واشنطن ـ وكالات
وسط تأكيدات لبعض الخبراء مفادها أن القطب الشمالي سوف يلعب دوراً جوهرياً في تلبية احتياجات الطاقة في القرن الحادي والعشرين تسعى شركة «نونافوت ريسورسز كوروبوريشن»، التي تملكها قبائل الأنويت في المنطقة القطبية الشمالية بكندا إلى الحصول على دعم مالي من شركات وول ستريت يقدر بـ 18 مليون دولار لاستكشاف نصف مليون كيلو متر مربع بمنطقة كيتيكميوت» في شمال كندا. وتقول مجلة «نيوساينتست» البريطانية، في تقرير حديث لها: إن الخبراء يتوقعون أن تحتوي هذه المنطقة على معادن ثمينة مثل الذهب والألماس والبلاتين والليثيوم. وتأتي هذه المحاولات ضمن جهود موسّعة لاستكشاف موارد القطب الشمالي والاستفادة منه بقدر انحسار المساحة الجليدية هناك. وأوضحت مجلة «نيوساينتست»، في تقريرها، أن العام الجاري شهد رقماً قياسياً جديداً في منطقة القطب الشمالي، حيث وصل انكماش الغطاء الجليدي خلال سبتمبر الماضي إلى 3.41 ملايين كيلومتر مربع، وهو أدنى حد موسمي منذ بدأت الأقمار الصناعية رصدها للمنطقة في عام 1979. فالجليد يتكثف مرة أخرى خلال فصل الشتاء، ولكن على المدى الطويل فإن السطح الجليدي والحجم، على حد سواء، يواصلان الانخفاض بشكل غير مسبوق. ومن المتوقع أن ينجم عن تقلص الغطاء الجليدي عواقب وخيمة على بقية كوكب الأرض، بما في ذلك أنماط الطقس المتغيرة وتوزيع المياه، حيث تعاني الكائنات الحية في المنطقة من تبدل كبير في أنماط حياتها. ولكن هذا ليس كل شيء، إذ إن فقدان الجليد، الناجم عن حرق الوقود الأحفوري، يتيح المجال لتلك المنطقة النائية من العالم لإيجاد صناعات تتسابق على استخراج النفط والغاز والمعادن وغيرها. ويتوقع معظم المراقبين في قطاع الطاقة أن يلعب القطب الشمالي دوراً رئيسياً في تلبية احتياجات العالم من الطاقة خلال القرن الحادي والعشرين. وتقول وكالة المسح الجيولوجي الأميركية: إن الجروف القارية تعتبر أكبر منطقة في العالم لم تستكشف بعد من حيث وجود النفط والغاز فيها. وتقدر الوكالة بأن منطقة القطب الشمالي تحتوي على 30% من الغاز الطبيعي غير المكتشف في العالم. وأشارت «نيوساينتست» إلى أنه من خلال الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، تعتقد وكالة المسح الجيولوجي الأميركية أن أكبر احتياطيات النفط والغاز ستكون قبالة الشاطئ الشمالي لألاسكا، وتحت مياه بحري كارا وبارنتس. وتساهم منطقة شبه جزيرة «يامال» في روسيا بنحو خمس الغاز الطبيعي في العالم. ويبدو أن هذه المناطق على وشك أن تكون محور التسابق لاستغلال ثروات القطب الشمالي. ويرجع الفضل لأنشطة الاستكشاف والتعدين التي تشهد ازدهاراً في هذه المناطق إلى انتعاش مشروعات البنية التحتية، مثل الطرق والموانئ والمستوطنات الجديدة. فقد استثمرت شركة شل بالفعل 5 مليارات دولار في مشروعات بالقطب الشمالي. وأشارت توقعات شركات التأمين البريطانية «لويد» ومقرها لندن، في وقت سابق من هذا العام أن يتم ضخ ما يصل إلى 100 مليار من الدولارات على شكل استثمارات في القطب الشمالي خلال العقد المقبل. ولا تعتبر عملية استخراج النفط والغاز في المنطقة القطبية الشمالية وليدة العصر الحاضر. فقد تم استخراج الفحم منها قبل أكثر من قرن من الزمان. لكن توليفة من العوامل، مثل النقص في الموارد العالمية وارتفاع الأسعار والتقدم التقني وتعرض مناطق واسعة من المحيط المتجمد الشمالي للذوبان خلال فصل الصيف، كل ذلك دفع إلى تكثيف نشاط الاستكشافات في المنطقة. إلا أن حجم الاستثمار في هذه المشروعات والأضرار البيئية التي يمكن تجلبها استقطب حالة من القلق الدولي، حتى وإن كانت من أطراف أبعد من الدول الثماني التي تطلّ على المحيط المتجمد الشمالي. فعلى سبيل المثال، أدانت لجنة التدقيق البيئي في مجلس العموم ببريطانيا، رغم أنها لا يوجد لديها أراضٍ في المنطقة القطبية الشمالية، ما وصفته بـ «الحمى الطائشة للبحث عن الذهب في المنطقة البرية البكر». ودعت اللجنة الحكومة البريطانية للمطالبة بوقف التنقيب عن النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي حتى يتم وضع نظام استجابة لدول المنطقة القطبية الشمالية للتعامل مع الحوادث الصناعية والتسرب النفطي. كما دعت أيضاً إلى عزل جزء من القطب الشمالي واعتباره ملاذاً بيئياً معترفاً به دولياً. يُحذّر خبراء من أن المحيط المتجمد الشمالي لا يزال منطقة يغيب عنها القانون. فلا تزال المنظمة البحرية الدولية تجري تطويراً للقانون القطبي، وهو عبارة عن قانون للسلامة على متن السفن، فضلاً عن وجود اتفاقات محدودة تعنى بإدارة الثروة السمكية أو تسرب النفط خارج المياه الإقليمية. وفي المساحة اليابسة من القطب الشمالي، فإن المناطق التي يتم فيها استغلال المعادن أو المواد الهيدروكربونية من المرجح أن تظل محدودة نسبياً، لكن يمكن أن تكون آثارها أكبر من ذلك بكثير. وتعاني المنطقة الواقعة حول مصهر النيكل في "نوريلسك" في روسيا من أسوأ الأوضاع في القطب الشمالي. فعلى مدى نصف قرن من الزمان، كان المصهر المصدر الوحيد لثاني أكسيد الكبريت وأضخم ملوث للهواء في العالم عبر أنشطة التعدين.