فاطمة المزروعي تضع قارئها في وجه الحكاية في كمائن العتمة
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

فاطمة المزروعي تضع قارئها في وجه الحكاية في "كمائن العتمة"

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - فاطمة المزروعي تضع قارئها في وجه الحكاية في "كمائن العتمة"

بيروت ـ وكالات

في روايتها «كمائن العتمة» الصادرة عام 2012 والحائزة «جائزة العويس للإبداع» فرع السرد الروائي والقصصي تضع الكاتبة فاطمة المزروعي القارئ مباشرة في وجه الحكاية وتترك له أن يعيش تلك الحالة الإنسانية التي تحياها الشخصية الرئيسية «سارة» في عتمتها، هذه العتمة التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها عتمة قَدَرية تشبه عتمة العمى الذي يولد مع صاحبه. تذكر المزروعي على لسان شخصيتها مطلع الفقرة الثانية من الصفحة الأولى للرواية الصادرة عن دار الفارابي البيروتية في مائة وستين صفحة من القطع المتوسط: «كانت تلك العتمة قد أحاطتني منذ الطفولة وغشيت كل حواسي، فلم أعد أستطيع أن أتلمس طريقي بأية وسيلة كانت، وكان الخوف وحده محيطي الذي يحدد أبعادي ويجمعني مع غرفتي وأدواتي وكتبي وحتى ملابسي التي كنت أقتنيها بعناية».لخوف هنا قرين العتمة الملازم لها – أي للشخصية الرئيسية، والساردة الوحيدة - طيلة الرواية، أما الحياة فهي جملة رغبات ومخاوف تتغذى الواحدة منها على الأخرى. سارة الآن شابة في الثلاثين، وعندما أنزلت بها العائلة عقوبة المكوث في غرفة معتمة بلا نوافذ إلى حد يغيب فيها إحساس حبيستها بالزمن، كانت ما تزال طالبة جامعية، أي أن القارئ يراها الآن تتحدث إليه، وكأنما على نحو سرّي، بعد سبع أو ثماني سنوات من هذا الاعتقال على خلفية الشروع بالحب. تبدأ الرواية من منتهى الحكاية وتُختتم بمستهلِّها، وما بينهما عالم واسع قليل التفاصيل غير المرئية وإنما تشّع فيه أحاسيس أنثوية ملؤها القهر والعذاب، فما من شيء هنا إلا ويمت إلى العتمة والسكون بصلة، ولا شيء من الممكن تخيّله سوى صوت «سارة» يخرج حارّا ومختنقا من بين تضاعيف السرد وتفاصيل الحكاية. وفي سياق هذه العتمة تغيب ملامح الشخصيات، فالقارئ بالكاد يتأكد من ملامح «سارة»، هذه الملامح الغائمة من شدة ما أن حضورها مفرط في الغياب حيث الغياب هنا يشبه ذلك الفراغ في الجسد الذي برّحه الألم إلى حدّ الإحساس بالخدر. أما الشخصيات الأخرى، الأم والأب والأخوة والأخوات وزملاء الدراسة فهي أطياف شخصيات ولا أثر لها إلا بوصفها ضرورة تلزم السرد الروائي احيانا، بل وتبدو في أحيان أخرى من الممكن أن تسقط من متاع هذا السرد. أضف إلى ذلك أن المكان نفسه ليس شخصية روائية بل هو أيضا طيف مكان، ومع أن هناك بلدا ما إلا أنه بلا هوية متعينة في مدينة مثلا، بل هناك مطارح: عائلة وبيت ومقهى وجامعة وشارع وفندق رخيص وذلك مع أننا نفهم بسهولة من «الحكي» أننا في بلد ينتمي إلى الخليج العربي. أما تقنية السرد، فالافت فيها أن المزروعي لا تعود بشخصيتها إلى الوراء عبر تقنية الفلاش باك السينمائية، إنما هي تستعير طبقتين صوتيتين، بلغة أهل الموسيقى، إحداهما للحضور، وتخص سارة في عتمتها، والأخرى للغياب وتخص سارة عندما تتذكر تلك «السارة» التي كانتها قبل عتمتها. تتداخل هاتان الطبقتان الصوتيتان أثناء السرد على نحو يرتبط مباشرة بالتفاصيل الخاصة بالعتمة (حضورا) وما سبق عليها (غيابا، الآن وهنا). إنها فكرة تنتسب إلى ما يُسمى بالعدم أو العبث الذي شاع في المسرح والرواية منذ أربعينات القرن الماضي في الثقافة الغربية، حيث الحياة من وجهة نظر «سارة» لم تكن سوى برزخ التمع فيه الضوء أثناء العبور من رحم الأم إلى رحم قبر هو هذه الغرفة التي تحيا فيها – أي سارة ميتة – أو قبر تعيش فيه حية. إنه عدم تفوح منه رائحة ذلك الألم الذي كان يشعر به المثقف الألماني فردريك نيتشه في عذاباته.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاطمة المزروعي تضع قارئها في وجه الحكاية في كمائن العتمة فاطمة المزروعي تضع قارئها في وجه الحكاية في كمائن العتمة



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia