واشنطن ـ وكالات
على رغم المخاوف العالمية من الاحتباس الحراري، وما قد ينجم عنه من تغير المناخ وارتفاع مستويات البحار والتغيرات البيئية المختلفة، يتيح ذوبان الجليد فرصة رابحة محتملة للدول المتاخمة للقطب الشمالي. أظهرت دراسة مسحية أجرتها منظمة «جيولوجيكال سيرفي» الأميركية للمسح الجيولوجي عام 2008 أن 22 في المئة من الموارد النفطية العالمية غير المكتشفة تقع تحت الصفيحة الجليدية، بالاضافة الى ملايين الأطنان من الرسوبيات المعدنية كاليورانيوم والرصاص والزنك ومعادن أرضية نادرة أخرى. وفيما تتأهب بلدان قوية لجني مكاسب من هذه الثروات، من خلال السباق التكنولوجي أو النفود السياسي، تطمح غرينلاند إلى الاستفادة من تقدم عمليات التنقيب. لقد هدد تغير المناخ سبل عيش سكان هذه الجزيرة الجليدية التابعة للدنمارك، التي منحت حكماً ذاتياً عام 2009. وتشير دراسات إلى ارتفاع معدل درجة الحرارة السنوية في شمال شرق الجزيرة بمقدار 4,5 درجات مئوية خلال السنوات الـ15 الماضية، مع ما يرافق ذلك من ذوبان الصفائح الجليدية. وتعاني مناطق كثيرة من عدم استقرار الجليد البحري المتكسر، إذ يعيق حركة مركبات الثلج والمزالج التي تجرها الكلاب، كما يحول دون الصيد التقليدي على الجليد. وأدت سخونة المياه إلى هجرة الأسماك شمالاً نحو مياه أكثر برودة، ما سدد ضربة إلى قطاع الصيد وصناعة تعليب الأسماك. التنقيب عن الثروات النفطية والمعدنية في قاع المحيط المتجمد الشمالي قد يحل مشكلة غرينلاند الاقتصادية ويمنحها نفوذاً سياسياً، بعد اعتمادها الطويل على الدعم المالي المتضائل من الحكومة الدنماركية. وهي تأمل أن تحل عائدات التعدين محل هذا الدعم. وبالفعل، أخذ التحول يتضح بعد أن منح مكتب المعادن والبترول في غرينلاند 150 ترخيصاً للتنقيب عن المعادن على الشاطئ وفي المياه الاقليمية، في مقابل 20 ترخيصاً قبل عقد من الزمن. ويأمل كثير من سكان غرينلاند البالغ عددهم 57 ألف نسمة أن توفر هذه الخطوة فرص عمل، لتخفيض إحدى أعلى نسب البطالة ومعدلات الانتحار في العالم. وبهدف زيادة عدد العمال المؤهلين، يتم إدخال الشباب الى مدارس خاصة لتلقينهم علوم الحفر واللغة الانكليزية. كما تنفذ مشاريع للبنية التحتية وشق طرق خارج المناطق الآهلة وإنشاء مرفأ جديد وتوسيع مطار كان مهدداً بالإغلاق. لكن الازدهار الموعود ليس أكيداً، إذ يعتقد كثير من العلماء أن احتياطات النفط والغاز والمعادن في قاع المنطقة القطبية الشمالية تقل كثيراً عما ورد في دراسة 2008، وأن الوصول الى ثروات الأعماق السحيقة لن يكون سهلاً. وقد أوقفت شركات نفطية كبرى عملياتها في المنطقة القطبية. حتى المطلعون من أهالي غرينلاند يعبرون عن مخاوفهم من الفورة الاقتصادية الموعودة. فكثيرون يخشون انعكاس عمليات التنقيب والاستخراج خسارة للطبيعة، وتقويض سلالم الرواتب المحلية، وانقضاض الأجانب على فرص العمل. كما قد تشكل الصدمة الثقافية عائقاً، نظراً الى عزلة غرينلاند التاريخية الطويلة عن بقية العالم. إضافة الى ذلك، هناك حالياً حظر دنماركي مفروض على التنقيب عن المعادن المشعة، ما يحول دون استخراج أي معادن أرضية (earthmetals) نظراً الى أن هذين النوعين من المعادن غالباً ما يستخرجان معاً. ثمة من يرى أن حمىّ التنقيب عن الثروات القطبية قد تمنح غرينلاند نفوذاً سياسياً واكتفاء ذاتياً يغنيها عن الدعم المالي الدنماركي. ويذهب بعضهم بعيداً إلى أنها قد تصبح أول دولة مستقلة «يخلقها» تغير المناخ.