لندن ـ أ.ش.أ
قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك إن كلمة "حصانة" هي التي تتبادر إلى الذهن عند النظر إلى حرب غزة.
وعقد - في مقال نشرته (الإندبندنت)- مقارنة بين الضحايا الفلسطينيين في حرب غزة وضحايا سقوط الطائرة الماليزية "إم إتش 17" التي سقطت فوق أوكرانيا مؤخرا.
واستهل فيسك مقاله المعنون (800 قتيل فلسطيني.. لكن إسرائيل تتمتع بحصانة من العقاب) بالإشارة إلى أن إجمالي عدد ضحايا غزة حتى الآن يتجاوز ضعف إجمالي عدد ضحايا الطائرة الماليزية.. وأنه باستثناء مقاتلي حماس والمتعاطفين من الشبان والفاسدين من مسؤولي حماس، ممن ستضطر إسرائيل إلى التفاهم معهم في الوقت المناسب، فإن عدد الضحايا "الأبرياء" من النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في غزة يتجاوز إجمالي عدد ضحايا الطائرة الماليزية.
وسلط فيسك الضوء على رد فعل العالم الغربي المتناقض للغاية إزاء الضحايا في كلا الموقعين؛ "في غزة ثمة توسلات وضراعات للتوصل لهدنة يتمكن فيها الناجون حتى الآن في القطاع من دفن قتلاهم بينما يعجزون عن إسعاف المصابين... أما ضحايا ركاب الطائرة "إم إتش 17" فثمة مطالبات فورية بمراسم دفن مناسبة واعتناء بذوي الضحايا.. وثمة لعْن وشجْب لمن يترك جثة مرمية على الأرض من ضحايا الطائرة ولو لبرهة قصيرة شرق أوكرانيا.. أما في غزة فإن الكثير من الجثث مرمية على الأرض ولكن تحت سماء أشبه بالجحيم".
واتهم الكاتب، هذا العالم بأنه لم يكترث لشأن الفلسطينيين، ولم يخطر على باله فكرة إدانة إسرائيل، ولم يهتم كذلك بقدرات حماس، طالما أن الضحايا المدنيين هم فلسطينيون يلقون مصرعهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... وتساءل فيسك "ولكن بالطبع، لو أن ثمة تبادل للأدوار، (لا قدر الله)، وسقط 800 قتيل إسرائيلي مقابل 35 فلسطينيا فقط.. أعتقد أنني أعرف كيف يكون ردّنا وقتئذ..كنا سنسّمي الحال باسمه (مذبحة)، وحشية، جريمة يجب محاسبة مقترفيها.. نعم، حماس يتعين محاسبتها هي الأخرى".
وتساءل فيسك عن سر انحصار مطالب هذا العالم إزاء المشهدين بالبحث عمّن أطلق الصواريخ على الطائرة الماليزية في سماء أوكرانيا؟ متسائلا: وماذا "لو كان عدد قتلى إسرائيل مساو لعدد قتلى فلسطين؟، ودعوني أكرر، شكرا للسماء أن الحال ليست كذلك.. أعتقد أن الأمريكان كانوا سيعرضون كل الدعم العسكري لإسرائيل التي يهددها إرهابيون تدعمهم إيران.. كنا سنطالب حماس بتسليم الوحوش الذين أطلقوا الصواريخ على إسرائيل... لكننا لا نفعل ذلك الآن، لأن القتلى فلسطينيون".
واسترسل صاحب المقال في تساؤلاته.."ما هو عدد القتلى الفلسطينيين الذي يُمثل حدًا يُجبرنا على إنجاز وقف إطلاق النار؟ أهو 800؟ أم 8000؟ هل يتعين علينا أن نحمل بطاقة نتائج؟ سعر صرف القتيل؟ أم أن علينا الانتظار حتى تستيقظ ضمائرنا ونقول كفى؟".
ومضى فيسك قائلا: "من مجزرة القرويين العرب على أيدي الجيش الإسرائيلي الجديد عام 1948، بحسب مؤرخين إسرائيليين، إلى مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982؛ ومن مجزرة قانا الأولى في الجنوب اللبناني عام 1996 إلى مجزرة قانا الثانية بعد عشرة أعوام.. وهكذا حتى عمليات القتل الجماعي للمدنيين في حرب غزة 2008-2009... وبعد صبرا وشاتيلا أُجريت تحقيقات، وبعد قانا أجري تحقيق، وبعد حرب غزة أجري تحقيق بواسطة القاضي ريتشارد جولدستون، الذي تعرض لضغوط شخصية مكثفة للتوقف عن المضي قدما في إجراء هذا التحقيق، بحسب مصادر إسرائيلية صديقة".
وبعبارة أخرى، يقول فيسك "لقد شاهدنا هذا الوضع من قبل.. المطالبة دائما بأن يتحمل "الإرهابيون" فقط ذنب مَن تقتلهم حماس، وأن يتحمل "الإرهابيون" فقط ذنب مَن تقتلهم إسرائيل (حماس "الإرهابيون" طبعا).. أما عن الادعاء الثابت، الدائم التكرار والذي يقول إن جيش إسرائيل لديه أعلى معايير دقة في العالم وأنه لا يصيب المدنيين مطلقا، فأعيد إلى الأذهان هنا سقوط 500ر17 قتيل معظمهم من المدنيين في اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982..أم تُرانا نسينا كل ذلك؟"
وأضاف فيسك "ثمة كلمة أخرى تنازع كلمة "الحصانة" في احتلال ذهني، هذه الكلمة هي: "الحماقة"؛ وهنا سأنحي جانبا فاسدي العرب وقتلة داعش وتجار (القتل بالجملة) في العراق وسوريا، فهم في شأن ربما يشغلهم عن الوضع الراهن في فلسطين، كما أنهم لا يدّعون تمثيل قيَمنا... لكن ماذا عن جون كيري، وزير خارجية أوباما، الذي أخبرنا الأسبوع الماضي أن قضية الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية في حاجة إلى تناول؟ ماذا إذن كان يفعل كيري طوال العام الماضي بعدما وعد بتحقيق سلام في الشرق الأوسط في غضون 12 شهرا؟ أتراه لا يدرك سرّ تواجد الفلسطينيين في غزة؟"
وتابع الكاتب: "الحق أن ثمة مئات الآلاف من البشر حول العالم، وأتمنى لو أستطيع القول إنهم بالملايين، يريدون وضع نهاية لهذه "الحصانة"، نهاية لعبارات مثل:"خسائر غير متناسبة".. غير متناسبة بالنسبة لماذا؟"
ونوه فيسك في ختام مقاله عن اقتناع بعض الأصوات في إسرائيل بما يقول، مشيدا بكتابات صحيفة "هاآرتس" في هذا الصدد.. مشيرا في الوقت نفسه إلى أن العالمَين العربي والإسلامي باتا أكثر غضبا وصخبا.. مُحذرا من مغبة ذلك قائلا: "وسندفع الثمن".