اختتمت فعاليات الدورة الـ11 لمؤتمر المغتربين العراقيين، الإثنين، في مدينة أوفيدو الإسبانية، بوضع أهداف طموحة لتعبئة جهود المغتربين وتوعية الشعب العراقي للمشاركة في إنقاذ البلاد. ووضع المؤتمر خططًا للتحرك في المحافل الدولية، لإعطاء صورة حقيقية عن طموحات الشعب العراقي، إضافة إلى العزم على انتظام عقد المؤتمر سنويًا، بعد انقطاعات كثيرة منذ انطلاق أول مؤتمر، في بداية تسعينات القرن الماضي.
وأفرد اليوم الثاني حيّزًا واسعا للقضايا العربية، بينها مناقشة مستقبل الأقطار العربية في ظل متغيّرات السياسة الدولية، وجلسة أخرى بعنوان "هموم عربية". وغلب الخطاب السياسي التقليدي على معظم المتحدثين، وجرى الحديث عن إنجازات بعض الأنظمة السابقة، مثل عهد الزعيم الليبي معمر القذافي، دون تقديم رؤية واضحة تتفاعل مع المتغيّرات الدولية.
وعلى مدى أيّام المؤتمر، استأثرت قضية الأحواز بجانب كبير من الجلسات، وبعدد كبير من المتحدثين، الذين ربطوا التدخل والنفوذ الإيراني في العراق بقضية الأحواز. وشهد اليوم الثاني مناقشة دور وسائل الإعلام في الوصول إلى الشعب العراقي في الداخل، وجاليات المغتربين في الخارج، لتعبئة الجهود في إطار وطني يخدم العراق.
وقدّم المتحدث الرئيسي، الكاتب والإعلامي هارون محمد، لمحة سريعة عن الزلازل التي أصابت خارطة العمل الإعلامي، والعدد الهائل من المنابر المأجورة المدعومة بأجندات القوى الإقليمية، وخاصة إيران. وقال صباح ناهي: "الإعلام يتغيّر بسرعة خارقة، ونحن لا نواكب صيغ الإعلام الجديد ولا نعترف بأنه أصبح يصل إلى أعداد أكبر من جمهور وسائل الإعلام التقليدية". وأشار إلى انفجار وسائل الإعلام بعد الغزو الأميركي، ليتضاعف ليصل عدد العاملين إلى 40 ضعفًا بين ليلة وضحاها، ودخلت جيوش من العاملين الذين لا علاقة لهم بمهنة الصحافة.
وعُقدت جلسة أخرى بعنوان "الدين العام الأميركي وآثاره المدمرة - ترامب والقوى الخفية"، تحدّث خلالها الأكاديمي محمد طاقة، وحفلت بـ"نظريات مؤامرة" كثيرة، تؤكد أن الشركات الكبرى الأميركية هي التي أوصلت دونالد ترامب إلى السلطة، رغم أنها في الواقع ترتعد من سياساته الحمائية. وهيمنت النقاشات العملية على جلسات اليوم الأخير، مثل أوضاع الجاليات، وواقع الأوضاع الصحية والتعليمية في العراق وسبل تخفيف الأوضاع القاسية للمهجّرين في الداخل والخارج، كما عُقدت جلسة بعنوان "الشباب العرب المغتربين طاقات كبيرة يجب أن تستثمر"، وتميّزت بروح عملية بعيدة عن الشعارات السياسية، وحظيت باهتمام أكبر من قبل المشاركين، وأعطت بعدًا جديدًا لأعمال المؤتمر.
وقال كثير من المشاركين إن تلك الجلسة كانت من أهم أحداث المؤتمر، وتحدث خلالها نحو عشرة شباب من الكفاءات الناجحة في البلدان التي يقيمون فيها. وذهب المتحدثون مباشرة إلى الخطوات العملية لجمع الطاقات في إطار منظمة للشباب المغتربين، والتحرك في المحافل الدولية وتقديم صورة جديدة عن العراق. وتمكّن الشباب من إخراج المؤتمر من أجواء الشعارات والخطابات السياسية إلى سبل تحقيق نتائج ملموسة، كما تمكّنوا من إلهاب حماس المشاركين بدرجة تفوق جميع الجلسات الأخرى.
