عمار علي حسن
ما إن تبدأ فى قراءة السطور الأولى لرواية الكاتبة انتصار عبدالمنعم، التى أعطتها عنوان «جامعة المشير.. مائة عام من الفوضى» حتى تصطدم بنبوءة كابوسية تعاند حركة التاريخ، وآمال الناس، وأحلام الثوار، وأمانى من ضحوا بأرواحهم فى ساحات الاحتجاج، وتتساوق مع ما ينشر عن مؤامرة غربية لتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات، بلاد النوبة فى الجنوب، وأخرى للمسيحيين أسمتها المؤلفة «قبطستان» ودويلة ثالثة، وهنا تكون الفجيعة الكبرى، تندمج فيها مصر وإسرائيل، فتحل «نجمة داود» محل النسر فى علم مصر الحالى بألوانه الثلاثة، لتصير هى راية تلك الدويلة المتخيلة. هناك نوعان من النبوءات، نبوءة محققة لذاتها، حيث يحدث بالفعل ما تنطوى عليه من توقعات، ونبوءة هازمة لذاتها، وهى تلك التى تحمل تحذيراً من أمور معينة، فيؤخذ التحذير على محمل الجد، لتوضع الخطط وتصاغ السياسات التى تعمل على تفاديها. وقد لعب الأدب دوراً مهماً فى طرح النبوءتين على السواء، وهناك الكثير من الأعمال الأدبية، العربية والأجنبية، التى تبرهن على وظيفة الأدب فى إثراء الخيال الاجتماعى والسياسى، من أمثال روايتى الأديب الفرنسى رابليه: «جورجونتوا» و«بانتاجيوريل» ورواية الأديب البريطانى جوناثان سويفت «رحلات جاليفر»، ورواية ألدوس هكسلى «عالم جديد شجاع»، ورواية هـ. ج. ولز «شكل الأشياء فى المستقبل»، ورواية جورج أورويل «1984» ورواية نجيب محفوظ «رحلة ابن فطومة» ورواية جمال الغيطانى القصيرة «أوراق شاب عاش منذ ألف عام»، ومسرحيتى شكسبير «الليلة الثانية عشرة»، و«حلم ليلة صيف»، ومسرحية توفيق الحكيم «رحلة إلى الغد»، ومسرحيات يوسف إدريس «الفرافير» و«الجنس الثالث» و«المهزلة الأرضية». وأحسب أن رواية «انتصار»، تتقاطع أحياناً مع رواية أورويل «1984» التى تنبأ فيها بسيطرة قوة كبيرة على العالم تتقاسم مساحته، وتحول البشر إلى مجرد أرقام فى «جمهورية الأخ الكبير» الشمولية، التى تعد عليهم أنفاسهم عبر التحكم الإلكترونى، بعد أن تتحول القيم الإنسانية النبيلة إلى أمور تافهة، وتصبح الحياة خالية من العواطف والأحلام، ويتصرّف البشر كأنهم آلات صماء، لكن «جامعة المشير» تبدو من «النبوءات الهازمة لذاتها» وإلا عدت تعبيراً عميقاً عن قنوط شديد حيال مستقبل الثورة والدولة معاً، لا سيما أن الكاتبة انتهت من تأليفها فى أكتوبر 2012، حين كان الإخوان قد قبضوا على زمام السلطة فى مصر، وحولوا الثورة، التى خانوها، إلى مجرد أداة لتحقيق مشروعهم الخاص، بعيداً عما طالب به الشعب المصرى وكافح من أجله. لقد حاولت الكاتبة فى روايتها تلك، وهى الثانية لها بعد «لم تذكرهم نشرة الأخبار» إلى جانب مجموعتين قصصيتين هما «نوبة رجوع» و«عندما تستيقظ الأنثى»، أن تتجاوز تفاصيل «الآنى» فى الثورة المصرية بتوقع «الآتى»، لكن ربما جنح بها الخيال ليجعلها تعاند تقدم التاريخ، وتقع فى أحابيل التشاؤم الذى عبّر عنه أمل دنقل ذات يوم قائلاً: «لا تحلموا بعالم سعيد/ فخلف كل قيصر يموت/ قيصر جديد»، فمن عباءة هذا البيت، وأحداث الثورة المشبعة بالتفاصيل وخيال أوريل وتجربة المؤلفة الذاتية وقدرتها على التخييل، جاءت هذه الرواية، التى ستنضم إلى مصاف أدب الثورة المصرية الذى يتوالى بلا انقطاع، شعراً ونثراً. لكن ما مضمون الرواية وموضع النبوءة فيها، هذا ما سنشرحه غداً إن شاء الله تعالى.