بكين ـ شينخوا
انتهى عام 2013 والمنافسة مازالت مستمرة لتحقيق رقم قياسي لبناء أطول ناطحة سحاب في المناطق الصينية المختلفة والعالم أجمع.
وأظهرت أحدث الأرقام الواردة في "تقرير مدن ناطحات سحاب" الصادر فى عام 2012، إن عدد ناطحات السحاب في الصين بلغ 470 ، بينما وصل عددها في أميركا 533، بحسب المعيار الأميركي لتعريف ناطحة سحاب، أي بناء يفوق طوله 152 مترا.
وفي نفس الوقت، تشكل ناطحات السحاب قيد البناء في الصين 87 بالمئة من إجمالي ناطحات السحاب قيد البناء في العالم بأسره، ومن المتوقع أن يصل العدد الإجمالي لناطحات السحاب في الصين إلى 1318 في عام 2022، ما يعادل 2.5 مرات مقارنة بما في الولايات المتحدة.
واجتاح تيار بناء ناطحات السحاب الذي بدء في ثلاثينات القرن الماضي في أميركا اجتياحًا أعدى من الثؤباء في مختلف القارات، وتتصدر قائمة أطول عشر ناطحات سحاب في العالم حتى عام 2013 الصين والإمارات العربية المتحدة.
يشتهر برج خليفة في إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة بصفته البرج الأعلى في العالم، حيث بني على ارتفاع 828 مترًا، ويليه برج شانغهاي الذي يبلغ ارتفاعه 632 مترًا في مدينة شانغهاي، المركز المالي للصين باعتباره أعلى بناء في الصين.
وهرولت المدن الصينية الأخرى بلهفة إلى المنافسة على بناء ناطحات سحاب على قدم وساق خلال السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تحتل ناطحات السحاب الأخرى في مدن ووهان وقوانغدونغ وتشينغداو وهونان محل برج شانغهاي لتصبح البناء الأعلى في الصين وحتى في العالم كله في وقت غير بعيد.
الجدير بالذكر إن الصين شرعت ببناء أعلى ناطحة سحاب في العالم ويزيد ارتفاعها عن برج خليفة بعشرة أمتار خلال سنة واحدة ويطلق عليها اسم "سكاي سيتي" في مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان وسط الصين باستثمار 9 مليارات يوان صيني أو ما يعادل1.4 مليار دولار أمريكي، وتتوقع الشركة المكلفة بتشييد ناطحة السحاب هذه أن عملية البناء لن تستغرق أكثر من 4 أشهر، وستنتهي أعمال البناء في إبريل من عام 2014، كما تعهدت بأن تمتد مدة استخدامها إلى 500 عام، حيث ستكون لها القدرة على مقاومة زلزال تصل قوته إلى تسع درجات.
وبدأت مدينة تشينغداو بتصميم طموح لبناء "سكاي سيتي الثاني" بارتفاع 1008 مترًا في الوقت الذي لم يهدأ فيه الجدل والقلق على "سكاي سيتي".
واعتزمت المملكة العربية السعودية المشاركة في المنافسة على بناء ناطحة سحاب بعد ان بدأت في بناء برج المملكة في جدة بالمملكة العربية السعودية منذ يناير عام 2012، ومن المخطط أن يتم بناؤه على ارتفاع يفوق الكيلومتر في الهواء ليكون أعلى برج في العالم.
وهناك أسباب عديدة تدفع هذه المدن للتسابق على بناء ناطحات السحاب على الصعيد العالمي، بما في ذلك تزايد وتيرة الحضرنة وقلة الموارد الأرضية ، فقد أصبح استغلال المساحة المتاحة في الهواء ضروريا لزيادة أماكن المعيشة. علاوة على ذلك، من شأن تشييد "البناء الأعلى " أن يعزز شهرة علامة شركات البناء، وتحسين معالم المدن وحتى دفع التطور الاقتصادي المحلي.
أشار تانغ جون مدير تنفيذي لشركة قاوتيمي لصناعة المعلومات في مقالته المنشورة في المجلة الاقتصادية الأسبوعية الصينية إلى أن طموحات وأهداف الناس من بناء البنايات العالية مماثلة بغض النظر عن اختلاف المراحل التاريخية، وتتمثل الأهداف المشتركة في إظهار القوة الاقتصادية والمستوى التكنولوجي لمدنهم أو بلدانهم. مضيفا إلى أن اندفاع الصين خلف بناء ناطحات السحاب في الوقت الحالي متباين عن أميركا واليابان، فكانت مدينة نيويورك تحتاج إلى تشييد البنايات العالية لإظهار قوتها الاقتصادية والتكنولوجية في ثلاثينات القرن الماضي، بينما تحتاج اليابان إلى بناء المباني العالية كدليل على انتعاشها في الستينات بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يختلف عن الوضع الحالي في الصين، التي لم يكن الأمر لديها يتعدى مجرد التباهي بازدهارها السريع.
ويرى تانغ بأن ناطحة السحاب ليست الرمز الوحيد للتكنولوجيا والحداثة والقوة، فلا يهم ان يكون هناك ناطحات سحاب بالمدينة بقدر ما ان يكون هناك خدمات عامة مثل تخطيط المدينة والنقل والبيئة.
وقامت ناطحات السحاب على سطح الأرض واحدا تلوى الأخرى لتربط بين الأرض والسماء لتكون علامة رمزية للمدينة ،هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن تشغيل البناء وضمان الأمن بالإضافة إلى التكاليف الغالية لعملية البناء معضلة بالنسبة إلى ناطحة سحاب جاهزة بسبب طولها المرتفع الذي يشكل تحديات كبيرة لضمان جودة البناء والأمن فيه.
حيث يحتاج ضمان الأمن إلى تكاليف غالية تصميمًا وإنشاءًا وإشرافًا، فيمكن القول إن كل ناطحة سحاب هي جبل من الأموال .
إن الصعوبات والمشقات في بناء ناطحة سحاب وتشغيلها يوميا من ناحية، ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن تتورط المدن النشطة في بناء ناطحات السحاب في "تعويذة لورنس" في ظل الاندفاع القوي إلى بناء ناطحات السحاب.
يعجبنا أن نجد أن بناء ناطحات السحاب يصادف الركود الاقتصادي مرات كثيرة في التاريخ، مما لفت نظر الباحث الاقتصادي أندرو لورنس الذي أصدر نتيجة دراسته عام 1999 بعد إيجاده العلاقة بين توقيت بناء أطول ناطحة سحاب في العالم وتوقيت حدوث الدورات الاقتصادية، مشيرا إلى أنه يسبق كل انهيار اقتصادي رئيسي عملية بناء ناطحة سحاب كبرى في ذلك الوقت. واستخدم لورنس مؤشر ناطحة سحاب في توقعات توقيت انتهاء الازدهار الاقتصادي، ويطلق على نظريته هذه اسم "تعويذة لورنس".
يرى لورنس أن بناء ناطحات السحاب والبنايات العالية الأخرى يبدأ بوجه عام من مرحلة تتوفر فيها الأموال، إلا أن المرحلة ستنتهي عمومًا بانكماش الاقتصاد في نهاية المطاف.
وشرحت بعض المصادر التحليلية أن الصين تبنى ناطحات السحاب العالية في مختلفة المناطق خلال السنوات الأخيرة في فترة سهل عليها أن تحصل على الأموال المتوافرة،ولكن من الواضح أن الأموال ستصبح أقل في السنوات القادمة.
بينما هناك خبير يعتقد بأن تعويذة لورنس تعتمد على أساس المذهب التجريبي، فليس من المؤكد ما إذا كانت ناطحة سحاب هي المؤشر الصحيح لتنبأ انكماش اقتصادي.
وقال تشانغ يوي ليانغ، رجل أعمال شهير، إن تشييد أعلى ناطحة سحاب ليس من الضروري ان يليه ركود اقتصادي على الصعيد العالمي، ومن المنظور العالمي، فالاقتصاد العالمي مرهون إلى حد كبير بالنمو الاقتصادي الصيني، خاصة بعد الاجتماع الكامل الثالث للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني الذي وضع الاتجاه والخطط المعنية لتعميق الإصلاحات ، ما سيسهم في ازدهار الاقتصاد المستمر في الصين.
أرسل تعليقك