مزرعة ضربها الجفاف في والغيت

وضعت لافتة على الطريق المؤدي إلى مدينة وولغت الأسترالية مكتوب عليها "الزراعة ليست أسلوب عيش بل هي تبقي الجميع على قيد الحياة"، غير أن هذه المنطقة باتت اليوم ترزح تحت وطأة الجفاف ويجهد المزارعون فيها للصمود.

هذه المدينة الزراعية الاسترالية، اسمها مشتق من كلمة بلغة السكان الاصليين لاستراليا وتعني ملتقى نهرين، تعاني اسوأ موجة جفاف خلال قرن ما يرغم المزارعين على الصراع من اجل الاستمرار.

فقد مرت ثلاثة مواسم من دون اي قطرة مطر تقريبا. وتحولت سهول خضراء الى مساحات مترامية الاطراف من التربة البنية المتصدعة. وعلى طول الطرق المفروشة بأوتاد خشبية لقياس منسوب المياه، تتصاعد سحب من الغبار تحت قوائم النعامات المارة في المكان. ويغرق الأفق وسط سديم الحرارة.

وقال المزارع واين نيوتن المقيم في قرية نائية تبعد 650 كلم شمال غرب سيدني لوكالة فرانس برس "انها كلعبة شطرنج في كل الاتجاهات سعيا للبقاء -- انها لعبة للبقاء".

واضاف "فترات الصباح تكون الأسوأ لأنك لا تعلم ما ينتظرك وتعلم ان يومك سيكون مرهقا".

كريس كليمسون الذي ساعد المزارعين على بيع مواشيهم لحوالى عقدين من الزمن، اشار الى أن اكثر المزارعين حنكة وخبرة يصارعون من اجل البقاء.

وقال "سمعت بعضا من اكبر واقوى المزارعين يقولون لي انه في حال استمر انحباس الامطار، فإنهم سيتخلون عن مهنتهم".

وقد شهدت استراليا -- احدى اكبر الدول المنتجة والمصدرة للحوم الحمراء -- اكثر اعوامها حرارة سنة 2013 وثالث اكثرها حرارة السنة الماضية.

وهذا الامر يمثل ضغطا جديدا على المزارعين في مناطق مثل وولغت، في مقاطعات نيو ساوث ويلز جنوب شرق البلاد. وقد تعرضت المنطقة للجفاف خلال معظم فترات العقد الأول من القرن الحالي. وتغطي فترة الجفاف الحالية مناطق نيو ساوث ويلز وكوينزلاند التي تمتد على مساحة أكبر من فرنسا.

وقال بيل موراي وهو سليل عائلة مزارعين تملك منذ 150 عاما قطعة ارض كبيرة على بعد حوالى ساعة بالسيارة غرب مدينة وولغت "كان لدينا موجات جفاف بين 2001 و2008، من ثم عاد الوضع طبيعيا خلال السنوات الثلاث اللاحقة الى ان عاد الجفاف مجددا... وهذا الوضع صعب".

ولزيادة درجة اليأس، توقعت دراسة أسترالية نشرت نتائجها العام الماضي أن التغيير المناخي سيؤدي إلى انخفاض مستويات هطول الأمطار في جنوب البلاد والى موجات جفاف أكثر شدة.

وقال القسيس في جماعة "جيش الخلاص" في الريف لويد غراهام ان السكان في وولغت وفي مدينة لايتننغ ريدج الواقعة شمالا يعانون "تدنيا كبيرا في روحهم المعنوية".

واضاف "ثمة ازواج وزوجات في مواجهة دائمة وهناك أسر تعيش مشاحنات بشأن هذا الموضوع، والجفاف يسبب هذا الضغط النفسي الكبير ما يجعل كل شيء يخرج الى العلن".

الا ان توافر خدمات الصحة العقلية بشكل متزايد ساعد العائلات التي تكافح من اجل البقاء للتكيف مع هذا الوضع، على حد تعبيره.

وفي حين لم تسجل حالات معروفة للانتحار في وولغت بسبب الجفاف، اصبحت هذه الظاهرة مشكلة كبيرة بالنسبة للمجتمعات الريفية في البلاد.

وخلصت دراسة نشرت نتائجها سنة 2012 اجرتها الجامعة الوطنية الاسترالية بشان الرابط بين الانتحار والجفاف في نيو ساوث ويلز خلال الفترة بين 1970 و2007، الى وجود "أدلة واضحة" تعزو زيادة بنسبة 15 في المئة لخطر الانتحار لدى الرجال الريفيين الذين تراوح أعمارهم بين 30 و 49 عاما مع تدهور ظروف الزراعة.

وإذ تشكل الزراعة 80 في المئة من دخل المنطقة، شهد موراي كفاحا مطردا من السكان المحليين لمواجهة المشاكل المالية والعاطفية خلال ولاية اخيرة لثلاث سنوات امضاها  كرئيس للبلدية.

وقال مواري "خلال عامي 2010 و2011، كانت هذه المقاطعة في المرتبة الثالثة لأهم المناطق في الإنتاج الزراعي في نيو ساوث ويلز"، اما حاليا "نحن في أسفل القائمة" بعد موجات الحر الشديد التي ضربت المنطقة.

وحاليا، لم تعد وولغت التي تضم أكبر مستودع لتخزين الحبوب في نصف الكرة الجنوبي، تنتج اي كميات من القمح.

وقبل عقد ونيف، كانت المنطقة تضم 1,2 مليون رأس من الأغنام و89 الف بقرة. اما حاليا فلم يعد هناك سوى 200700 رأس من الأغنام و23 الف بقرة، وفق كليمسون.

ودفع هذا الوضع العمال الى ترك مناطقهم للعمل في المدن ، في حين أن الأسر التي ترسل ابناءها إلى المدارس الداخلية قد انتقلت الى مناطق اخرى بحثا عن معيشة ارخص، ما أتى على مناطق تكافح اصلا للبقاء.

وتزداد الدعوات لزيادة المساعدات لهذه المناطق وسط تقارير عن تشديد المقرضين الخناق على المزارعين المثقلين بالديون، ما دفع وزير الزراعة بارنابي جويس الى حث المصارف على وقف التضييق على المزارعين.

في هذا الوقت، اطلقت الحكومة برامج لقروض خاصة بمرحلة الجفاف تشمل خفضا لأسعار الفائدة. وقد قال رئيس الاتحاد الاسترالي للمزارعين برنت فينلي إن "هؤلاء الأشخاص يرزحون تحت وطأة مستويات عالية من الضغط النفسي ... ويجب بذل الكثير لمحاولة مساعدة الناس لتخطي هذا الوضع".