الشخصية العراقية للدكتور إبراهيم الحيدري
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

"الشخصية العراقية" للدكتور إبراهيم الحيدري

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - "الشخصية العراقية" للدكتور إبراهيم الحيدري

بغداد ـ وكالات

صدر للباحث الاجتماعي العراقي الدكتور إبراهيم الحيدري الجزء الأول من كتاب الشخصية العراقية -البحث عن الهوية عن دار التنوير، بيروت 2013 في 296 صفحة. والكتاب محاولة جادة لدراسة الشخصية العراقية وتحليلها تحليلا سوسيو-ثقافيا وتفكيك مكوناتها وعناصرها الأولية وتشخيص خصائصها وسماتها الثابتة والمتغيرة وفق ما استجد من تغيرات وتحولات بنيوية خلال العقود الأخيرة، وكذلك معرفة أسباب المحنة والانكسار الذي أصاب الشخصية العراقية بعد تعرضها الى انتهاكات فظيعة على طول التاريخ، وبخاصة تحت حكم النظام الشمولي السابق ومن ثم الغزو والاحتلال، وهو ما عرض ثوابت الشخصية العراقية الى هزات عميقة تشير الى ضعف بنية الشخصية وانقسامها على ذاتها الى واحدة متسلطة قامعة وأخرى نكوصية عاجزة. فمنذ تشكيل الدولة العراقية والعراق أمة تبحث عن دولة ودولة تبحث عن هوية وهو ما يدفع الى بحث العوامل والأسباب الذاتية والموضوعية التي تتحكم فيها، انطلاقا من معرفة الذات ونقدها قبل الدفاع عنها وجلدها وتخطي معرفة الذات الى الآخر لمواجهة السلبيات بجرأة وشجاعة عن طريق النقد والنقد الذاتي. وعلى الرغم مما مر على العراق من كوارث ومحن، فقد بقيت الشخصية العراقية حيَ بناءة وانفعالية قلقة ومسالمة بطبيعتها، ولها قابلية على الصبر والتحمل وقدرة عالية على التكيف مع الظروف المتغيرة والتمسك بالحياة. والدليل على ذلك هو تجاوز العراقيين حربا أهلية طاحنة وصمودهم أمام نيات تدمير الوطن وتجزئته الى دويلات طوائف. يتعرض المؤلف في الجزء الأول الى دراسة التكوينات الاجتماعية المتنوعة والهويات المتعددة والثقافات الفرعية المختلفة والأجيال والنخب المتعاقبة وتحليل العوامل التي أثرت وتؤثر في انقسام الهوية الى هويات فرعية متصارعة في محاولة لاستشراف شخصية عراقية متكاملة وهوية وطنية واحدة. يتضمن الفصل الأول اطلالة تاريخية عن العراق ارضا ومجتمعا وحضارة انطلاقا من ان الباحث الاجتماعي إذا اراد معرفة حاضره واستشراف مستقبله لابد له من فهم ماضيه وتتبع مسيرته وتأشير المحطات التي توقف فيها الزمن او التي تحرك فيها وما حدث فيها من قطيعات حضارية وتحولات بنيوية وتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية مؤكدا على أهمية الفكر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وأنماط الإنتاج المتعايشة التي كان لها تأثير عميق على المجتمع وتشكيل شخصية الفرد العراقي. وفي الفصل الثاني تعرض المؤلف الى إشكالية الدولة وروح المواطنة  والهوية، اذ ان تشكيل الدولة العراقية عام 1921 كان نتاجا مشوها لنمط الهيمنة الكولونيالية آنذاك حيث تكون من جماعات تحالف تقليدي، من شيوخ العشائر وكبار الضباط في الجيش العثماني والأشراف وتجار المدن والأفندية الذين شكلوا نخبة سياسية غير منسجمة، لذلك عانى العراق وما يزال يعاني من ضعف الدولة وروح المواطنة والهوية مما انتج صراعات ايديولوجية واثنية وقبلية وطائفية، خصوصا وان العراق يمثل قطعة موزاييك فسيفسائية ملونة تمتاز مكوناته بالتعدد والتنوع والاختلاف وكذلك بالتسامح والتعايش فيما بينهم . قام المؤلف بتقسيم تاريخ العراق الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية الى ثلاث مراحل تمثل كل مرحلة منها جيلا.  