في إطار سلسلة الندوات التي تنظمها منظمة حريات الإعلام والتعبير حاتم، للنهوض بالقطاع الإعلامي المغربي، ومناقشة المشاكل التي يتخبّط فيها، عقدت المنظمة أخيرا ندوة حول موضوع "الصحافيون المهنيون والتنظيم الذاتي"، ناقش خلالها عدد من الإعلاميين موضوع التنظيم الذاتي للصحافيين المهنيين، كما تطرقوا إلى عدد من المشاكل التي يعاني منها القطاع، خصوص الصحافة الورقية. محمد أغبالو، السكرتير العام لتحرير جريدة المساء، أشار في تدخّله إلى أنّ الصحافي في المغرب لا يتمتّع بأيّ قوة اعتبارية، كما هو الحال في الدول الديمقراطية، وضرب المثل بما تعرَض له الصحافيون الذي حضروا وقفة يوم الجمعة الماضي أمام مقر البرلمان للاحتجاج على العفو عن "البيدوفيلي" الإسباني دانيال كالفان، من عنف على يد قوات الأمن، وأضاف أن ما تعرّض له الصحافيون كشف عن وضعية الصحافي في المغرب، وقيمته لدى السلطات، قائلا "إنّ بطاقة الصحافة في المغرب لا تساوي شيئا". وعزَا أغبالو الوضعية التي آلتْ إليها مكانة الصحافي في المغرب، إلى الهشاشة التي يعاني منها الجسم الصحافي، موضحا أنه لولا هشاشة الجسم الصحافي وضعفه لما اتّسمت الوضعية الاعتبارية للصحافي بالضعف الذي هي عليه الآن، خصوصا في ظل غياب هيآت قوية تدافع عن الصحافيين، على غرار الأطباء والمحامين والمهندسين، وفي ظلّ الصراعات التي يتّسم بها المشهد الإعلامي بين الصحافيين وبين المؤسسات الإعلامية، الأمر الذي يفضي إلى مزيد من التشرذم، حتى إنّ الصحافي عندما يجد نفسه في صراع مع السلطة، لا يجد من يتضامن معه. وفيما يخصّ وضعية المقاولات الصحفية قال السكرتير العام لجريدة المساء، إنّ المقاولات الصحفية تواجه عدّة إكراهات، منها محدودية قراءة الجرائد، التي لا يتعدّى عدد مبيعاتها 300 ألف نسخة في اليوم، وضعف الموارد المتأتّية من الإعلانات، لأنّ سوق الإشهار، يضيف، متحكّم فيه بشكل كبير جدا، "حيث يُفتح صنبور الإشهار في وجه المؤسسات الإعلامية التي لها علاقة جيدة مع السلطة، ويغلق في وجه المؤسسات التي لها مع السلطة علاقة متوتّرة". كما تطرّق أغبالو إلى الوضعية التي يشتغل فيها الصحافيون المغاربة قائلا إنها تتسم بالصعوبة، في ظلّ عدم استفادتهم من أجور مناسبة، مقابل القيام بعمل يوميّ شاقّ، كما أنهم لا ينالون في كثير من الأحيان حقوقهم المنصوص عليها في القانون المنظّم للقطاع. من جهته قال عبد العزيز كوكاس، رئيس تحرير أسبوعية المشعل إنّ الحقل الإعلامي بالمغرب "حقْل ملغوم وأشدّ الحقول التباسا"، بسبب وجود الإعلام في تماسّ دائم مع سلطات متعدّدة تتحكم في صناعة القرار، كما تطرّق إلى الخلل الذي يشوب عملية الاستفادة من الدعم الذي تقدمه الدولة، من خلال الوزارة الوصيّة على القطاع للمقاولات الصحفية، قائلا إنّ بعض المؤسسات الإعلامية تلجأ إلى "القوالْب" من أجل الاستفادة من دعم الدولة. وأضاف كوكاس أنّ هناك مقاولات إعلامية تحقّق فائضا من الأرباح يصل إلى مليار سنتيم في السنة، ومع ذلك تستفيد من الدعم، في الوقت الذي كان من المفروض أن يتوجّه هذا الدعم إلى المقاولات الصحفية الناشئة، والتي تتسم بالهشاشة، بسبب تخبّطها في مشاكل مالية، من أجل مساعدتها على أن تصير مؤسسات إعلامية قائمة الذات، عوض أن تستفيد منه المؤسسات التي تحقق فائضا كبيرا من الأرباح. كما تطرّق إلى غياب تأهيل مسيّري المقاولات الإعلامية، قائلا إنّ الدعم المادّي لوحده لا يكفي لتطوير المشهد الإعلامي بالمغرب، إذ لابدّ أن يوازيه تكوين وتأهيل مسيّري المؤسسات الإعلامية، وذلك للرقيّ بعملها. وكانت ندوة منظمة حريات الإعلام والتعبير حاتم قد ابتدأت بتلاوة بيان المنظمة حول العنف الذي طال عددا من الصحافيين أثناء تغطيتهم للوقفة الاحتجاجية المنددة بقرار العفو عن الاسباني "دانيال كالفان"، والذي تلاه رئيس المنظمة محمد العوني. وجاء في البيان أنّ "السلطات تتشبث بارتكاب الزلاّت، بإقدامها على التدخّل بعنف في حق المحتجّين، ومنهم الإعلاميون. ووصف بيان المنظمة التدخّل الأمني في حق الإعلاميين بـ"الهجومات المتوحشة التي قادها مسؤولون أمنيون كبار يقدمون سلوكيات الحقد المَرضي"، مُنتقدا تعاطي الإعلام الرسمي العمومي مع قضية "دانيال كالفان"، إذ ورد في البيان أنّ المسؤولين عن وسائل الإعلام العمومية "لم يكتفوا فقط بتجميد الإعلام الرسمي، بل يعمدون أيضا إلى حجْبِ الحقيقة عن المواطنين".