جنيف : العرب اليوم
واجهت مبادرة شعبية لحزب الخضر السويسري تدعو لإقامة اقتصاد يستند في أساسه وجوهره إلى الطاقة المتجددة، معارضة شديدة من الحكومة والبرلمان الاتحادي، بمجلسيه، اللذين رفضا المشروع على أساس أن أهداف المبادرة "غير قابلة للتحقيق عمليا، وليست مجدية"، لكن الكلمة الأخيرة ستكون للشعب في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل.
وعلى الرغم من أن ما يعرف باسم "الطاقة الخضراء" توجه أوروبي جديد، خاصة عقب كارثة مفاعل فوكوشيما عام 2011، إلا أن عددا من الاقتصاديين، وأساتذة الجامعات، والشركات، ومؤسسات الأعمال، دقوا "ناقوس الخطر" إزاء ما أسموه بالعواقب الوخيمة التي سيواجهها الاقتصاد والمجتمع والرخاء في حالة قبول المبادرة، داعية هذه الأطراف السويسريين إلى رفض المبادرة.
وبحسب الدستور السويسري، فإنه يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيد مبادرته. ولا تأخذ المبادرة قوة القانون إلا إذا نالت موافقة أكثر من نصف المصوتين في البلاد على أن يكونوا موزعين على أكثر من نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
وجمع أصحاب المبادرة 110 آلاف توقيع تؤيد مبادرتهم التي تحمل اسم "نحو اقتصاد مستدام يستند إلى إدارة كفؤة للموارد" (الاقتصاد الأخضر)، غير أن مجلس النواب رفض هذا المشروع، بأغلبية 128 صوتا مقابل 62، وكذلك مجلس الشيوخ بأغلبية 31 صوتا ضد 13، وليس هذا فحسب، بل أعربت الحكومة عن موقفها بوضوح، قائلة، إن أهداف المبادرة لا يمكن تحقيقها عمليا دون فرض قيود ضخمة على الاقتصاد ورفاهية الناس، وفوق ذلك فإن المبادرة ليست مجدية.
وفي بعض الحالات التي ترفض فيها الحكومة والمجلس التشريعي مبادرة ما، يقوم أحدهما، أو كلاهما، بطرح "مبادرة بديلة" تتضمن بعض النقاط الواردة في المبادرة الأصلية علاوة على نقاط أخرى ترغب الحكومة في إدخالها، لكن في مبادرة "الاقتصاد الأخضر" هذه، رفضت السلطتان التشريعية والتنفيذية طرح مبادرة بديلة، في إشارة إلى رفضهما لفكرة المبادرة، جملة وتفصيلا.
وقال، دومنيك روشا الاقتصادي السويسري، وأحد أصحاب الحملة المناوئة للمبادرة، إن أصحاب المبادرة اتجهوا لمعالجة مسألة مهمة ومقدسة للمجتمع، لكن التدابير المقترحة لوضع المبادرة موضع التنفيذ تمثل تطرفا جذريا، من شأنه أن يحد من قوة الشركات، والاقتصاد.
وتدعو المبادرة إلى تقليص البصمة البيئية في سويسرا (أي تقليص التلوث الناجم عن الاستهلاك، وتقليص الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية) بمقدار ثلاث مرات عن المستوى الحالي بحلول عام 2050، والتقليص بمقدار ثلاث مرات هو المستوى الذي يمكن أن تتحمله الطبيعة دون استنفاد، حسب ما جاء في المبادرة.
ولتحقيق هذا الهدف الطموح، تلزم المبادرة الحكومة تخفيض الاستهلاك الحالي للموارد الطبيعية بمقدار 65 في المائة على الأقل، وضمان ألا يستنفد النشاط الاقتصادي الموارد الطبيعية، وأيضا ألا يفرض أي نشاط اقتصادي، مهما كان نوعه وفي كل الأحوال، تهديدا على البيئة أو يسبب ضررا لها، وهذا يعني إلزام الحكومة الاتحادية، والمقاطعات، والبلديات اتخاذ التدابير اللازمة لتلبية متطلبات هذه المبادرة.