واقترحت الشابة رؤى الشيخلي تنظيم نشاطات ومجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، لتحقيق نتائج عملية على صعيد نشاط المغتربين، وسبل التأثير في أوضاع العراق في الداخل. وتحدثت تبارك البرزنجي، المقيمة في بلجيكا، بشكل مؤثر عن زيارتها للعراق، ومشاهداتها التي ألهبت حماسها لتقديم أقصى ما تستطيع لخدمته. والتقط خضير المرشدي مقترحات الشباب، ودعا إلى العمل بشكل منظم لزيادة حضورهم ودورهم في جميع النشاطات والمؤتمرات المقبلة، وإنشاء إطار تنظيمي لهم وعقد مؤتمر سنوي.
وفِي جلسة أخرى، تحدّث ممثلو الجاليات في عدد كبير من دول العالم، وانتقد ممثل المغتربين في أستراليا الحديث عن العرب والأقليات، وقال: "إننا جميعًا عراقيون فقط". وتضمن البيان الختامي عددًا من الأهداف الطموحة، دون توضيح سبل تنفيذها، مثل إنشاء قناة تلفزيونية باسم المغترب العراقي أو العربي، وتشكيل مجموعات ضغط عراقية وعربية ودولية. كما تم انتخاب أمانة عامة جديدة للمؤتمر.
وتضمن جدول الأعمال، على مدى ثلاثة أيام، عشرات المحاور التي دار حولها عدد كبير من الفعاليات وجلسات الحوار، وتواصلت على مدى ما يصل أحيانا إلى 10 ساعات يوميًا. وشهدت جلسة افتتاح المؤتمر، الذي عقد تحت شعار "حبنا للعراق وجذورنا فيه أينما نكون"، حضور نحو 300 شخصية، بينها نحو 50 من ممثلي المنظمات الأجنبية والعربية المعنية بالقضايا الإنسانية، إضافة إلى ممثلي عدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية.
وبدا حضور "حزب البعث" واضحًا في الجلسة الافتتاحية، من خلال الأناشيد الوطنية المرتبطة بتلك المرحلة، واستخدام علم العراق السابق، وعزف النشيد الوطني السابق، ووضع صورة الرئيس الأسبق، صدام حسين، على شاشة كبيرة في خلفية بعض الجلسات، لكن ذلك تراجع في اليومين اللاحقين.
وتحدث خلال المؤتمر عدد كبير من ممثلي منظمات أجنبية، من إسبانيا وألمانيا والبرتغال وبلجيكا ودول أخرى، وعشرات المشاركين من معظم الدول العربية، إضافة إلى الأحواز. وغلب على كلمات المشاركين الأجانب التنديد بسياسات البلدان الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، ومسؤوليتها عن الدمار الذي لحق بالعراق والمنطقة العربية، منذ غزو العراق في 2003. وتمنى البعض من المشاركين المستقلين تخفيف نبرة الحماس السياسي الحزبي، للسماح بضم جهود الشرائح الأوسع من المغتربين، وفتح نوافذ للتواصل مع الشرائح المعارضة والرافضة للنظام الطائفي في الداخل.
وتجرأ البعض من المتحدثين على الخروج عن الخطاب السياسي المهيمن، ونقد أخطاء الماضي، وأكدوا ضرورة الانفتاح على الأطراف الوطنية من الشباب في داخل العراق، لكي لا تبقى الأطراف المشاركة منغلقة على الماضي. وقال عبد الأمير الأنباري، ممثل العراق الأسبق في الأمم المتحدة، إن المتحدثين عن المصالحة اليوم هم جوهر أسباب الصراع الحالي. وأكد أن الشعب العراقي متضامن ولا يحتاج إلى مصالحة، إذا زالت تلك القوى الطائفية.
وحظي المؤتمر بدعم كبير من سلطات إقليم أستورياس الإسباني، الذي حضر كبار مسؤوليه جلسة الافتتاح، حيث إن لديه سجل طويل في علاقات الصداقة والدفاع عن القضايا العربية، وسبق أن استضاف الكثير من النشاطات المرتبطة بالعالم العربي. وركزت كلمات مسؤولي الإقليم ولجنة دعم القضايا العربية في إسبانيا، التي تأسست في ثمانينات القرن الماضي، على دعمها الكبير لجميع الجهود الإنسانية التي تدعم ثقافة إرساء السلام والاستقرار والحقوق المدنية، في جميع أنحاء العالم، كما كان حجم الدعم الذي قدّمه الإقليم واضحًا في ترتيبات انعقاد الموتمر، في أفخم وأكبر مركز للمؤتمرات في الإقليم، والعدد الكبير من الموظفين الذين وفّروا جميع التسهيلات الممكنة للمؤتمر.
أرسل تعليقك