الجيل الاول هو جيل التأسيس الذي يمتد من بداية القرن الماضي حتى الحرب العالمية الثانية. وقد سبقه جيل ما قبل التأسيس (جيل العمامة والطربوش) الذي وضع اللبنات الاولى لمشروع النهضة في العراق. والجيل الثاني هو جيل البناء الذي حاول بناء اسس عراق جديد كان يمكن ان يقود العراق الى الاستقرار والحداثة والتقدم الاجتماعي.  وقد ساعد ذلك الجيل على انتاج ملامح طبقة وسطى نامية اخذت على عاتقها بناء مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. وكادت فترة الخمسينات ان تكون فترة ذهبية في تاريخ العراق الحديث، غير ان نظام الملكية الكبيرة والعلاقات شبه الاقطاعية سبب نزوحا ريفيا واسعا الى المدن الكبيرة مما أنتج بطالة وبطالة مقنعة كان لها آثار وخيمة على المجتمع العراقي ما يزال يجني ثمارها  العراقيون حتى اليوم. اما الجيل الثالث فهو جيل الضياع، جيل الحرب والحصار، الذي انقسم بدوره الى جيل ما قبل صدام حسين، الذي حافظ على شخصية ذات سمات وخصائص ثابتة تقريبا، وجيل الضياع او جيل ما بعد صدام حسين، الذي نشأ وترعرع في ظل الحروب والحصار والقمع وتشوه الشخصية والذي لا يحمل سوى ذاكرة القتل والدمار. كما بحث المؤلف نشوء وتطور الطبقات الاجتماعية في العراق منذ نهاية القرن التاسع عشر وكذلك تطورها خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومساهمتها في بناء العراق وكذلك دورها في ثورة 14 تموز ثم ضمورها بعد صعود المؤسسة العسكرية الى السلطة ودخول العراق في الحرب العبثية مع إيران. وفي محاولة لمعرفة الذات ونقدها ركز المؤلف على دراسة إشكالية الهوية، لان سؤال الهوية يطرح نفسه بصيغ مختلفة وسياقات متعددة باعتباره اشكالية ذهنية تطرح نفسها في اوقات التحديات المصيرية والأزمات الثقافية، حيث تتحول احيانا الى ازمة نتيجة الاوهام المبالغ فيها والخوف عليها من الآخر المختلف، وكذلك من الانتماءات والولاءات والتصورات الايديولوجية، مؤكدا على ان اشكالية الهوية في العراق ترتبط بإشكالية الحرية، وان أزمة الهوية ترتبط قبل كل شيء بأزمة الديمقراطية.  كما طرح االمؤلف للبحث موضوع الثقافات الفرعية وخصوصياتها وظهورها على مسرح الاحداث خلال العقود الاخيرة. وبالرغم من انها ليست ظاهرة جديدة، ولكن بروزها على مسرح الاحداث السياسية بشكل كاد ان يؤدي بعد الاحتلال الى حرب اهلية، فإنها تعبر عن فشل الدولة وكذلك المكونات الاجتماعية في حل مسألة الهوية وتطوير مؤسسات مجتمع مدني قادر على تحقيق عقد اجتماعي لمشروع وطني يوحد العراقيين في هوية وطنية واحدة. ومن الجدير بالذكر ان كتاب الشخصية العراقية يتكون من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يتضمن البحث عن الهوية والجزء الثاني يبحث في خصائص وسمات الشخصية العراقية التي تغيرت خلال العقود الأخيرة. أما الجزء الثالث فيبحث في تشوه الشخصية العراقية في مرحلة ما بعد السقوط وما أفرزته من فوضى وخراب ما زلنا نجني ثماره حتى اليوم. ان ما حدث من تغيرات بنيوية عميقة خلال العقود الأخيرة، بسبب الاستبداد والحروب والحصار ومن ثم سقوط النظام السابق والغزو والاحتلال وما اعقبه من فوضى وتفكك وخراب، عملت على تكوين مجتمع مغترب وثقافة مستلبة وشخصية منقسمة على ذاتها الى واحدة متسلطة قامعة واخرى نكوصية خاضعة.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشخصية العراقية للدكتور إبراهيم الحيدري الشخصية العراقية للدكتور إبراهيم الحيدري



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia