لندن ـ كاتيا حداد
حكم قاض مصري على ثلاثة من صحافيي "الجزيرة" بالسجن لمدة ثلاثة أعوام السبت، بسبب عملهم لدى قناة "الجزيرة الإنجليزية"، وسط تنديد منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإخبارية بالحكم، واعتباره اعتداء على حرية الصحافة.
وكان هذا هو الحكم الأخير في معركة قانونية استمرت لمدة 20 شهرًا اتهم فيها الصحافيين محمد فهمي وباهر محمد وبيتر غرستي، وسُجنوا أكثر من 400 يوم.
ويأتي هذا الحكم في ظل حالة من تراجع حرية الإعلام في مصر خلال العامين الماضيين، منذ الإطاحة العسكرية بالرئيس السابق محمد مرسي من الحكم.
وذكرت المحامية الدولية آمال كولوني في حديثها للصحافيين بعد النطق بالحكم: "يبعث هذا الحكم رسالة خطيرة عن الأوضاع في مصر، حيث يمكن توقيف الصحافيين فقط لأنهم يؤدون عملهم أو ينقلون الحقيقة أو يغطون الأخبار، ويوجه الحكم رسالة خطيرة مفاداها وجود قضاة في مصر يسمحون للمحكمة أن تصبح أداة للقمع السياسي والدعاية".
وقرأ القاضي حسن فريد منطوق الحكم في ختام إعادة المحاكمة عبر الميكروفون في قاعة المحكمة في سجن "طرة" في القاهرة، وأفاد فريد بأن المحكمة ترى أن هؤلاء ليسوا صحافيين في إشارة إلى كونهم غير مسجلين لدى نقابة الصحافيين في مصر، وهي خطوة غير مطلوبة من الصحافيين الأجانب.
وأثارت كلمات القاضي رد فعل فوضوي بين الحضور من صحافيين ودبلوماسيين أجانب وأفراد الأسر المتهمين، حيث غادر بعضهم القاعة فيما بكت زوجة الصحافي فهمي بشكل واضح، ووضع الصحفيان فهمي ومحمد في القفص الزجاجي المعدني داخل قاعة المحكمة أثناء مشاهدتهم لإجراءات المحاكمة السبت.
وأدين الصحافي بيتر غريستي غيابيًا بعد ترحيله إلى موطنه الأصلي أستراليا أوائل شباط / فبراير، بينما عوقب الصحافي المصري محمد الذي يعمل منتجًا لدى قناة "الجزيرة الإنجليزية" بالحبس لمدة ستة أشهر إضافية.
وعلّق غريستي على الأحكام القمعية لتليفزيون "اي بي سي" خلال لقاء معه: "لم تقدم النيابة أي دليل على أننا فعلنا أي شيء خاطئ، إنه أمر مفجع أن ندان بكوننا متطرفين دون دليل، علينا أن نواصل المواجهة ".
وأضاف غريستي أنه كان يخشى وجود أسباب سياسية خلف الأمر، موضحًا أنه كان يمكن الإدلاء بهذا بدون وقت إضافي بعد الأشهر التي انقضت بالفعل في السجن.
وكشف الصحافي أنه لم يستطع الاستئناف لأنه لا يمكن له الظهور بشكل شخصي في محكمة مصرية، موضحًا أنه سيتحدث مع محاميه الخاص لمعرفة كيفية المضي قدمًا في القضية، ومؤكدًا أنه سيتبع جميع الوسائل القانونية لديه.
وأعربت وزير الخارجية الأسترالية جولي بيشوب، عن استيائها من الحكم على غريستي السبت، مشيرة إلى أنها نتيجة مؤلمة للصحافي وعائلته ومؤيديه، وأن عقوبة السجن كانت غير متوقعة قبل جلسة السبت.
وكشف فهمي عن تفاؤله الحذر من احتمالية اتهامه هو وزملائه بارتكاب انتهاكات إدارية مع تبرئتهم من التهم الأكثر خطورة، ويحمل فهمي الذي عمل مديرًا لمكتب قناة "الجزيرة الإنجليزية" الجنسية الكندية وكان يأمل في العودة إلى بلده بعد تبرئته.
