الصيد في بيروت

في ميناء 'جلّ البحر' بمنطقة عين المريسة على الواجهة البحرية للعاصمة اللبنانية بيروت، تتجلى قصة 83 صيادا يقارعون الأمواج العاتية، ويرمون بشباكهم منتظرين أن تثقل بأسماك الرزق.

عبده سليط (42 عاما)، واحد من هؤلاء، تجاوز البحر في عينه كونه مصدرا للرزق، فهو يمثل له عشق المكان الذي تربى فيه وكبر مع قصصه منذ ورث عن والده هذه المهنة التي تحولت مع الوقت إلى شغف لا يتناهى.

كغيره من صيادين كثر، يبدأ عبده نهاره الطويل مع ساعات الفجر الأولى، فبعد تحضير العدّة يخرج بمركبه المتواضع الذي يقوم بإصلاحه كل فترة، ليبدأ مشواره الشاق في عرض البحر ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل.

أحيانا يعود عبده بعدد كبير من الأسماك التي علقت في الشباك، وأحيانا أخرى لا تكون الغلّة كبيرة، فالأمر يختلف في البحر، إذ ورغم أن الصيد يعد مهنة كغيرها من المصالح، لكن القانون يسير وفق منطق 'يوم لك ويوم عليك'.

تقصير الدولة
ويشكو الصياد القوي البنية من تقصير الدولة في الاعتناء بالموانئ والمرافئ المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني، ويقول إنه 'مع كل عاصفة أو كارثة جوية أو بيئية تصاب مراكبنا بنكبة، والوزارات المعنية غائبة ولا تقوم بدفع التعويضات بالشكل المطلوب'.

في مركب عبده أسرار كثيرة يأخذها معه كل فجر قبل عودته المتأخرة ليلا إلى العاصمة، فالظروف الصعبة التي يواجهها، من مادية واجتماعية وعائلية ونفسية، ينساها ويرميها في قعر البحر.

البحر هو المتنفس الوحيد لعبده، فبمجرد الجلوس وسط هذه السكينة والنظر إلى الأفق بين زهوة ألوان السماء، وعمق ألوان البحر وانعكاساتها، يعود السلام الذاتي والروحي، ويتصالح المرء مع نفسه.

قصة عبده تشبه قصص الصيادين من الشمال اللبناني وحتى أقصى جنوبه، هي رحلة يومية مصحوبة بالتعب، والصبر، وكثير من التفكير، من أجل كسب الخبز اليومي والعيش بكرامة.