دمشق - نور خوام
تقف امرأة ايزيدية تبلغ من العمر (18 عامًا) على قمة أحد الجبال وتعلو وجهها ابتسامة عريضة، حيث استغرقت من الوقت الكثير لكي تصل إلى هذا المكان، فعلى مدار أسبوع كامل ومحاولات مضنية للوصول إليها والتحدث معها عبر الهاتف، وكان أقاربها يردون بأن الأميريكان لا يريدون منها التحدث في أي شيء، في الوقت الذي لم تؤكد أو تنكر فيه القنصلية الأميركية في اربيل ذلك الأمر.
وتعد جليلة واحدة من بين أوفر النساء الايزيديات حظًا لبقائها حتى الآن على قيد الحياة، فعندما اجتاحت "داعش"، قريتها في سنجار في آب / أغسطس من العام الماضي، كانت هي واحدة من بين آلاف النساء والفتيات اللواتي تم اقتيادهن للبيع في أسواق النخاسة.
وقادها مصيرها في أيار / مايـو لأن تكون في منزل في مدينة دير الزور شرقي سورية، حينما وصل جنود أميريكان إلى هناك تقلهم مروحية "بلاك هوك"، وقاموا بقتل أحد أعضاء جماعة "داعش" وهو تونسي يدعى أبو سياف، كما أوقفوا زوجته العراقية الشابة في عملية مداهمة ناجحة هي الأولي التي تقوم بها القوات الخاصة الأميركية داخل أحد المناطق التي تسيطر عليها جماعة "داعش".
ولم تكن هذه المرة الأولي التي تطأ فيها هذه القوات بأقدامها على أراض سورية، منذ بدأ المواجهات في البلاد، سبق وأن كانت هناك محاولة أخرى من أجل تحرير رهائن أميركيين اختطفتهم جماعة "داعش"، ولكن القوات عادت خالية الوفاض في عملية تم وصفها على الرغم من ذلك بالناجحة.
وبحسب ما أوردته الولايات المتحدة، كان أبو سياف أحد الأعضاء البارزين داخل الجماعة المتطرفة والذي يتحكم في ملايين الدولارات من توجيه النفط والغاز والعمليات المالية، وسرعان ما تبين بأنه سبق وأن شارك في قتل الرهينة الأميركية كايلا مولر.
وفي إجابتها على الأسئلة المطروحة عليها، فإن جليلة تفكر قبلها، بينما تتحدث فقط عندما يكون لديها ما تقوله، وروت قصتها التي تدل على جرأة استثنائية وشجاعة حقيقية، حيث أفادت بأنها بعد فترة وجيزة من اختطافها انفصلت عن عائلتها وتم بيعها في سوق السبايا داخل مدينة الموصل العراقية وهي ثاني المدن التي تسقط في قبضة جماعة "داعش".
وبدأت سريعًا في إثارة المشاكل عندما توقف المتطرفون عن اصطحابها في زيارة من أجل رؤية عائلتها متحججين بذلك عن طريق إبلاغها بأن بعضهم فارق الحياة، ومثلها في ذلك مثل العديد من النساء الايزيديات.
وتظاهرت جليلة بأنها متزوجة لتتجنب لفت الانتباه غير المرغوب فيه، ولكنهم اكتشفوا سريعًا بأنها تكذب عليهم، وعليه تم استبدالها بفتاة ايزيدية أخرى، بينما تم إرسال جليلة بدلًا من ذلك إلى منزل أبو سياف قبل أسبوع من مداهمة القوات الأميركية للمكان، علي أنها لم تتوقف عن إثارة المتاعب مرة أخرى حتى تمكنت من الهرب.
وعند حديثها عن أبو سياف، أفادت بأنه كان قصير الطول متوسط البنية ويمتلك شعرًا أسود مموجًا وندبة على جبينه، وأضافت بأنه كان يتبوأ مركزًا رفيعًا ويعمل لصالح "داعش" في إدارة الأعمال داخل سورية، وكانت جليلة مكلفة بخدمة زوجته التي تعرف باسم أم سياف التي قضت أغلب وقتها في الطابق الأعلى تستقبل الفتيات التي تتوالي على المنزل.