وتداعت العناصر الأساسية لحجة النيابة العامة أثناء إعادة المحاكمة لهذا العام، وفي انعكاس لنتائج المحاكمة الأولية قضت لجنة من الخبراء باحتمالية بث الصحافيين المتهمين أخبار ملفقة، وكان هذا هو الإدعاء الأساسي للنيابة العامة.
وصرّح عادل شقيق فهمي، وهو يقف خارج قاعة المحكمة: "أشعر بصدمة شديدة، كان أملي الوحيد هو الترحيل، لا يوجد شيء منطقي في هذه المحاكمة على الإطلاق، كل شيء كان يشير نحو البراءة السبت".
ويذكر أنه تم توقيف الصحافيين الثلاثة في كانون الأول / ديسمبر 2013، واتهموا ببث تقارير كاذبة والتواطؤ مع جماعة "الإخوان" المسلمين المحظورة في مصر باعتبارها جماعة متطرفة.
واعتقل الصحافيين بعد مداهمة فندق "ماريوت" في القاهرة، وبث رجال الأمن لقطات لاستجواب فهمي وغريستي أثناء توقيفهما في التليفزيون، ووصفت وسائل الإعلام الموالية للحكومة المصرية الصحافيين الثلاثة بـ "خلية الماريوت".
ووصف النقاد، المحاكمة الأولية بـ "الدرامية" حيث شغّل المدعون مقاطع لحصان يجري من "سكاي نيوز العربية" ومقطعًا موسيقيًا لأغنية "صمبودي ذات آي يوزد تو نو" للمطرب غوتاي.
وحكمت المحكمة على الصحافيين الثلاثة بالسجن لمدة تتراوح بين 7 إلى 10 أعوام في عام 2014، إلا أن الحكومات الأجنبية والمؤسسات الإخبارية نددت بالحكم على نطاق واسع، وأمرت محكمة الاستئناف بإعادة المحاكمة في كانون الأول / ديسمبر عام 2014 بعد أن قضى المتهمون أكثر من 400 يوم في السجن، وتم ترحيل الصحافي غريستي وأطلق سراح فهمي ومحمد بكفالة في شباط / فبراير.
واعتبرت منظمة "العفو الدولية" الأحكام "هزلية" ووصفتها بمؤشر يدق ناقوس موت حرية التعبير في مصر، وتحدث مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "العفو الدولية" فيليب لوثر في بيان السبت: "إن الاتهامات الموجهة لمحمد فهمي وباهر محمد وبيتر غريستي مسيئة ولا أساس لها من الصحة، ولم يكن ينبغي توقيفهم ومحاكمتهم في الأساس".
ووثّقت الجماعات الحقوقية تدهور حرية الإعلام في مصر منذ الإطاحة بمرسي عام 2013 بعد استيلاء الجيش على السلطة، حيث أغلقت الدولة بعض وكالات الأنباء واعتقلت عددًا كبيرًا من الصحافيين.
وأعلنت لجنة "حماية الصحافيين" ومقرها نيويورك عن وجود ما لا يقل عن 18 من العاملين في وسائل الإعلام داخل السجن في مصر منذ حزيران / يونيو 2015، وهو أعلى رقم رصدته اللجنة منذ عام 1990.
ونأى فهمي بنفسه عن قناة "الجزيرة" متهمًا الشبكة بوضعه وزملائه في الخطر والكذب بشأن الوضع القانوني للقناة في مصر، فضلًا عن تحيز القناة لصالح "الإسلاميين"، موضحًا أنه سيقاضي شبكة "الجزيرة" بسبب الأضرار التي لحقت به في محكمة كندية.
وذكرت الممثلة القانونية عن فهمي المحامية كلوني: "أعقد مع السفير الكندي سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين في الحكومة المصرية بهدف ترحيل فهمي إلى كندا والعفو الكامل عنه".
وعلّق القائم بأعمال مدير عام شبكة "الجزيرة" الإعلامية الدكتور مصطفى سواق في بيان له: "يمثل الحكم الصادر السبت هجومًا متعمدًا على حرية الصحافة، إنه يوم مظلم بالنسبة للقضاء المصري، فبدلًا من الدفاع عن حرية وسائل الإعلام الحرة والنزيهة فإنهم يعتبرون استقلالها خطرًا لأسباب سياسية".