بغداد ـ وكالات
الهوية المفقودة، الصراع بين البشر بسبب اختلاف الموروثين الثقافي والديني، والسيطرة من خلال القوة، تعد أبرز القضايا التي تشغل أعمال الفنان العراقي، سنان حسين، في معرضه الذي افتتح أخيراً في «كورت يارد غاليري» في دبي، والذي حمل عنوان «تناغم إنساني». ويتضمن المعرض محاولة واضحة من قبل الفنان العراقي إظهار الهوية المشوهة والممزقة لدى البشر نتيجة الصراعات الإنسانية والسياسية الناجمة عن كل ما يحملونه من البقاع الجغرافية التي ولدوا فيها، مستخدماً بشكل بارز الاختلاف بين الثقافتين الغربية والشرقية في الكثير من اللوحات.
قوة السيطرة من خلال القوة، هو المفهوم الذي يقوم عليه الكثير من العلاقات بين البشر، ويسود الكثير من المجتمعات مهما بلغت من التطور، وهو ما قامت عليه بعض لوحات حسين في هذا المعرض الذي يستمر حتى 15 ابريل ويضم 12 عملاً. عمد حسين إلى إبراز بشاعة هذا العالم الذي يفرز الشعوب بين قوي وضعيف، ويهمش ثقافات لمجرد تصنيفها بكونها ثقافات الشعوب الأضعف، وذلك بأسلوب يحمل سخرية ضمنية من المشاهد اليومية الحياتية. واعتمد الفنان العراقي تصوير الأقوياء شبه مجردين من ملابسهم ويقدمون قوتهم بصيغة استعراضية، ليدلل من خلال هذا التهكم على المفهوم الخاطئ عن القوة، الذي يتغذى به العقل البشري منذ الطفولة، فيشعر المتلقي أمام اللوحات كأنه أمام عمل مسرحي من نوع الكوميديا السوداء التي تقود الى الضحك والألم في الوقت عينه، هذا الألم الذي يقدمه حسين يقوم على الشعور بالحاجة الى اطلاق صرخة تغيير، تنطلق بشكل أساسي من تغيير التعاطي وفق منظومة البقاء للأقوى، لتقدم مفهوم التعايش بين البشر وتقبل الآخر ليكون النموذج الأصح الذي يجب أن تقوم عليه لعبة العيش.
شكّل حجاب المرأة قضية في لوحات حسين الذي سعى إلى إبراز هذا الجانب وارتباطه بهوية المرأة الشرقية، فتارة يبرز كيف يمكن أن يقود الى تمزيق هويتها، فتنشطر الوجوه الى قسمين، ومعها المرأة وأفكارها ومعتقداتها، وتارة يلعب على العلاقة بين هذا الحجاب الذي ترتديه المرأة في الشرق وكيفية رؤية العالم الغربي له. وحاول حسين تعزيز فكرة الارتباط بين الغرب والشرق في ما يتعلق بفكرة الحجاب برمزية واضحة، مستخدماً العلم الأميركي غطاء على فم امرأة ترتدي الحجاب، ليمنح من خلال هذا العمل معرضه الأبعاد السياسية عارضاً بشكل واضح موقفه من السياسة الأميركية التي أظهرها أنها تسكت الأصوات التي تحاول أن ترتفع من المجتمعات الأخرى وذلك بفعل القوة.
يطرح حسين علاقة المجتمع الشرقي بالغربي في اسلوب حواري بين المجتمعين قائم على القوة، فالشخوص متقاربة وفي محاولة للكلام، إلا أن العنف والقوة يمنع هذا الحوار ويقود الى سيطرة مطلقة من قبل الغرب. يصور حسين من خلال هذا المعرض واقعية ألم المجتمع ليحاول من خلالها بناء مجتمع بديل يحفل بالسكينة والنقاء، وبعيد عن الأحقاد، لذا يركز على العلاقات الإنسانية بين البشر، فلا يتعمد ابراز شخوصه في حالة وحدة. الى جانب ذلك، يقدم الفنان العراقي العلاقة بين الرجل والمرأة بأسلوب مميز وحالم في أعماله، حيث يبرزهما في أكثر من لوحة في حالة من الانسجام والتكافؤ، بينما ما يزعزع هذا النوع من التناغم في العلاقة هو الضياع الذي يعيشه المرء على المستوى الشخصي، فغالباً ما يصور شخوصه في حالة من التشتت وتعددية الشخصيات. وعلى الرغم من كل هذا التفتت في الواقع، إلا أن حسين يبدو مؤمناً بحقيقة أبرزها بشكل واضح في عملين من خلال جمعه شخوصاً من ثقافات متباينة ضمن بقعة واحدة، يجمعهم الحب وليس القوة، وذلك من خلال القلوب التي حملت النوافذ التي تطل على العالم، وكذلك الملائكة ذات الأجنحة الخيرة التي وُضعت خلفهم. تبرز اللوحات اتجاه حسين الشرقي في العمل، فهو يبني أعماله الإكريليكية من خلال الاستعانة بالزخرفة بشكل بارز، فيدخل الى اللون مجموعة من العقود التي يركبها على اللوحة. كما ان احتفاءه بالشرق يبدو واضحاً من طبيعة الألوان الترابية التي يستخدمها بشكل بارز الى جانب مجموعة من رموز حضارات الشرق ومنها السومرية، والبابلية، والأكادية، والآشورية، التي يوظفها بشكل بارز في المشهد، كمثلث الخلود ودائرة الحياة اللذين شكلا أقراط النساء، الى جانب الحروف المسمارية التي زخرفت حروف اللوحة، والنقوش المستوحاة من الأقمشة التي تستخدم لتصميم الملابس التراثية. في الختام يمكن القول ان هذه الأعمال تشكل العين التي تجرد المجتمع من كل زخارفه، فيبدو المعرض كأنه عملية تشريح أو تعرية لواقع أليم قد يحاول الكثيرون التغاضي عن رؤيته، ليؤكد أن تركيبة العالم تقوم على التفاعل بين المجتمعات مع اختلاف الأديان والثقافات وتفاوت القوة.
أرسل تعليقك