وعن هذه التدابير، أوضح روشا أن المبادرة تتحدث عن تقييد الاستهلاك والتنقل، وحظر بعض الممتلكات، وإدخال متطلبات جديدة للإنتاج، وفرض حزمة من الضرائب البيئية الجديدة على استخدام الموارد الطبيعية بهدف تمويل تدابير أخرى. علاوة على ذلك، ستكون صلاحيات المقاطعات ما يتعلق بالتعامل مع القضايا البيئية محدودة حيث سيتم نقلها للحكومة الاتحادية.
وأشار إلى أنه يتم على سبيل المثال، في الوقت الحاضر تسيير القطارات بزخم عالٍ حتى في ساعات الليل المتأخرة وفي أيام العطل الأسبوعية والرسمية، وهو نوع من رؤية تقديم خدمة الرفاهية العالية للمستهلكين، لكن بقبول المبادرة، قد يتطلب الأمر تقليص تسيير عدد القطارات في أوقاتٍ معينة، باعتبار أن تسييرها لخدمة عدد محدود من السكان يمثل هدرا للموارد الطبيعية.
وتساءل قائلا، هل هذا "خيار أخضر" أم "خطر أخضر"؟ أنا أقول إنه "نير أخضر" يُملي علينا الأوامر، ويهدد الرخاء والرفاهية، ونوعية الحياة التي نعيشها، ويضع الناس تحت وصاية "الاقتصاد الأخضر" بدلا من احترام حرية الاختيار والمسؤولية الفردية. وبهذه المبادرة سيحصل اختلال جذري للاقتصاد والمجتمع، كما ستكون هناك عواقب بعيدة المدى.
أما الحكومة، فترى أن تطبيق المبادرة يتطلب فرض قيود واسعة النطاق على الناس خاصة في مجالات التنقل، والغذاء، والسكن، وستتقلص فرص استهلاك الأسرة ما سيؤدي إلى تقلص هوامش إنتاجية وربح الشركات.
ووفقا للحكومة، فإن متطلبات التحول نحو الاقتصاد الأخضر، مثلما جاءت في المبادرة، تستلزم فرض ضرائب بيئية جديدة، وسيعوق نمو الشركات السويسرية أو التي يوجد مقرها في سويسرا، وستخفض قدرتها التنافسية، وستظهر آثار سلبية في سوق العمل.
وتعتقد الحكومة أن المبادرة ستضع سياسة التجارة الدولية للبلاد في خطر، مشيرة إلى أن إضافة هذه التحديات الجديدة إلى تلك التي تواجهها البلاد بالفعل، خاصة ما يتعلق بمشكلات قوة الفرنك، وتنفيذ مبادرة مكافحة الهجرة الجماعية التي أوجدت مشكلات عديدة لسويسرا مع الاتحاد الأوروبي "إنما هي أمرٌ غير مسؤول".
وبحسب روشا فإن الاقتصاد السويسري يصبح "أخضر" بشكل متزايد دون التدخل المفرط للدولة، وليست هناك ضرورة لفرض تدابير تنظيمية جديدة من أجل الانتقال نحو اقتصاد أكثر استدامة، وأن تحسين إدارة الموارد مصدر قلق دائم للشركات، وهي لا تحتاج إلى تلقي توجيهات بذلك، فهدف الربح بحد ذاته يدفعها لتقليص إنفاق الموارد.
وبررت الحكومة رفضها للمبادرة بأن الأمر سيكون أكثر فعالية بمواصلة السير على طريق المشاركة الطوعية للاقتصاد واحترام المسؤولية الفردية والتعاون الدولي، بدلا من الاعتماد على أسلوب فرض الوصاية والاتجاه إلى بعض أنواع الاقتصاد المخطط مركزيا.