وكانت العلاقة ما بين جليلة وأم سياف تشوبها الكراهية، حيث أدركت الأخيرة بأنها كانت تفضل إلى حد كبير الفتاة السابقة، ومن ثم بدأت أم سياف في بذل قصارى جهدها من أجل إيقاع جليلة في ورطة مستفزة إياها، في الوقت الذي تشكو فيه لزوجها من سلوكها، وفي أحد المرات تعرضت جليلة للصفع على وجهها من أبو سياف، بينما في مرة أخرى تلقت تهديدًا من أم سياف بأنه في حال اقترافها لخطأ سوف يتم التخلص منها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما كانت جليلة مشكوكًا في أمرها طوال الوقت ويتم تفتيشها بانتظام هي والغرفة التي تجلس بداخلها.
وفي سياق متصل، تطابقت شهادة جليلة مع شهادة أخرى لفتاتين متواجدتين داخل مخيمات اللاجئين شمالي العراق، وكانت الفتيات تقبع في منزل أبو سياف شمالي سورية خلال الفترة ما بين آب / أغسطس و تشرين الأول / أكتوبر من عام 2014.
ووفقًا لشهادة الفتاتين كانت السيدة أم سياف قاسية في التعامل، وكحال جليلة تم إجبارهما أيضًا على الطبخ وتنظيف المكان، وذات مرة لم تستوعب إحدى الفتاتين ما تطلبه منها أم سياف ما جعل أبو سياف يضربها بكتلة خشبية، فيما أكدت الفتاتين أن أم سياف هي من اصطحبت السيدة مولر بعيدًا لكي يتم اغتصابها على يد رجل يدعى أبو خالد.
وعن مداهمة القوات الأميركية للمنزل الذي كانت تتواجد داخله جليلة، قالت إنها ذات يوم حينما كانت تجلس بمفردها في حجرتها المغلقة، سمعت ضجة شديدة وكان الظلام الدامس يخيم على المكان بعدما تم قطع التيار الكهربائي، وأول ما تتذكره هو دخول أبو سياف وزوجته عليها وهم في حالة ذعر، في الوقت الذي قالت لها أم سياف بأنه يتوجب المغادرة واصطحابها معهما.
وبعدها بلحظات اقتحمت الغرفة قوات تحمل أسلحة ثقيلة ويرتدون سترات عسكرية، وعندما حاول أبو سياف مقاومتهم أطلقوا عليه وابلًا من النيران سقط على إثرها فورًا على الأرض ميتًا، ثم جاء يسألها أحد هؤلاء الجنود عن رغبتها إذا ما أرادت بأن تأتي معهم وكانت إجابتها بالموافقة.
ونفت جليلة ما أدلى به مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية لصحيفة "نيويورك تايمز"، من أن أبو سياف استخدم الأطفال والنساء داخل المبني كدروع بشرية، حيث لم يكن هناك سوى مقاتل آخر منتمي لجماعة "داعش" ويدعى أبو تميم والذي أجهزت عليه القوات الخاصة المؤلفة من 50 جنديًا وأسقطوه قتيلًا خلال عملية المداهمة إلى جانب شقيقته وزوج شقيقته.
ولم يصاحب مقتل أبو سياف أي ردة فعل من زوجته التي لجأت إلى حيلة وهي إخبار الجنود بأنها ايزيدية ولكن جليلة أنكرت ذلك عندما تم سؤالها للتأكد من صحة ذلك، حيث قالت للجنود بأنها تدعى أم سياف، ولم يكن خروج القوات من المنزل سهلًت بعدما اعترضهم نيران أحد الجهاديين، واستغرق وصولهم إلى المكان الذي تقلهم من عنده المروحية التي أوصلتهم إلى هناك حوالي نصف الساعة.
وأعربت جليلة عن امتنانها لأميركا وبصفة خاصة لهؤلاء الجنود الذين أنقذوا حياتها، وبعد قضائها أكثر من أسبوع عرضت خلاله على طبيب، عادت إلى الحياة مرة أخرى إلي جانب شقيقتها الأكبر في مكان ما شمالي العراق، فيما عادت أم سياف إلى مقر احتجازها التابع للحكومة الإقليمية الكردية في العراق في انتظار محاكمتها علنيًا للاشتباه في كونها تلعب دورًا مهمًا داخل جماعة "داعش" المتطرفة.