القاهرة - شيماء مكاوي
يمتلك كل مكان في المنزل، اسمًا وهوية، وإذا كان المكان يكتسب اسمه من وظيفته، فإن هويته تستمد «شرعيتها» من جمالياته، وحين نتحدث عن الجماليات، فإننا نعني بالتأكيد تلك العناصر التي تؤسّس للشروط الجمالية وتدفع بالصياغة والمعالجات الى حدود قصوى، لكي تلبي رغبات أصحاب المكان وتتلاءم مع احتياجاتهم وتتناغم مع طبيعة حياتهم اليومية، وإذا كانت الهوية هي مجموع التفاصيل المكوِّنة للمشهد الزخرفي، فما من شك في أن «غلاف» هذه الهوية هو ورق الجدران.
ولورق الجدران قصة طويلة مع العمل الزخرفي. وبعيداً من الميول الموسمية التي تزدحم بها الأسواق، فإننا سنركز هنا على دور ورق الجدران في تأكيد هوية المكان، بل ومنحه عنواناً واضحاً وصريحاً، وهو دور يتجدد مع تجدد المواسم بملامح مختلفة ومتعددة، ولكنها في كل مرة ترفد هذا الدور بمشاعر جديدة تجسدها موتيفات مختارة بدقة وعناية أو خطوط مبتكرة تلبي طبيعة المرحلة وتلائم الاحتياجات العصرية للحياة اليومية.
ومصادر الإلهام كثيرة ومتنوعة، فمرة هي الطبيعة بكل ما تزخر به من عناصر وأشياء، ومرة أخرى هي المخيلة التي تستدعي من خباياها ما يثير الدهشة. وهي مرة مباشرة ومرة أخرى غير مباشرة، مما يعكس التجدد وحيوية الابتكار واستمرارية البحث والتنقيب عن كل ما يضفي على داخل منازلنا أجواء سحرية متفردة، إننا نحدد بالطبع مساحات المنزل وأركانه مع بداية وضع التصورات المعمارية: غرف النوم، الصالونات وصالات الجلوس، صالة الطعام، المطبخ والحمام والمدخل والممرات وأماكن التخزين وكل التفاصيل المتعلقة بالهيكل المعماري للمنزل، غير أن هذا العمل ينتمي في طبيعته الى توزيع المساحة بما يخدم احتياجات أصحابها وطريقة حياتهم وتصوراتهم للراحة والرفاهية، كما أن هذه المسألة تخضع الى التكاليف والميزانية المخصصة لذلك. إلا أن استكمال هذه العملية لا يعني بالضرورة منح الفضاءات التي تم توزيع المساحة عليها، هوية واضحة، بل إن الديكور والعمل الزخرفي يلعبان الدور الأساس في تأكيد الهوية و«توضيبها» إذا جاز التعبير، وإشهارها ودعمها من أجل أن تلحق بالمشهد الزخرفي للداخل بكليته.
أثاث كل مساحة، وتبعاً لتخصصها، سيكون عملية رئيسة في منح الهوية خطوطها البارزة، كذلك الأكسسوارات الملحقة بها، ومثلها الخطوط والأشكال والألوان التي تشغل الفضاء، غير أن ورق الجدران يلعب دور العنوان الكبير لهذا الفضاء، تماماً مثل الدور الذي يلعبه اسم المطبوعة أو "المانشيت" في الجريدة اليومية، لذلك فإن اختيار ورق الجدران يعتبر عملية بالغة الأهمية من حيث كونه الدلالة الجمالية للمكان بعدما تم تحديد دلالته الوظيفية. والدلالة الجمالية تحكمها شروط ومعايير ينبغي أخذها في الاعتبار ومراعاتها بحيث تأتي في موضعها الصحيح، ففي الصالون مثلاً، لا يمكننا اختيار ورق جدران بموتيفات كبيرة وألوان صارخة، أو مواضيع تتعلق مثلاً بالغابات وسكانها من الحيوانات،فمثل هذا الخيار يصيب الضيوف والزوّار بالصدمة. كذلك، فإن الموتيفات الكبيرة والألوان الفجة تسلب أثاث الصالون رونقه وتجعله عنصراً ثانوياً، بينما يُفضّل للصالون ورق جدران أحادي اللون مع إمكانية اللعب على الملمس، وينبغي أن يكون اللون هادئاً يوحي بالثقة والراحة، غير أن موتيفات ورق الجدران ورسومها ليست الوحيدة التي ينبغي التنبه إليها وحسن اختيارها، بل ثمة مكونات أخرى تتعلق بالمواد نفسها، فورق الجدران ليس دائماً من الورق، بل يمكن أن تدخل فيه عناصر أخرى تجعله محاكياً للبلاستيك أو للأقمشة أو للأخشاب، ولكنه في كل أحواله وأطواره يبقى يحمل الاسم نفس ويُثبّت بالطريقة نفسها، ولا شك في أن اختيار ورق جدران قابل للصيانة والتنظيف مسألة مهمة لأنها تطيل عمره وتجعله دائم النضارة والإشراق ويحافظ على رونق ألوانه وموتيفاته، وهذا ما ينعكس على أجواء المكان وأثاثه وأكسسواراته، فورق الجدران، ومن خلال المساحة التي يشغلها على الجدران، يبقى المهيمن على الفضاءات ويرفد الأجواء بملامح ودلالات يصعب على أي عنصر آخر من العناصر الزخرفية أن يوفرها.