تناقضات عمّان كما يراها محمود الريماوي
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

تناقضات عمّان كما يراها محمود الريماوي

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - تناقضات عمّان كما يراها محمود الريماوي

بيروت ـ وكالات

"التحولات» هو العنوان الفرعيّ المفترض الذي لم يضعه الكاتب محمود الريماوي لمجموعته القصصية الجديدة «عودة عرار» (منشورات وزارة الثقافة الأردنية)، أو «تحولات عمّان» بالمعنى السلبي للتحول، والأقرب إلى معنى «الميتامورفوزيس» أو «المسخ» التي ذهب إليها أوفيد في كتابه الشهير الذي يحمل العنوان نفسه. أو كأنه «مسخ» كافكا الذي حوّل بطل روايته صرصاراً. هذا ملمح أساس في بنية قصص الريماوي كما نجدها هنا، في استعادته ملامح المدينة العاصمة بين زمنين، من خلال استعراض الماضي الذي يمتد ما يقارب أربعين أو خمسين عاماً، وصولاً إلى اللحظة الراهنة. في هذه المجموعة نجد أن الزمن بمروره وآثاره، والمكان وما جرى عليه من تغيير، هما بطلا المجموعة بامتياز، فالزمن بطل يحمل علامات البطل الثاني، المدينة وتحولاتها العميقة، والندوب التي تركها في جسدها، في شوارعها وبيوتها ومقاهيها، وفي البشر بالتالي. وما عودة عرار، وهو لقب الشاعر الأردني المعروف مصطفى وهبي التل (25 أيار - مايو 1899 – 24 أيار 1949)، سوى ذريعة فنية لاستعادة هذه المرحلة من حياة عمان خصوصاً، والأردن عموماً، أو جوانب وملامح من تلك المرحلة. وينجح الريماوي في اختيار هذا الشاعر لما يتوافر عليه من مواصفات تتيح للبناء السردي التنقل في محطات من حياته، من دون الوقوع في فخ كتابة سيرة له، والتجاوز نحو كتابة سيرة عمان/ الأردن وتحولاتهما من خلال هذه الشخصية الخلافية. في القصة التي تحمل المجموعة عنوانها، وهي المركزية فيها من حيث الفكرة وأسلوب معالجة، يرسم المؤلف الملامح الأساسية لشخصيته الرئيسة، ملامح خارجية تتعلق بالجسد والوجه والعينين والنظرات، وملامح داخلية ونفسانية وروحانية تمنح الشخصية أبعادها «الجوّانية» العميقة، التي تجعل منها شخصية مشاكسة ومتقلبة إلى حد ما، إضافة إلى البعد المتعلق بالتاريخ والظروف التي عاش فيها هذا الشاعر. يصف نفسه «أنا ذات نفسي اثنين. واحد أظهر فيه أمام الناس، أو يراني فيه الناس كما يحبون أن يروني. وواحد ثاني جُوّاي (داخلي). أنا الذي أمامك الثاني». أما التوصيف الخارجي، فشكله ينتمي إلى زمن آخر «كان يرتدى بذلة رمادية ربيعية فضفاضة بربطة عنق وردية، موشّحة بخطوط زرقاء رفيعة يظهر نصفها تحت الصديري، وقد سرّح شعره مع فرْق (خط) عند منتصف الرأس على طريقة أوروبية قديمة شاعت في الشرق أواسط القرن العشرين». وثمة توصيف واقعي للأمكنة «العمّانية» التي تتحرك فيها الشخوص، الشوارع والمقاهي والمطاعم والفنادق القديمة، في وسط المدينة، والكاتب يقدم عرار من خلال شخصين «صادفاه وسط الزحام، في أول شارع الهاشمي قرب الإشارة الضوئية أمام حلويات حبيبة»، يتمشى فيتمشيان معه لنرى مقهى الجامعة العربية... قبالة الجامع الحسيني، باتجاه مطعم الأوبرج قبالة شرفة مقهى السنترال. ويغوص عرار في المدينة ليكشف وجوه التحول، حيث كثرة الناس والسيارات اللامعة المتسارعة، ويتساءل مع نفسه: «من أين أتى كل هؤلاء، وكيف يعيشون، هل أصبحت الأردن غنية تُطعم كل هؤلاء الخلق؟»، ويسأل إذا كان الإنكليز وأبو حنيك (الجنرال كلوب باشا)، غادروا البلد. وحين يسألانه كيف رأى البلد؟ يجيب: «ما شاء الله عليها، كِبرت وعِمرت ومقلوبة قلب، صارت بلد ثانية... ما أسهل أن تتوه فيها، كأنك ضيف تزورها لأول مرة». وثمة ملمح بارز في شخصية عرار يتوقف عنده الريماوي مليّاً، هو خَمريّاته، ويختار من شعره ما يؤكد هذا الجانب، حين يتركه يتحدث عن «البيراء»، في حديث يمزج هذا الملمح بملمح آخر سياسي يتعلق بالاعتقال والنفي، فيقول «أنا أعرفها منذ نُفيت إلى العقبة وقبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها». تنطوي قصص الريماوي على مقدار من السخرية والخفة والملامح المتميزة لشخوصه، ملامح تلقي الضوء على الواقع الإنساني، وتركز كثيراً على عامل الزمن وتأثيره في البشر، كما تتكئ على اللغة البسيطة واستخدام العبارات الشائعة باللهجة المحكية، عناصر تبرز التحولات التي يمر بها الإنسان عبر الزمان والمكان، وتضغط على روحه بقــسوة. ويستحضر الكاتب أمكنة بعينها ليؤشر من خلالها إلى عمق التغيير الذي أصاب المدينة. يرصد من «الكوفي شــوب» بيوتاً قديمة، ومشــاعر عمــيقة ناجمة عن العلاقة مع «القديم»، وما افتقده الإنسان ثمناً لـ «التطور» المرعب. يرصد ريماوي المظاهر والظواهر البارزة في الحياة الأردنية، حياة المدينة، وتأمل فيها وفي إفرازاتها، و عمل على تشريح بِنْيتها. هذا ما يقدمه الريماوي عن مدينة لم يكتب عنها الكثير، على رغم مرور ما يقارب مئة عام على نشأتها المعاصرة. رصد وتأمل وتشريح تضع الأشياء والعناصر في علاقات تناقضية، القديم والجديد، اختفاء وظهور، طغيان المادة على الروح. غياب مظاهر حميمية، وبروز ثقافة جديدة. ثمة، مثلاً، غياب السينما، بما تعنيه من تواصل اجتماعي - ثقافي، وظهور الأفلام المنسوخة ليشاهدها الناس أفراداً في بيوتهم.    

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تناقضات عمّان كما يراها محمود الريماوي تناقضات عمّان كما يراها محمود الريماوي



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia