لوجو موقع تونس اليوم

يُسمع عن محمد حماقي فنّه أولاً قبل الثرثرة حوله. لا يستغرق البحث عنه وقتاً يستغرقه بحث عن أسماء تورّطها بلبلة مُفتعلة بتصدُّر مفاتيح «غوغل». تحضر أعماله ونجاحاته. وما هو الأهم: أخلاقه. هي زوادته والدافع خلف احترام الذات والآخرين. الكتابة عن حماقي ذريعتها إطلاقه أغنيتين من ألبومه الجديد، لكن حقيقتها كونه فناناً راقياً، لا يزحف وراء «ترند» مجاني. الضوء على المجهود، لا على المبالغة في التسلّق والتعمشق. ليس في حاجة إلى «شهرة بأي ثمن»، فهو يحققها بثمن واحد: التعب مقابل الوصول. حتى حين انفصل عن زوجته، حافظ على دفء اللسان وآداب العِشرة. وحين عادا، بعد الدرس والشوق، قدّما عبرة عن العلاقات النظيفة وحُسن الخُلق.
يُصدر أغنيتين والمزيد على الطريق. اسم ألبومه المقبل «يا فاتني»، ولم يفته أن يشكّل مثالاً للفنان المحترم، منذ «ذا فويس» و«ذا فويس كيدز»، وعلى حسابات التواصل، حيث بعض النجوم ينزلقون وفي أحسن الأحوال يرتكبون هفوة. حماقي يحمي نفسه بالشبع. فهو ليس من فئة تلتهم الفتات لغياب الوجبة الرئيسية. أو تقحم الأنف في مواقف توقظ أوكار الدبابير. لا يحتاج إلى «تنازل» مذل كهذا. لديه فنّه، يرحّب به ويبسط له المائدة. ولديه هدوء يُبقي العصف المُضخّم جانباً، لعلمه بضرره الجانبي وخرابه. يقدّم الأغنية ولا يتعمّد رشّها بما يضرّ بالسمعة وينزله من مرتبته. «زيها مين»، أولى أغنيات الألبوم؛ من كلمات عزيز الشافعي وألحانه وتوزيع توما. «طبعاً حقها تدلع، تتبغدد قوي تتمنّع»، والهضامة بالكمية. «لو حتسيب»، ثاني أغنيات الألبوم. الكلمات لتامر حسين، الألحان والتوزيع لأحمد إبراهيم. «حبيبي وانت ماشي خد معاك حكايات، خد مواضيعنا والذكرى اللي عشناها»، ويتساءل العاشق الجريح «عايزني يا حبيبي أخلّي بالي من مين؟». مُجدِّد، يقطف في أوان القطف. يخمّره فيُلذّذ طعمه، مُبعداً النكهات عن التشابه والتقليد والعفونة.
أغنيتان، لكل مزاج، فالإيقاعات الراقصة لها لحظاتها، والآهات واللهفة لها غير لحظة. «حلوة وبتحلي أي مكان وتنوّره، والله ما تلاقوا زيها لفّوا الدنيا ودوّروا»، ردِّد إن أفرحك الحب وترك فيك من الورد لونها وعطرها؛ وإن ترك الشوك، فغادر الحبيب أو انكفأ، تلوّع القلب ولك العون في اللوعة: «لو حتسيب موافقك عادي بس تسبني بشروطي، ما تتعبنيش كأنك ناوي على موتي». الرجاء، أيها المعشوق، الأخذ في الاعتبار نزف العاشق والخبطة الموجعة على رأسه.
تبارك إليسا لزميلها في «ذا فويس» جديده «الأغنية إدماني». فيردّ اللطف باللطف «إنتِ إدماني». «السوشيال ميديا» للأخلاق، وللقطات من النجاح الكبير. امتلأت المقاعد بالمحبّين في حفل جدة، وهيّص الفرحون بالنجم والأغنيات. على جانب من البحر الأحمر، راح فنان من مصر يخفف عن الناس. في الفنانين، الصادقين لا المدّعين، طاقة على جعل الحياة تمضي على نحو أفضل. فالأغنية حين لا تتقنّع ولا تتصنّع، تلمس مواضع الداخل حيث المواجع. وتبلسم حيث الجروح عميقة والندوب قديمة. لا ادّعاء على الإطلاق بأنّ حماقي يقدّم «الأطلال» ويغنّي «أنت عمري». لكنه لا يفرّط بأوراق رابحة يرفعها في وجه التفاهة و«الطقطقة». الزمن يتغيّر، الثابت هو المستوى.
انتهت المشاركة بالموسمين الرابع والخامس من «ذا فويس» والموسم الثالث من «ذا فويس كيدز» بتأكيد مكانة النجم ودقّة ملاحظاته. لم يبالغ ولم يفتعل. لم يعلّق ليعلّق، بل ليُحسّن ويصوّب. هيبة الرصانة والتروّي في الخيارات. كان عضو اللجنة المناسب على الكرسي المناسب. مع النضج ومع الطفولة. وهي امتحان صعب، لا يتجاوزه كل مدرّب. نجح حماقي الأب بعلامات عالية.
ما سرّ الفنان، عدا الموهبة اللمّاعة؟ سرّان: العفوية والصدق. يُعرف المنافقون ويُعرف المفتعلون. فسماتهم في وجوههم وتغريداتهم. لا تستخف بالمكتوب على حسابات الفنان، فهي مرآته. وحماقي يلمّع المرايا ويجعلها أقرب إلى الحقيقة.
أبقى المجالس بالأمانات حين انفصل عن زوجته وأم ابنته، ولم يثأر على طريقة البعض في عرض المساوئ. فسّر الأمر بأنه أزمة خلاف، وكل طرف يلقي اللوم على الآخر، فإذا بالفراق يطرح نفسه حلاً على الطاولة. تردد آنذاك أنّ الفنان أهدى الزوجة «ما بلاش»، واحدة من أجمل أغنياته. عامان تقريباً مرَّا على قلبين يتعطشان للجَمعة والاستمرار الأبدي. وحين أدركا أنّ الزواج طعمان: الحلو والمر، تقبّلا الحياة بحلوها ومرها. عادا إلى بناء أسرة وفكفكة خلافات الماضي. عادا إلى «علاقة أكثر قوة». يوصّفها الفنان، من دون تفاصيل إضافية. يُطلع جمهوره وينتهي الأمر. لا يشرّع الأبواب تماماً على الخصوصية.
يشق نافذة وفق مبدأ أنّ لجمهوره حقاً عليه. منذ المصالحة، والإنترنت لا يطارده بأخبار متعلّقة بما يجري في الغرف. ما يُسجّل في الاستوديو وما يُغنّى بالحفلات فقط.
نيله جائزة «إم تي في» للموسيقى الأوروبية لأفضل فنان في الشرق الأوسط لعام 2010 وجوائز غيرها، لا يُغري صاحب «بحبك كل يوم أكتر» سوى بمزيد من الحرص. حرصٌ على الفن وعلى فنّه. على الصورة وعلى صورته. على المستوى وعلى مستواه. فنان بأخلاقه وأغنياته وصوته.

قد يهمك ايضا 

«حماقي» يتألق بحفل اليوم الوطنى السعودى الـ90

محمد حماقي يتعرض للإحراج على المسرح في اليوم الوطني السعودي