف.

ويواصل قائلا: جاء اللواء طارق المهدى الذى استعان بقيادات المبني.. وكسب الثقة لأن الثائرين اعتبروه ممثلا للمجلس العسكرى الذى أنقذ مصر من الفوضى، وتم العمل أولا فى الاستجابة للمطالب المالية.. ممثلة فى اللائحة، وكان لها شق ايجابى وآخر سلبي، الايجابى التقريب بين الجميع فى الأجور، ورفع الأجور المتدنية فى الإذاعة، أما السلبى فكونها ألغت الحافز وبالتالى الكسل واختفاء الإبداع، ووجود المأزق المهنى فى ماسبيرو مع ضعف العمل الإبداعى وهجرة الكفاءات.

ونصح بعض العقلاء بعدم تطبيقها لأنها ستكلف موازنة الدولة مبلغاً باهظاً، لكنها نجحت فى عمل التهدئة والعبور بالمبنى من هذه المرحلة، لكن ترتب عليها هجرة الكفاءات إلى القنوات الخاصة التى استقطبت عدداً كبيراً منهم.

سألته هل كان ماسبيرو مهدداً بتوقف البث فى هذا الوقت فقال: وصل المتظاهرون إلى أبواب الاستوديوهات لتسويد الشاشة وإغلاق الميكروفون، فحدثت التهدئة، ولعب قطاع الأمن دوراً مهماً فى ذلك.. ونجحت اللائحة فى تهدئة الوضع، وهى التى استعان بها ثروت مكى وكان رجل التهدئة والعقل، ولم يبخل المجلس العسكرى بأى دعم مادى أو معنوى لماسبيرو، فقد كانت الفترة من 2011 إلى النصف الأول من عام 2012 عصيبة، حيث لم تهدأ الأحداث، وأقيل أسامة هيكل على خلفية عدم التغطية المتوازنة لمظاهرات ماسبيرو الشهيرة، فعاد اللواء أحمد أنيس وزيراً للإعلام، وتعاون مع قيادات المبنى للمحافظة على سير العمل وتفادى سقوط ماسبيرو.. الذى يمثل مصر، وسط انتشار الهجوم الهادف لإسقاط ماسبيرو الرمز والدولة ومحاولات اقتحامه، وحدث أن حاول البلطجية اقتحام المبنى من الباب المطل على منطقة بولاق، وهو الباب المغلق حتى اليوم، لكن تعاون أهل بولاق مع قوات الجيش وتصدوا لهذه المحاولات.. وكانت تعليمات المجلس العسكرى فى هذا الوقت هو المحافظة على ماسبيرو وعدم السماح بإسقاطه لأنه صوت الشعب ورمز الدولة.

ويضيف قائلا: وفى هذا الوقت بدأت الانتخابات الرئاسية بين مرشحى الرئاسة، فكانت تعليمات المجلس العسكرى المساواة بين جميع المرشحين.. على شاشة قنوات ماسبيرو، وعبر كل الإذاعات، حتى حدثت الإعادة بين محمد مرسى والفريق أحمد شفيق.. وعاد العمل إلى ماسبيرو، والتزم الحياد المهنى على الشاشة، مع حرية كل شخص فى معتقداته السياسية خارج اطار العمل، لذا أظهر بعض الزملاء تأييدهم لجماعة الإخوان.. ومع إعلان تولى محمد مرسى وزيارته ميدان التحرير كانت كاميرات ماسبيرو ترصد وتنقل على الهواء.. وكان هذا توجها مهنيا وليس سياسيا.

ويضيف: شكلت الحكومة وجاء وزير مجهول للإعلام، عرفنا أنه ليس له إسهامات صحفية، لكنه يقدم خدمات داخل نقابة الصحفيين، وعرفنا أنه جاء كمخلب قط فى أيدى الإخوان، حيث كان لديهم احساس أن السيطرة على ماسبيرو هى سيطرة على العقل المصري.. بشروطهم، كانوا يشعرون أن ماسبيرو هو الأهم رغم امتلاكهم قنوات فضائية خاصة، لكنهم نظروا للتراث والمكتبات والإمكانات والعاملين.. وهنا بدأت المتاعب الحقيقية لماسبيرو، وكانت الخطوة الأولى لصلاح عبدالمقصود هى تغيير قيادات ماسبيرو، كنت وقتها رئيسا لصوت العرب، وكان هناك تحركات لأن يتولاها أحد رجاله، وهنا أدركت أنه كان لهم خلاياهم النائمة داخل ماسبيرو، حيث بدأ بعض الزملاء يلوحون بانتمائهم للجماعة، ويقدمون برامج لخدمتها، وتصدر أوامر صلاح عبدالمقصود فى تسكين أسماء بعينها فى الوظائف الحساسة، فمثلا كان فى صوت العرب موظف من الأخبار القومية فنقل إلى النيل للأخبار، إلى أن جاء احتفالنا، بعيد ميلاد صوت العرب الـ69، فقال عبدالمقصود أن الرئيس مهتم بالاحتفال بعيد ميلاد صوت العرب الـ70، وكان ذلك فى الاحتفال الذى جاء فيه رد عبد المقصود على سؤال الصحفية التى سألته عن الحرية فقال: «ابقى تعالى وأنا أقولك فين الحرية»، فبدأ الناس يأخذون موقف منه ومن جماعته.

ويواصل «رشاد»: طلب عبد المقصود من د.ثروت مكى وكان رئيسا للاتحاد إقامة احتفال بعيد ميلاد ضخم لصوت العرب الـ70، ثم دعا لاجتماع أحضر فيه رؤساء صوت العرب السابقين.. ودعاني، وكنت قد حضرت بإلحاح من إبراهيم العراقي، ولم أكن أرغب فى الحضور، حيث كان بيننا نفور متبادل، حيث كان يقول إن عبد الرحمن رشاد ليس معنا.. واتهمنى أننى من الفلول، وحين كان ينزل إلى استوديوهات الهواء يتجاهل التعامل معى أو مصافحتي، فحضرت الاجتماع وطلبت الكلمة.. وقلت له إننى أتعجب أن جماعتكم تهتم بصوت العرب وهى إذاعة قومية وأنتم ضد القومية، وهى إذاعة أنشأها عبدالناصر وعدوكم اللدود هو عبدالناصر.. بدليل كلام مرسى «وما أدراك ما الستينيات»، فهدد أنه سوف ينقل لمرسى ما حدث، وبدأ تخطيطه للإطاحة بى من صوت العرب، وبدأ يعد أحد الزملاء فى صوت العرب ليتولى رئاستها، واستدعى النائبة د.لمياء محمود وأبلغها أنها ستكون نائب رئيس الإذاعة.. وأن هذا الشخص سيتولى «صوت العرب» فسألت عن مصير عبد الرحمن رشاد، فقال لها سيكون مستشاراً ولا تسألى عنه، وبدأ اجتماعات رؤساء الشبكات الإذاعية فى الرئاسة للتعرف على فكر الجميع، وهل سيكونون معهم أم ضدهم.

وعن نفسى لم أذهب إلى هذه الاجتماعات التى كانت تتم مع مراد على فى الرئاسة، والتوجه ما أطلق عليه «الشرعية» فى عز أزمة انتهاكات الدستور مروراً بأزمة النائب العام، وكثرة التظاهرات وحصار مدينة الإنتاج، وهنا بدأت كشوف تصفية بعض قيادات ماسبيرو.